غريب الحديث:
وَجِلَتْ: فَزِعَت[1].
ذَرَفت: أي: نزل منها الدمعُ[2].
النواجذ: هي الأنياب على الصحيح، وقيل: الأضراس، وقيل: الْمَضاحك التي تَظهَر من الأسنان عند الابتسام[3].
البِدْعة: الأمر الْمُحْدَث في الدِّين[4].
المراجع
- قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث والأثر" (5/ 157): الوَجَل: الفزع.
- قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث والأثر" (2/ 159): ذرفت العين تذرف إذا جرى دمعها.
- قال الهرويُّ في "الغريبين في القرآن والحديث" (6/ 1811): اختلف فيه، قال الأصمعيُّ: هي الأضراس، وقال غيره: هي المضاحك ... وقيل: الأنياب، وهي أحسن ما قيل في النواجذ.
- قال القاضي عياض في "مشارق الأنوار على صحاح الآثار" (1/ 81): البدعة هذه كلُّ ما أُحدِث بعد النبيِّ فهو بدعة، والبدعة فعلُ ما لم يُسبق إليه، فما وافق أصلًا من السنَّة يُقاس عليها فهو محمود، وما خالف أصول السُّنن فهو ضلالة. ومنه قوله: «كل بدعة ضلالة».
المعنى الإجماليُّ للحديث:
قال العِرباضُ بنُ ساريةَ : (قام فينا رسول الله ﷺ ذاتَ يوم، فوعَظَنا موعظةً بليغةً، وَجِلَتْ منها القلوبُ، وذَرَفَت منها العيونُ): كان النبيُّ ﷺ كثيرًا ما يعِظ أصحابه، وذاتَ يوم وعظهم موعظةً بليغة، خوَّفهم وأَنذَرهم، فخافت قلوبهم، وبَكَت عيونهم من الخشية والخوف.
فقيل: (يا رسول الله، وعظْتَنا موعظةَ مُوَدِّع): فبالغتَ في الموعظة؛ فإن الْمُوَدِّع عند الوداع لا يترك شيئًا مما يُهِمُّ المودَّع، ويفتقر إليه، إلا ويُورِده ويَستَقصي فيه. (فاعهَدْ إلينا بعهدٍ)؛ أي: فأَوْصِنا.
فقال: «عليكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإنْ عبدًا حبشيًّا»؛ أي: أُوصيكم بتقوى الله، وأُوصيكم بالسمع والطاعة لأمرائكم ومن يَلُون أمركم، حتى وإن كان الأمير عبدًا حبشيًّا.
«وسترَوْنَ من بعدي اختلافًا شديدًا، فعليكم بسُنَّتي»؛ فالتمسُّك بسُنَّته ﷺ هي المنجاة وَسَطَ هذا الخلاف الشديد. «وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين» قيل: هم أبو بكر وعمر وعثمان وعليٌّ رضي الله عنهم، وقيل: بل هم ومن سار سيرتهم من أئمَّة الإسلام في إعلاء الحقِّ، وإحياء الدِّين، وإرشاد الخلق إلى الصراط المستقيم. «عَضُّوا عليها بالنواجذ»، النواجذ: الأضراس، فتمسَّكوا بالسُّنَّة كمن يُمسِك الشيء بين أضراسه ويَعَضُّ عليه لئلَّا يُنتزع منه. «وإياكم والأمورَ المُحدَثاتِ؛ فإن كلَّ بِدعة ضلالة»؛ أي: احذروا الأمور المحدثة المبتدَعة مما يخالف سُنَّتي؛ فإنها الضلال.
الشرح المفصَّل للحديث:
يُرشدنا هذا الحديث إلى بعض القواعد العظيمة التي انْبنى عليها الدين، من وجوب الاتِّباع، وتحريم الابتداع، وطاعة أُولي الأمر في المعروف، والصبر على أذاهم، واتِّباع سُنَّة الصحابة والخلفاء الراشدين.
