عَنْ أبي عبد الرحمن السُّلَمِيِّ، عن عثمانَ بنِ عفَّانَ رضي الله عنه، عن النبيِّ ﷺ قال: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ».
وفي رواية: «إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ»
عَنْ أبي عبد الرحمن السُّلَمِيِّ، عن عثمانَ بنِ عفَّانَ رضي الله عنه، عن النبيِّ ﷺ قال: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ».
وفي رواية: «إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ»
1. في الحديث الحثُّ على تعلُّم القرآن وتعليمه.
2. في الحديث بيان أن خيرَ الناس، وأفضلَهم، وأعلاهم درجةً عند الله تعالى، مَن أَقبَل على القرآن الكريم، فتَعلَّمه تلاوةً وحِفظًا وعَملاً، فأصبح عالِمًا بمعانيه وأحكامه، ثم أقبل على تعليمه للناس، فيَنال بتعلُّمه درجةَ المتعلِّمين، وبتلقينه درجة العالِمين، فيكون حجَّةً له، لا عليه.
3. الخيرية لصاحب القرآن أن يجمع بين التعلُّم والتعليم، وهذا من أفضل أعمال البِرِّ والخير عند الله تعالى؛ فالجامع بين تعلُّم القرآن وتعليمه جامعٌ بين النفع القاصر على النفس والنفع المتعدِّي للغير، وبذلك ينال صاحب القرآن العاملُ به الدرجةَ العالية عند الله تعالى.
4.
قال تعالى:
(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)
[فصلت: 33]
والدُّعاءُ إلى اللَّه يَقَعُ بأمور شتَّى، مِن جُمْلتها تعليمُ القرآن، وهو أَشْرَفُ الجميع[1].
5. في الحديث دليل على أن قراءة القرآن أفضلُ أعمال البرِّ كلِّها؛ حيث إن مَن تعلَّم القرآن وعلَّمه أفضل الناس وخيرهم، وقد وجبت له الخيرية والفضلُ من أجل القرآن، وكان له فضل التعليم جاريًا، ما دام كلُّ من علَّمه تاليًا للقرآن[2].
6. لا يتمكَّن من تعلُّم القرآن حقَّ تعلُّمه وتعليمه إلّا بالإحاطة بالعلوم الشّرعيَّة، أصولِها وفروعها، مع المعارف والعلوم القرآنيّة وفوائدها، ومثلُ هذا الشّخص يُعَدُّ كاملًا لنفسه، مكمِّلًا لغيره؛ فهو أفضل المؤمنين مطلَقًا[3].
7. القرآن يُطلَق على كلِّه وبعضِه، ويُصبح إرادةُ المعنى الثّاني (بعضه) هنا باعتبار أنّ من وُجد منه التّعلُّم والتّعليم، ولو في آية، كان خيرًا ممّن لم يكن كذلك، ووجه خيريَّته يُعلَم من الحديث الصّحيح: «أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ»[4].
8. تعلُّم قدر الواجب من القرآن والفقه سواءٌ في الفضل، وأمّا الزّيادةُ على الواجب فالفقهُ أفضل؛ فتعلُّمُ قدر الواجب من القرآن علم يقينيٌّ، ومن الفقه ظنّيٌّ، فكيف يكونان في الفضل سواءً، والفقه إنّما يكون أفضلَ لكونه معنى القرآن، فلا يُقابَل به، ولا شكَّ أنّ معرفة معنى القرآن أفضل من معرفة لفظه، وأنّ المراد بالقدر الواجب من القرآن تعلُّم سورة الفاتحة مثلًا[5].
9. تعلُّم القرآن وتعليمُه يتناول تعلُّم حروفه وتعليمها، وتعلُّم معانيه وتعليمها، وهو أشرف قسمَيْ علمِه وتعليمه؛ فإن المعنى هو المقصود، واللّفظ وسيلة إليه، فتعلُّم المعنى وتعليمه، تعلُّم الغاية وتعليمها، وتعلُّم اللّفظ المجرَّد وتعليمه، تعلُّم الوسائل وتعليمها، وبينهما كما بين الغايات والوسائل[6].
