عن عبدِ الله بنِ مُعاويةَ رضي الله عنه ، قال: قال النبيُّ :«ثلاثٌ مَن فعَلهنَّ فقد طَعِمَ طَعْمَ الإيمانِ:مَن عبَدَ اللهَ وحدَه، وأنه لا إلهَ إلا اللهُ،وأعطى زكاةَ ماله طيِّبةً بها نفْسُهُ، رافدةً عليه كلَّ عام،ولا يُعطي الهَرِمةَ، ولا الدَّرِنةَ، ولا المريضةَ، ولا الشَّرَطَ اللئيمةَ؛ولكنْ مِن وسَطِ أموالكم؛ فإنَّ اللهَ لم يَسألْكم خيرَه، ولم يأمُرْكم بشرِّه»

عناصر الشرح

غريب الحديث:

رافدة عليه: من الرَّفْد، وهو الإعانة، ومنه الرِّفْد: العطاء. والمراد: تُعينه نفْسه على أدائها[1]

الهَرِمة: أي: الكبيرة في السِّنِّ الضعيفة [2]

الدَّرِنة: أي الجَرْباء [3]

الشَّرَط: رُذالة المال وأَسْوَؤُه [4]

المراجع

  1.  قال الخطَّابيُّ في "غريب الحديث" (1/508): رافدة عليه: من الرَّفْد، وهو الإعانة، يقال: رفدْتُ الرجلَ أرْفِده رِفدًا، والرِّفْد: العطاء. وقال أبو عبيد الهروي في "الغريبين في القرآن والحديث" (3/ 760): أي تُعينه نفْسه على أدائها.
  2.  قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث والأثر" (5/ 261): الهَرَم: الكِبَر. وقد هَرِم يهْرَم فهو هَرِم. جُعِل الهرَمُ داءً تشبيهًا به؛ لأن الموت يتعقَّبه كالأدواء.
  3.  قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث والأثر" (2/ 115): أي: الجرْباء. وأصله مِن الدَّرن، وهو الوسخ.
  4.  قال الخطابي في "غريب الحديث" (1/ 509): الشَّرَطُ: رُذالَةُ المال، كالصَّغِيرة والمُسِنَّة والأعْجَف والدَّبِر ونحْوها.

المعنى الإجماليُّ للحديث:

يروي عبد الله بنُ مُعاويةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ أنه قال: «ثلاثٌ مَن فعَلهنَّ»؛ أي: ثلاثُ طاعات أو خصال من اكتسبهن. «فقد طَعِمَ طَعْمَ الإيمانِ»: فالإيمان له طعمٌ وحلاوةٌ روحية نفسية قلبية، بانشراح الصدر، وطُمأنينة القلب، والأُنس بالله تعالى. «مَن عبَدَ اللهَ وحدَه»: بالتوحيد وإخلاص العبادة لله تعالى، ولا يكون إسلامُ المرْءِ إلا به. «وأنه لا إلهَ إلا اللهُ»؛ أي: وشَهِد أنه لا معبود بحقٍّ إلا الله تعالى. «وأعطى زكاةَ ماله طيِّبةً بها نفْسُهُ»: فإعطاء الزكاة بطِيب نفس، لا يفعله إلا مؤمنٌ؛ لأن المال تُحبُّه النفوسُ وتَبخَل به. «رافدةً عليه كلَّ عام»؛ أي: تُعِينه نفْسُه على بذل المال، ولا تمنعُه عنه، ولا تُحدِّثه بالمنع. «ولا يُعطي الهَرِمة»؛ أي: الكبيرة في السِّنِّ الضعيفة. «ولا الدَّرِنةَ»؛ أي: الجَرْباء. «ولا المريضةَ، ولا الشَّرَطَ اللئيمةَ»؛ أي: أردأ المال وأرذله. «ولكن مِن وسَطِ أموالكم»؛ أي: أن الذي يخرج من وسَط المال، لا من الخيار ولا من الشرار. «فإنَّ اللهَ لم يَسألْكم خيرَه»؛ أي: فإن الله تعالى لم يطلب منكم أن تُخرجوا خيار أموالكم للزكاة. «ولم يأمُرْكم بشرِّه»، ولم يأمركم بإخراج شِرار المال؛ إنما طلب الوسط.

الشرح المفصَّل للحديث:

في هذا الحديث بيانٌ لأمور عظيمة من أمور الإسلام، لا يتحقَّق إيمانُ العبد، ولن يتذوَّق حلاوةَ الإيمان حتى تتحقَّق فيه تلك الأمور.

