عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ»
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ»
يحذِّر النبيُّ ﷺ أُمَّتَهَ من اتباع الكُهَّان والدجَّالين وغيرهم من الذين يزعمون أنَّهم يعلمون الغيب، فيُخبِر أنَّ مَن أتى أحدًا من الكَهَنَةِ الذين يتَّصِلون بالشياطين لِيَسترِقوا لهم السمع ويخبروهم بالأخبار المستقبلية وما لا يطَّلِع عليه أحدٌ من البشر، أو من العرَّافين الذين يستخدمون وسائل الشعوذة والنَّظر في الأبراج والمُنَجِّمِين لمعرفة الغائب ونحوهم، وصدَّقهم بما افتروه وزعموه؛ فقد كفر بالله تعالى وبنبيِّه رضي الله عنه.
ووجه الكفر أنه يتضمن تكذيب
قوله تعالى:
﴿قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾
[النمل: 65]
ولكن إذا صدقهم شخصٌ ظنًا أن هذا مما يمكن أن يعلمه البشر، ولم يَعرف أن هذا مما اختص الله بعلمه؛ فلا نحكم عليه بالكفر بعينه.
وقد جعل اللهُ تعالى ذلك من الابتلاء والفتنة التي تمحِّص المؤمنَ من الكافر؛ وذلك أنَّ الكاهن أو العرَّاف قد يأتي ببعض الأخبار الصادقة، فيَحسِب الجاهلُ أنه يدعي الغيبَ حقًّا، وليس كذلك؛ سَأَلَ أُنَاسٌ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الكُهَّانِ، فَقَالَ لَهُمْ: «لَيْسُوا بِشَيْءٍ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا الشَّيْءَ يَكُونُ حَقًّا!
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْجِنِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ، فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ ماِئَةِ كَذِبَةٍ»
[1]
وقد كان الجنُّ يصعدون إلى جهة السَّماء، فيركب بعضهم بعضًا، إلى أن يَسترِقَ الأعلى منهم السمع فيُلقي الكلام إلى الذي يَلِيه، إلى أن يتلقَّاه من يُلقيه في أُذن الكاهن، فيَزيد فيه، فلمَّا جاء الإسلام ونزل القرآن، حُرِست السماء من الشياطين، وأُرسلت عليهم الشُّهب، فبَقِي من استِراقِهم ما يَتخطَّفه الأعلى فيُلقيه إلى الأسفل قبل أن يُصيبه الشِّهاب، وإلى ذلك الإشارة
بقوله تعالى:
{إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ}
[الصافات: 6 - 10][2]
على أنَّ الإنسانَ إذا أتى عرَّافًا أو كاهنًا للفرجة ونحوها ثم لم يُصَدِّقه فيما أخبر، فقدْ حَبِط عمله أربعين ليلة، قال ﷺ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» [3]
1.كان الناس قديمًا يذهبون إلى الكاهن أو العَرَّاف، أما الآن مع انتشار وسائل التقنيات والتواصل الحديثة، أصبح الكاهنُ يأتيك في بيتك على هاتفك، على شكل موقعٍ تدخله، أو خبرٍ تقرؤه، أو على صورةِ الأبراج وحظوظها، إلى غير ذلك من صور الكهانة والدجل الكثيرة، فاحذر من إتيانهم بأي طريقة.
2. يدخل في الكهانة والعرافة أن يأتي الرجلُ إلى مَن يزعم أنه راقٍ فيطلب منه شيئًا من ثيابه أو يسأله عن اسمه واسم أمه، ويكتب له رموزًا أو يصنع له حجابًا أو نحو ذلك، فهؤلاء من الكَهَنَة والدجَّالين فينبغي الحذر منهم.
3. الناس قسمان: أتباع الكهنة، وأتباع رُسل الله، فلا يجتمع في العبد أن يكون من هؤلاء وهؤلاء؛ بل يَبعُد عن رسول الله ﷺ بقدر قُرْبِه من الكاهن، ويُكذِّب الرسول بقدر تصديقه للكاهن[4]
4. أصل العقيدة أن ترتبط بالله تعالى وحده، وأن تَرُدَّ إليه أمرك كلَّه، وألَّا يتعلَّق قلبُك بأحد غيرِ الله، وألَّا ترجوَ جلب نفعٍ أو دَفْعَ ضُرٍّ من أحد غيرِ الله تعالى.
5. إياك وإتيانَ الكُهَّان والمنجِّمين والعرَّافين، وتصديقَهم؛ ففي ذلك خسران الدين، والخروج من ملَّة الإسلام، والعياذ بالله.
6.دلَّ الحديثُ على أنَّ تصديقَ الكُهَّان كفرٌ، وإتيانهم مع عدم تصديقهم من الكبائر. فلا يجوز للإنسان أن يأتيهم أو يدخل مواقعهم هزلًا ولا جادًّا.
7. ارضَ بما قسمه الله لك، واعلم أن الغيب ما حُجب عنك إلا لراحتك أنت، فلا تَهتِك سِتْرَ الغيب بما يَزيدك رَهَقًا وتَعبًا.