10. هل يَلزَم من الحديث أن يكون المقرئ أفضلَ من الفقيه؟ لا؛ لأنّ المخاطَبين بذلك كانوا فقهاءَ النّفوس؛ لأنّهم كانوا أهلَ اللّسان، فكانوا يدرون معانيَ القرآن بالسّليقة أكثر ممّا يدريها مَن بعدَهم بالاكتساب، فكان الفقه لهم سجيّةً، فمن كان في مثل شأنهم، شاركهم في ذلك، لا من كان قارئًا أو مُقرِئًا محضًا لا يَفهَم شيئًا من معاني ما يَقْرَؤه أو يُقرِئه[7].
11. هل يَلزَم من الحديث أن يكون المقرئ أفضلَ ممَّن هو أعظمُ غِناءً في الإسلام بالمجاهَدة والرِّباط والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر مثلًا؟ المسألةُ تَدُور على النَّفع المتعدِّي، فمن كان حصوله عنده أكثرَ، كان أفضلَ؛ فلعلّ (مِنْ) مُضمَرة في الخبر؛ أي: المعنى: (مِنْ خَيْرِكم)، ولا بدَّ مع ذلك من مراعاة الإخلاص في كلِّ صنف منهم[8].
12. يُحتمَل في الحديث أن تكون الخَيريّة، وإن أُطلِقت؛ لكنَّها مقيَّدة بناس مخصوصين خُوطِبوا بذلك، كان اللّائق بحالهم ذلك، أو المرادُ خَيْرُ المتعلّمين من يعلِّم غيره، لا من يَقتصر على نفسه، أو المرادُ مُراعاةُ الحيثيّة؛ لأنّ القرآن خيرُ الكلام، فمتعلِّمُه خير من متعلِّم غيرِه بالنّسبة إلى خيريّة القرآن، وكيفما كان فهو مخصوص بمن علَّم وتعلَّم، بحيث يكون قد عَلِم ما يَجِب عليه عَينًا[9].
13. أيُّما أفضلُ: تعلُّم الْقُرْآن أَم تعلُّم الْفِقْه؟ إن تعلُّم اللَّازِم مِنْهُمَا فرضٌ على الْأَعْيَان، وَتعلُّم جميعهما فرضٌ على الْكِفَايَة، إِذا قَامَ بِهِ قومٌ سَقَط عَن البَاقِينَ، فَإِن فَرضنَا الْكَلَام فِي التزيُّد مِنْهُمَا على قدر الْوَاجِب فِي حقِّ الْأَعْيَان، فالمتشاغِل بالفقه أفضلُ، وَذَلِكَ رَاجعٌ إِلَى حَاجَة الْإِنْسَان؛ لِأَنَّ الْفِقْه أفضل من الْقِرَاءَة، وَإِنَّمَا كَانَ القارئ فِي زمن النَّبِيِّ ﷺ هُوَ الأفقهَ؛ فَلذَلِك قدَّم القارئ فِي الصَّلَاة[1].
14. كلُّ ما وَرَد داخل في المعلِّم والمتعلِّم، ولا يُتوهَّم أنّ العمل خارجٌ عنهما؛ لأنّ العلم إذا لم يكن مورِثًا للعمل، فليس علمًا في الشّريعة؛ إذ أجمعوا على أنّ من عصى اللّه فهو جاهل، مع أنّه قيل للإمام أحمد: إلى متى العلمُ، فأين العَمَل؟ قال: عِلْمُنا عَمَلٌ [1].
15. إذا كان خيرُ الكلام كلامَ اللّه، فكذلك خيرُ النّاس بعد النّبيِّين من يتعلَّم القرآن ويعلِّمه؛ لكن لا بدَّ من تقييد التّعلُّم والتّعليم بالإخلاص[2].
16. في الحديث حضُّ العالِم على نفع غيرِه بما عَلِمه.