قوله: «ثلاث من فعَلهن؛ فقد طَعِم طعْمَ الإيمان»: إجمالٌ لتلك الأمور قبل تفصيلها، وهذا للتشويق والحثِّ على الاهتمام والعناية، كما ذكر العدد؛ لأنه أبعثُ في النفوس على استحضار الذِّهن؛ فإن الإنسان يضبط العددَ، ولا بدَّ أن يُطابق العددُ المعدود، فإذا ذُكِر العددُ أولًا، استحضر الإنسانُ ذهنَه حتى يُطابق المعدود بالعدد [1].

وقد استخدم النبيُّ الطَّعْم مع أمر قلبيٍّ، وإن كان إنما يدخُل مع المأكول والمشروب من باب المجاز؛ فاستُعمل بمعنى الإصابة؛ كقوله تعالى:

﴿وَمَن لَّمْيَطْعَمْهُ فَإِنَّهُۥ مِنِّىٓ﴾  

[البقرة: 249]،

وقوله تعالى:

﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَٰنِكُمْ فَذُوقُوا ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ﴾  

[آل عمران: 106]،

وقوله:

﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا بِـَٔايَٰتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا ٱلْعَذَابَ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾  

[النساء: 56]،

وقوله تعالى:

﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ﴾

[الدخان: 49]،

وقوله تعالى:

﴿فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَٰقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا﴾

[الطلاق: 9]؛

مبالغةً في إيصال المعنى [2] .

فشبَّه النبيُّ الإيمانَ بالعسل وحُلْوِ الطَّعام؛ للجهة الجامعة بينهما، وهو الالتذاذُ، ومَيل القلب إليه [3].

وطَعْم الإيمان الذي يَذوقه مَن هذه صفتُه: استلذاذُ الطاعات، وتحمُّل المشقَّات في رِضَا الله - عزَّ وجلَّ - ورسوله ، وإيثار ذلك على عَرَض الدنيا، ومحبَّة العبد ربَّه - سبحانه وتعالى - بفعل طاعته، وتَرْك مخالفته، وما يلقاه من انشراح صدره، وتَنْويره بمعرفة الله تعالى ومعرفة رسوله، ومعرفة مِنَّة الله تعالى عليه في أن أنعمَ عليه بالإسلام، ونَظَمَهُ في سِلك أُمَّة محمَّدٍ خيرِ الأنام، وحبَّب إليه الإيمان والمؤمنين، وبغَّض إليه الكفر والكافرين، وأنجاه من قبيح أفعالهم وركاكة أحوالهم [4].

قوله: «مَن عبَدَ الله وحدَه» هذه الخصلة الأُولى من الحديث، وهي التوحيد وإخلاص العبادة لله تعالى، وهي التي لا يكون إسلامُ المرْءِ إلا بها؛

قال تعالى:

﴿قُلْ يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍۢ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِۦ شَيْـًٔا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا ٱشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾

[آل عمران: 64]،

وقال تعالى:

﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلْإِسْلَٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلْءَاخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ  ﴿٨٥﴾ كَيْفَ يَهْدِى ٱللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَٰنِهِمْ وَشَهِدُوٓا أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ ۚ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾

[آل عمران: 85، 86]،

وقال تعالى:

﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِۦ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَٰلًۢا بَعِيدًا﴾  

[النساء: 116]،

وقال تعالى:

﴿إِنَّهُۥ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَٰهُ ٱلنَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنْ أَنصَارٍۢ﴾

[المائدة: 72]،

وقال تعالى:

﴿وَلَقَدْ أُوحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ﴾  

[الزمر: 65].

والعبادة: غايةُ الخضوع والتذلُّل والانقياد، وهي عامَّةٌ لكلِّ ما يُتذلَّل به لله تعالى فيما أَمَر به، فيَشمَل كلَّ عبادة أَمَر الله بها [5].

وقوله: «وأنه لا إله إلا الله»: هذا العطفُ حقُّه أن يكون مقدَّمًا وجودًا ورُتبةً؛ إذ لا يَعبُد الله وحدَه إلا مَن علِم أنه لا إله إلا هو؛ لكنَّ هذا العطف سِيق لبيان المعطوف؛

كقوله تعالى:

﴿ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ﴾

[البقرة: 232]،

وربما كان من عطف الخاصِّ على العامِّ؛ فإن العِلْم بأنه لا إله إلا هو فرعٌ عن التوحيد الذي يَشمَل القول والاعتقاد والفعل [6].