قوله: (وعظنا موعظةً بليغة) كان النبيُّ ﷺ كثيرًا ما يعِظ أصحابه
{وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا}
{ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}
ولم يكن ﷺ يُطيل الموعظةَ، ولا يَعِظهم كلَّ يوم؛ بل كان يختار الأوقات المناسبة للموعظة؛ لئلَّا يَمَلُّوا ويسأموا، أو تعتاد قلوبهم ذلك. وفي الحديث عن أبي وائل، قال: كان عبد الله بن مسعود يُذَكِّرُ الناس في كلِّ خميسٍ، فقال له رجُل: يا أبا عبد الرحمن، لوددِتُ أنَّك ذكَّرتنا كلَّ يوم، قال: "أما إنه يمنعني من ذلك أني أكرَهُ أن أُمِلَّكم، وإني أتخوَّلكم بالموعظة، كما كان النبيُّ ﷺ يتخوَّلنا بها؛ مخافةَ السآمة علينا"[1].
ووصف الموعظة بأنها بليغة؛ أي: بَالَغَ فيها بالتخويف والإنذار
{وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا}
والبلوغ والبلاغ: الانتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى، ومنه البلاغة، والأصل فيه أن يجمع الكلام ثلاثة أوصاف: صوابًا في موضوع اللغة، ومطابقة للمعنى المراد منه، وصدقًا في نفْسه، وكلام الرسول ﷺ أحقُّ بهذه الأوصاف من بين كلام سائر الخَلْق[2].
وقوله: (ذرفت منها العيون)؛ أي: بَكَت العيون من الخشية والخوف، وهذا مجازٌ؛ فإن الأصل: ذرفت الدموعُ لا العيون، فإسناد الذرف إلى العيون كإسناد الفَيض إليها؛ كما في قوله تعالى:
{تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ}
فكأن أعينَهم ذَرَفت مكانَ الدمع مبالغةً فيها، وإنما قدَّم وَجَل القلوب على بكاء العيون للدلالة على أن الموعظة قد أثَّرت فيهم باطنًا وظاهرًا[3].
وهذان الوصفان قد مدح الله بهما عباده المؤمنين في غير موضِع
{ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ}
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}
{وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ 34 الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}
{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ}
{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}
وقوله: (وعظتَنا موعظةَ مُوَدِّع) مبالغة في الموعظة؛ فإن الْمُوَدِّع عند الوداع لا يترك شيئًا مما يُهِمُّ المودَّع، ويفتقر إليه، إلا ويورده ويَستَقصي فيه[4].
قوله ﷺ: «عليكم بتقوى الله»؛ أي: أُوصيكم بها، والتقوى كما قال طَلْق بن حبيب رحمه الله: "أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثوابَ الله، وأن تتركَ معصيةَ الله، على نور من الله، تخافُ عقابَ الله"[5].
وقوله ﷺ: «والسمع والطاعة وإنْ عبدًا حبشيًّا»؛ أي: أوصيكم بالسمع والطاعة لأمرائكم ومن يَلُون أمركم، وقوله: «عبدًا حبشيًّا» إنما ساقه ﷺ لضرب الْمَثَل مبالغةً؛ فإنه ﷺ قال في حديث معاوية:
«إن هذا الأمر في قريش لا يُعاديهم أحدٌ إلا كبَّه الله على وجهه، ما أقاموا الدين»[6]
وفي الحديث عن ابن عمر
«لا يَزال هذا الأمر في قريش ما بَقي منهم اثنان»[7]
وإنما ساقه ﷺ في مَضرِب المثَل عن الشيء الذي لا يكاد يوجد؛ كما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:
«مَن بنى مسجدًا لله كمِفْحَصِ قَطَاةٍ، أو أصغرَ، بنى الله له بيتًا في الجنة»[8]
ومِفْحَص القَطاة: موضع الطائر الذي يَبيض فيه، وقدر مِفْحَص قَطاة لا يكون مسجدًا لشخصٍ آدميٍّ[9].
ويَحتمِل أن النبيَّ ﷺ أخبر بفساد الأمر ووضعه في غير أهله، حتى تُوضع الولاية في العبيد، فإذا كانت فاسمعوا وأطيعوا تغليبًا لأهون الضررين، وهو الصبرُ على ولاية مَن لا تجوز ولايته؛ لئلَّا يُفضي إلى فتنة عظيمة[10].
وقوله: «وسترَوْن من بعدي اختلافًا شديدًا»، هذه من معجزاته ﷺ ودلائل صدقه؛ فإنه أخبر عمَّا يكون من الاختلاف والإجمال، وإن كان قد عَلِم بعضه، أو كلَّه على التفصيل.