وقوله: «وأعطى زكاةَ ماله طيِّبةً بها نفسُهُ»: هذه الخصلة الثانية التي ينال بها العبد، ويتذوَّق حلاوةَ الإيمان، وهي إعطاء الزكاة. وإنما ذكر هنا إعطاء الزكاة دون غيرها من الفرائض كالصلاة مثلًا أو الصيام؛ لأن المال تُحبُّه النفوسُ وتَبخَل به؛

كما قال تعالى:

﴿وَءَاتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِى ٱلْقُرْبَىٰ﴾

[البقرة: 177]،

وقال تعالى:

﴿وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾

[العاديات: 8]؛

أي: المال، فإذا سمحت النفْسُ بإخراجه لله - عزَّ وجلَّ - دلَّ على صحَّة إيمانها بالله ووعده ووعيده؛ ولهذا لما منعت العربُ الزكاةَ بعد النبيِّ ، قاتَلَهم الصدِّيق رضي الله عنه على مَنْعها [7]

واشترط في الإعطاء أن تكون نفْسه طيبةً بها، فلا يُعطيها مجبَرًا أو راغمًا؛ كحال المنافقين الذين ذكرهم الله عزَّ وجلَّ:

﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَٰتُهُمْ إِلَّآ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِۦ وَلَا يَأْتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَٰرِهُونَ﴾

[التوبة: 54].

فإذا عرَف العبد ربَّه، ذاق حلاوة عبادته، وطابت نفْسه بتحمُّل المشاقِّ، والإعراض عن الدنيا بإخراج الزَّكَوات منشرحًا بها صدرُه، وكثرة الصَّدَقات، وأفعال الخير؛ طلبًا لِما هو عند الله باقٍ [8].

وقوله: «رافدة عليه كل عام»؛ أي: تُعِينه نفْسه على بذل المال، ولا تمنعُه عنه، ولا تُحدِّثه بالمنع، فهي تَرفِده، من الرِّفد وهو المعاونة، أو من الرِّفْد بمعنى العطاء. والضمير في "عليه" يعود على الإعطاء، الذي يدلُّ عليه قوله: "أعطى" [9].

وقوله: «ولا يعطي الهَرِمةَ، ولا الدَّرِنةَ، ولا المريضةَ، ولا الشَّرَطَ اللئيمةَ» هذا هو الشرط الثالث والخصلة الثالثة؛ ليتحقَّق بها طعمُ الإيمان في قلب العبد وروحه، وهو أن يُخرج الطيِّب مما عنده، ولا يختار أخبثَ ما عنده ليدفعه إلى الفقراء، وهو كقوله تعالى:

﴿يٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَٰتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ ٱلْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِـَٔاخِذِيهِ إِلَّآ أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَٱعْلَمُوٓا أَنَّ ٱللَّهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ﴾

[البقرة: 267]،

وقوله تعالى:

﴿لَن تَنَالُوا ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَىْءٍۢ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦعَلِيمٌ﴾

 [آل عمران: 92].

وهذا الحديث خرج مخرجَ الغالب؛ فإن المرض في الحيوانات نادرٌ، ومُراد النبيِّ تحذيرُ مَن ينتخبون أراذل أموالهم للصدقة، فأما مَن كان كلُّ ما عنده مريضٌ، فإنه يُجزئه أن يُخرجَ عنها المريض كذلك [10].

وقوله: «ولكن مِن وسَطِ أموالكم» الوسطُ يأتي في اللغة بمعانٍ مختلفة؛ منها الأفضلُ؛

كقوله تعالى:

﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ﴾

[القلم: 28]؛

أي: أفضلُهم وأخيرُهم، ويأتي بمعنى المنتصَف بين نقيضين؛

كقوله تعالى:

﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾

[البقرة: 143]؛

أي: بين طرَفَيْ نَقيض، بين الإفراط والتفريط، وهذا المقصود هنا؛ بدليل قوله: «فإنَّ اللهَ لم يَسألْكم خيرَه، ولم يأمُرْكم بشرِّه»، وبدليل حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له الصَّدقة التي أمر اللهُ رسوله : «ولا يُخْرَجُ في الصدقة هَرِمةٌ، ولا ذاتُ عَوار، ولا تَيْسٌ، إلا ما شاء الْمُصَدِّق» [11]؛ فإن قوله: «ولا تَيْس» دليلٌ على ذلك؛ فإن التيس: هو الفَحل من الماعز أو الغنم عامَّةً؛ فلا يأخذ الساعي المريضَ، ولا أفضلَ المال، وفي الحديث الذي رواه عن ابن عبَّاس ﭭ، أن النبيَّ لما أرسل معاذًا إلى اليمن قال له: «إنك تَقْدَمُ على قوم أهل كتاب، فليكنْ أولَ ما تدعوهم إليه عبادةُ الله، فإذا عرَفوا الله، فأخبرهم أن الله قد فرَض عليهم خمسَ صلَوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا، فأخبرهم أن الله فرَض عليهم زكاةً من أموالهم، وتُرَدُّ على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها، فخُذْ منهم، وتَوَقَّ كرائمَ أموال الناس» [12].

المراجع

1. انظر: "شرح سنن أبي داود" للعباد (الدرس رقم 191).

2. انظر: "شرح المشكاة الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (2/ 446).

3. انظر: "شرح سنن أبي داود" لابن رسلان (7/ 516).

4. انظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبيِّ (1/ 210)، "شرح النوويِّ على مسلم" (2/ 13).

5. "التحبير لإيضاح معاني التيسير" للصنعانيِّ (1/ 167).

6. انظر: "شرح سنن أبي داود" لابن رسلان (7/ 516)، "التحبير لإيضاح معاني التيسير" للصنعانيِّ (1/ 167).

7. انظر: "شرح ابن رجب للأربعين النووية" (ص: 184).

8. انظر: "شرح سنن أبي داود" لابن رسلان (7/ 517)، "التحبير لإيضاح معاني التيسير" للصنعانيِّ (1/ 167).

9. انظر: "شرح أبي داود" للعينيِّ (6/ 273).

10. انظر: "شرح سنن أبي داود" لابن رسلان (7/ 517).

11. رواه البخاريُّ (1455). والْمُصَدِّقُ: آخِذُ الصدقات الذي هو وكيل الفقراء في قبض الزكوات بأن يؤدِّيَ اجتهاده إلى أن ذلك خير لهم وحينئذٍ. "شرح القسطلاني" (3/ 47).

12. رواه البخاريُّ (1458)، ومسلم (19).

النقول

قال النوويُّ رحمه الله: "معنى (حلاوة الإيمان): استلذاذ الطاعات، وتحمُّل المشقَّات في رضا الله - عزَّ وجلَّ – ورسوله ﷺ وإيثار ذلك على عَرَض الدنيا، ومحبَّة العبدِ ربَّه - سبحانه وتعالى - بفعل طاعته، وترك مخالفته، وكذلك محبَّة رسول الله ﷺ"([1]).

قال الخطَّابيُّ رحمه الله: "رافدة عليه: من الرَّفْد، وهو الإعانة، يقال: رفدْتُ الرجلَ أرْفِده رِفدًا، والرِّفْد: العطاء... والدَّرِنَةُ الدُّونُ، وأصل الدَّرَن الوَسَخُ. وَالشَّرَطُ رُذَالَةُ المال؛ كالصَّغِيرة والْمُسِنَّة والأعْجَف والدَّبِر ونحْوها. قال أبو عُبيدة: أشراط المال صِغارُ الغَنَم وشِرارهُ"([2]).

قال ابن الأثير رحمه الله: "الهَرَم: الكِبَر. وقد هَرِم يهْرَم فهو هَرِم. جُعِل الهرَمُ داءً تشبيهًا به؛ لأن الموت يتعقَّبه كالأدواء".

قال بدر الدين العينيُّ رحمه الله: "قوله: «طعم طعم الإيمان» طعم: فعل مُعجميٌّ بكسر العين، بمعنى ذاق، ومنه قوله تعالى:

﴿وَمَن لمْ يَطعَمْهُ فَإِنهُ مِنِّي﴾

والطعم بالفتح ما يؤدِّيه الذَّوق. قوله: «من عبدَ الله وحده»؛ أي: أُولى الخصال الثلاثة: مَن عبد الله وحده. قوله: «وأنه لا إله إلا الله» عطف على قوله: «وحده»، فيكون في محلِّ النصب؛ لأن "وحده" حال؛ بمعنى: ينفرد وحدَه، كما قرَّرناه مرةً. قوله: «وأعطى زكاة ماله» هي الخصلة الثانية. قوله: «طيبة بها نفسه»؛ أي: حال كونه طيِّبةً بالزكاة نفسُه، وإنما أتت طيِّبة لاستنادها إلى النفس، يُقال: طابت نفسُه بالشيء، إذا سَمِحت به من غير كراهة ولا غضب. قوله: «رافدة عليه»؛ أي: مُعينة، وأصل الرَّفد الإعانة، يُقال: رفدتُه أَرفِده إذا أَعَنْتُه، وانتصابها على أنها حال من "نفسه"، والضمير الذي في "عليه" يرجع إلى الإعطاء، الذي يدلُّ عليه قوله: "وأعطى"، والمعنى: مُعينة على إعطائها؛ أي: أداء الزكاة. قوله: «ولم يعط الهرِمَة» هي الخصلة الثالثة، و"الهرمة" الكبيرة في السنِّ. قوله: "ولا الدَّرِنة" بفتح الدال المهملة، وكسر الراء، وبعدها نون مفتوحة، وتاء تأنيث؛ أي: ولا يعطي الدَّرِنة، وهي الجَرْباءُ، وأصل الدَّرَن الوَسَخ. قوله: «ولا الشرَطَ» بفتح الشين المعجمة، والراء، وبطاء مهملة. قال الخطابيُّ: الشَّرَطُ: رذالة المال. وقال ابن الأثير: وقيل: صغار المال وشِراره. قوله: «اللئيمة»: نُصِب على أنها صفة "للشَّرَط" ومعناها الدنيئة. قوله: «من وسَط أموالكم» بفتح السين. قوله: «لم يسألكم خيره»؛ أي: خير ما لكم، و «لم يأمركم بشرِّه»؛ أي: برذالته"([3]).

قال الشوكانيُّ رحمه الله: "قوله: «رافدةً» الرّافدة: الْمُعِينة والْمُعطية، والمراد هنا المعنى الأوّل؛ أي: مُعينة له على أداء الزّكاة. قوله: «ولا الدَّرِنة» بفتح الدّال المهملة مشدَّدةً، بعدها راء مكسورة، ثمّ نون، وهي الجَرباء، قاله الخطّابيُّ، وأصل الدَّرَن: الوَسَخ كما في القاموس وغيره.

قوله: «ولا الشَّرَطَ اللّئيمة»: الشّرَط بفتح الشّين المعجمة والرّاء، قال أبو عُبيد: هي صغار المال وشراره، واللّئيمة: البخيلة باللّبن. قوله: «ولكن من وسط أموالكم... إلخ» فيه دليل على أنّه ينبغي أن يخرج الزّكاة من أوساط المال، لا من شِراره، ولا من خياره"([4]).

قال ابن رجب رحمه الله: "وقد ذكرنا قريبًا حديث أبي الدّرداء فيمن أدَّى زكاة ماله طيِّبةً بها نفسُه، قال: وكان يقول: لا يفعل ذلك إلّا مؤمن. وسببُ هذا أنّ المال تحبُّه النّفوس وتَبخَل به، فإذا سمحت بإخراجه للّه - عزّ وجلّ - دلَّ ذلك على صحّة إيمانها باللّه، ووعده، ووعيده؛ ولهذا منعت العرب الزّكاة بعد النّبيِّ r، وقاتلهم الصّدِّيق رضي اللّه عنه على منعها"([5]).

قال العظيم أبادي رحمه الله: "«رافدة عليه»: الرّافدة فاعلة من الرَّفد، وهو الإعانة، يقال: رَفَدْتُه أَرْفِدُه إذا أَعَنْتُه؛ أي: تُعينه نفسُه على أداء الزّكاة، «ولا الدَّرِنة»: بفتح الدّال المهملة بعدها راء مكسورة ثمّ نون، وهي الجرباء، قاله الخطّابيُّ. وأصل الدّرن الوسخ كما في القاموس. «ولا الشَّرَط»: بفتح الشّين المعجمة والرّاء. قال أبو عُبيد: هي صغار المال وشراره. وقال الخطّابيُّ: والشَّرَط رذَالة المال. «اللّئيمة»: البخيلة باللّبن، ويقال: لئيم، للشّحيح والدّنيِّ النّفس والْمَهين. «ولكن من وسط أموالكم»: فيه دليل على أنّه ينبغي أن يُخرج الزّكاة من أوساط المال، لا من شراره، ولا من خياره"([6]).