قوله: «عليكم بسُنَّتي»؛ أي: الزَموا سُنَّتِي، والسُّنَّة: الطريقة، وهي: كلُّ ما نُقل عن النبيِّ ﷺ من قولٍ، أو فعلٍ، أو إقرار[11].
وقوله: «وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين» المراد بهم: أبو بكر، وعمرُ، وعثمانُ، وعليٌّ رضوان الله عليهم أجمعين؛ فإنهم الذين انعقد عليهم الإجماعُ بالخلافة الراشدة؛ لقوله ﷺ في حديث سفينةَ أن النبيَّ ﷺ قال:
«الخلافة في أُمتي ثلاثون سنةً، ثم مُلك بعد ذلك»[12]
وإنما أمر بالرجوع إلى سُنَّة الخلفاء الراشدين؛ لأمرين: أنه عَلِم أنهم لا يُخطئون سُنَّته، فيما يَستخرجونه من سُنَّته بالاجتهاد، ومن هذا الباب قتالُ أبي بكر مانعي الزكاة، وقتال عليٍّ المارقة، والثاني: أنه ﷺ علِم أن شيئًا من سُنَّته لا يَشتهِر في زمانه، وإن علِمه الأفراد من صحابته، ثم يَشتهِر في زمان الخلفاء، فيُضاف إليهم، فربما يتذرَّع أحدٌ إلى ردِّ تلك السُّنة بإضافتها إليهم، فأطلق القول باتِّباع سُنَّتهم؛ سدًّا لهذا الباب، ومن هذا النوع منع عمر عن بيع أمهات الأولاد، وله نظائرُ كثيرة[13].
وربما يكون المراد بقوله: «الخلفاء الراشدين المهديين» العلماء وأئمة الإسلام المجتهدين في أصول الأحكام؛ فإنهم خلفاؤه في إحياء الحقِّ، وإعلاء الدين، وإرشاد الناس إلى الطريق المستقيم[14].
وقوله: «عضُّوا عليها بالنواجذ» اختلفوا في النواجذ؛ فقيل: هي الأنيابُ، وقيل: الْمَضاحكُ، وقيل: الأضراسُ. والمرادُ: المبالغةُ في التمسُّك بهذه الوصية بجميع ما يمكِن من الأسباب الْمُعينة عليها، كالذي يتمسَّك بالشيء، ثم يَستعين عليه بأسنانه؛ استظهارًا للمحافظة. ويجوز أن يكون معناه المحافظةَ على هذه الوصيَّة بالصبر على مُقاساة الشدائد، كمن أصابه ألمٌ فأراد أن يصبر عليه، ولا يستغيث منه بأحد، ولا يُريد أن يُظهر ذلك عن نفْسه، فجعل يشتدُّ بأسنانه بعضها على بعض[15].
وقوله: «الأمور المحدَثات»: الأمور الْمُحدَثة في الدين على قسمين: إما أن يكون محدَثٌ ليس له أصلٌ في الدين، فهذا باطلٌ مذمومٌ، وإما أن يكون له أصلٌ قيس عليه، واشتُقَّ منه، فهذا ليس بمذموم؛ إذ الحداثة في حدِّ ذاتها ليست محلًّا للمدح أو الذم، وإلا فقد قال الله تعالى:
{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 2][16].
والمراد بالبدعة: ما أُحْدِث في الدين مما لا أصلَ له في الشريعة يدُلُّ عليه، فأما ما كان له أصلٌ من الشرع يدُلُّ عليه، فليس ببدعة شرعًا، وإن كان بدعةً لغةً، وما كان محدَثًا في أمور الدنيا فلا عَلاقة له بالبدعة هنا[17].
وقوله: «كل بدعة ضلالة» هذا من جوامع كَلِمه ﷺ، فإنَّه قعَّد قاعدةً في هذا الدين بعبارة موجَزة يَسيرة، وهي كقوله ﷺ في الحديث المتفق عليه عن عائشة ڤ:
«مَن أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردٌّ»[18]
فكلُّ مَن أحدث شيئًا ونَسَبه إلى الدين، ولم يكن له أصلٌ من الدين يرجع إليه، فهو ضلالة، والدين بريءٌ منه، وسواءٌ في ذلك مسائل الاعتقادات، أو الأعمال، أو الأقوال الظاهرة والباطنة[19].