قال عبدالمحسن العباد رحمه الله: "قوله: «ثلاث من فعلهن، فقد طعم طعم الإيمان»: هذا إجمالٌ من أجل الاهتمام والعناية والتشويق لما سيذكر بعد ذلك؛ مثل قوله: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان»، ثم يأتي التفسير، وهنا قال: «ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان» ثم يأتي التفسير، وهذا فيه حثٌّ على الاهتمام بما سيأتي، وأيضًا ذِكْرُ العدد يجعل الإنسان يضبط العدد، ولو نَسِي شيئًا، فإنه سيعلم أنه حصل نقصٌ؛ لأنه لابدَّ أن يطابق العددُ المعدود، فإذا ذُكر العدد أولاً، فإنه يجعل الإنسان يطالب نفسه بالمعدود حتى يطابق العدد، فهذا من فوائد تقديم العدد. قوله: «من عبد الله وحده وأنه لا إله إلا الله» هذه الخصلة الأولى من الثلاث، وهي إخلاص العبادة لله - عزَّ وجلَّ - وهذا هو الأساس؛ لأن إفراد الله بالعبادة أساس كلِّ عمل، وكل عمل من الأعمال لا يُقبَل إلا إذا كان خالصًا لوجه الله - عزَّ وجلَّ - وحدَه لا شريك له. و(لا إله إلا الله) هي كلمة الإخلاص والتوحيد، ومعناها: لا معبودَ بحقٍّ إلا الله، فهي مشتملة على نفي وإثبات، نفيٍ عامٍّ في أوَّلها، وإثبات خاصٍّ في آخرها، النفيُ العامُّ الذي في أولها هو نفيُ العبادة عن كلِّ ما سوى الله، والإثبات الخاصُّ الذي في آخرها هو إثبات العبادة لله وحده لا شريك له. قوله: «وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه»: هذه الخصلة الثانية، وهي محلُّ الشاهد من إيراد الحديث في الترجمة؛ أي: أنه يُخرِج الزكاة عن طِيب نفس، فلا يُخرجها عن كراهية وعدم رضا وعدم ارتياح؛ لأن هذا حُكم الله، وهذا حقٌّ أوجبه الله - عزَّ وجلَّ - في أموال الأغنياء للفقراء؛ شكرًا لله - عزَّ وجلَّ - على هذه النعمة، والزكاةُ من أسباب نماء المال، وأسباب كثرته. قوله: «رافدة عليه كل عام»: الرِّفد هو الزيادة؛ فالمعنى أنها زيادة ونماء في ماله. قوله: «ولا يعطي الهَرِمة ولا الدَّرِنة»: يُحتمَل أن يكون قوله: «من عبد الله وحده، وأنه لا إله إلا هو» اثنتين، ثم الثالثة ما يتعلَّق بالزكاة، ويُحتمَل أن يكون خصلةً واحدة، وإعطاء الزكاة طيبة بها نفسه هي الخصلة الثانية، وكونه لا يَعمِد إلى شيء فيه عَيْبٌ، وفيه نقص، فيُخرجه الخصلة الثالثة. والهَرِمة هي الكبيرة التي طَعَنت في السنِّ، وبلغت سنَّ الهَرَم، والدَّرِنة هي التي فيها الجرب، وتسمَّى الجرباء. قوله: «ولا المريضة ولا الشَّرَط اللئيمة»: المرض نقصٌ فيها، وقد يؤدِّي إلى هلاكها، أو يكون النقص الذي يَحصُل لها بسبب المرض شديدًا، والشَّرَط اللئيمة هي أرذلُ المال ورَدِيئُه. قوله: «ولكن من وسط أموالكم» يعني: أن الذي يخرج من الوسط، لا من الخيار ولا من الشرار؛ وإنما من وسط المال... قوله: «فإن الله لم يسألكم خيره، ولم يأمركم بشرِّه»: خيره هو خيارُ المال، وشرُّه هو شِرار المال، والشارع إنما طلب الوسط"([7]).

المراجع

1. شرح النوويِّ على مسلم" (2/ 13).

2. "غريب الحديث" للخطَّابيِّ (1/508، 509).

3. "شرح سنن أبي داود" لبدر الدين العينيِّ (6/ 273، 274).

4. "نيل الأوطار" للشوكانيِّ (4/ 160).

5. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 24).

6. "عون المعبود شرح سنن أبي داود" للعظيم أبادي (4/ 465).

7. "شرح سنن أبي داود" للعباد (3/191).

مشاريع الأحاديث الكلية