أما استحسان السَّلَف لبعض الأفعال على أنها بدعة؛ كقول عمرَ بنِ الخطَّاب عن جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد: «نِعمَ البدعةُ هذه»[20]، فإنما ذلك في البِدَع اللغوية، لا الشرعية؛ فإن فعله له أصلٌ في الشرع؛ فإن النبيَّ ﷺ صلَّى بالناس، ثم خشيَ أن تُفرض عليهم، فترك ذلك، فلما تولَّى عمرُ جمعَهم على أُبيِّ بن كَعب وقال قولته تلك، فلم تكن بدعةً شرعية[21].
المراجع
- رواه البخاريُّ (70)، ومسلم (2821).
- "الميسر في شرح مصابيح السنة" للتوربشتيِّ (1/ 88).
- "شرح المشكاة الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (2/ 633).
- انظر: "شرح المشكاة الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (2/ 633)، "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 114).
- انظر: "الرسالة التبوكية = زاد المهاجر إلى ربه" لابن تيمية (1/ 9)، "مدارج السالكين" لابن القيم (1/ 459).
- رواه البخاريُّ (3500).
- رواه البخاريُّ (3501)، ومسلم (1820).
- رواه ابن ماجه (738)، وصحَّحه البوصيريُّ في "مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه" (1/ 94).
- انظر: "معالم السنن" للخطَّابيِّ (4/ 300)، "الميسر في شرح مصابيح السنة" للتوربشتيِّ (1/ 88).
- انظر: "تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة" للبيضاويِّ (1/ 137)، "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص: 97).
- انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (2/ 409).
- رواه أبو داود (4646)، والترمذيُّ (2226)، واللفظ له، وقال الترمذيُّ: حديث حسن، وحسَّنه ابن حجر في "موافقة الخبر الخبر" (1/141).
- انظر: "الميسر في شرح مصابيح السنة" للتوربشتيِّ (1/ 89)، "المفاتيح في شرح المصابيح" للمظهريِّ (1/ 272).
- "تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة" للبيضاويِّ (1/ 137).
- انظر: "معالم السنن" للخطَّابيِّ (4/ 301)، "الميسر في شرح مصابيح السنة" للتوربشتيِّ (1/ 89).
- انظر: "عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي" لابن العربيِّ (10/ 147)، "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص: 98).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 127).
- رواه البخاريُّ (2697)، ومسلم (1718).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 128).
- رواه البخاريُّ (2010).
- انظر: "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 128).
النقول:
قال الطِّيبيُّ رحمه الله: "قوله: «موعظة مودِّع» فائدة هذا القيد أن المودِّع عند الوداع لا يترك شيئًا مما يُهِمُّ المودَّع ويفتقر إليه إلا ويُورِده ويستقصي فيه"[1].
قال الملا علي القاري رحمه الله: "(فوعظنا)؛ أي: نَصَحنا رسول اللّه ﷺ (موعظةً): وهي ما يوعَظ به. (بليغةً)؛ أي: تامَّةً في الإنذار. قال السّيِّد جمال الدّين: أي: وجيزةَ اللّفظ، كثيرةَ المعنى، أو بالَغ فيها بالإنذار والتّخويف. اهـ. وقال التُّورِبشتيُّ: أي: بالغ فيها الإنذار والتّخويف
{وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا}
وليس المراد وِجازة اللّفظ وكثرة المعنى مع البيان كما قاله القاضي؛ لأنّ قوله: «ذرفت منها العيون» يدلُّ عليه. اهـ. وفيه أنّه لا يَلزَم من إرادة وجازة اللّفظ عدم إفادة الإنذار الّذي سبَّب البكاء، واللّه أعلم. (ذرفت)؛ أي: دمعت. (منها العيون)؛ أي: سالت من موعظته دموع العيون - بضمِّ العين وكسرها -
{ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ}
(ووَجِلت): والوَجَل خوف مع الحذر؛ أي: خافت. (منها القلوب): لتأثيرها في النّفوس واستيلاء سلطان الخشية على القلوب. قال الطّيبيُّ: (ذرفت)؛ أي: سالت، وإسناده إلى العيون مبالغة، وفائدة تقديم (ذرفت) على (وجلت)، وحقُّه التّأخير؛ للإشعار بأنّ تلك الموعظة أثَّرت فيهم، وأخذت بمجامعهم ظاهرًا وباطنًا. اهـ. وتبعه ابن حجر، ولا يخفى أنّ العلّة المذكورة إنّما هي للجمع بينهما للتّأخير، ويمكِن أن يقال: وجهه أنّ الظّاهر عنوان الباطن، يُستدلُّ بالدّمعة على الخشية وإن كانت هي موجِبةً للدّمعة، واللّه أعلم"[2].
قال ابن عثيمين رحمه الله: "فقال ﷺ: (أوصيكم بتقوى الله)، وهذه الوصية التي أوصى بها الله - عزَّ وجلَّ – عباده
{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}
والتقوى كلمة جامعة من أجمع الكلمات الشرعية، ومعناها: أن يتَّخِذ الإنسان وقايةً من عذاب الله، ولا يكون هذا إلا بفعل الأوامر واجتناب النواهي، ولا يكون فعلُ الأوامر واجتناب النواهي إلا بعلم الأوامر والنواهي. إذن؛ فلابدَّ من علم، ولابدَّ من عَمَل، فإذا اجتمع للإنسان العلم والعمل، نال بذلك خشية الله، وحَصَلت له التقوى. فتقوى الله إذن: أن يتَّخَذ الإنسان وقاية من عذابه، بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، ولا وصول إلى ذلك إلا بالعلم. وليس المراد بالعلم أن يكون الإنسان بحرًا في العلم؛ بل المراد به العلم بما يُعِين عليه من أوامر الله. والناس يختلفون في ذلك: فمثلًا من عنده مال يجب أن يعلم أحكام الزكاة، ومن قَدَر على الحجِّ، وَجَب عليه أن يَعلَم أحكام الحجِّ، وغيرهم لا يجب عليهم، فعلوم الشريعة فرض كفاية إلا ما تعيَّن على العبد فعله، فإن عَلِمه يكون فرضَ عين"[3].
قال الملا علي القاري رحمه الله: "(فقال رجل): وفي الأربعين: (قلنا: يا رسول اللّه، كأنَّ): بالتّشديد (هذه)؛ أي: هذه الموعظة، وفي الأربعين: كأنّها (موعظة مودِّع)، بالإضافة؛ فإنَّ المودِّع - بكسر الدّال - عند الوداع لا يَترُك شيئًا ممّا يُهِمُّ المودَّع - بفتح الدّال - أي: كأنّك تودِّعنا بها؛ لما رأى من مبالغته عليه الصّلاة والسّلام في الموعظة، ويمكن أن يقال: لَمّا رأى تأثيرًا عجيبًا من موعظته في الظّاهر والباطن، بحيث أدَّى إلى البكاء، فشبَّه موعظته بموعظة المودِّع من حيث التّأثيرُ والبكاء، أو لكمال التّأثير؛ توهَّموا أنّه يَعقُبه الزّوال، واللّه أعلم بحقيقة الحال. (فأوصنا)؛ أي: إذا كان الأمر كذلك، فمُرْنا بما فيه كمال صلاحنا وإرشادنا في معاشنا ومعادنا بعد وفاتك"[4].
قال الطِّيبيُّ رحمه الله: "قوله: «والسمع والطاعة»؛ أي: أوصيكم بقبول قول الأمير وطاعته، وبما أمركم به ولو كان أدنى خَلق، وهذا وارد على سبيل المبالغة لا التحقيق؛ كما جاء: «مَن بنى مسجدًا لله كمِفْحَصِ قَطَاةٍ»[5] يعني: لا تستنكفوا عن طاعة من وُلِّي عليكم، ولو كان عبدًا حبشيًّا؛ إذ لو استنكفتم عنه، لأدَّى إلى إثارة الحروب، وتهييج الفتن، وظهور الفساد في الأرض، فعليكم بالصبر والْمُداراة حتى يأتي أمر الله. والفاء في «فإنه» للتسبيب، جَعَلت ما بعدها سببًا لِما قبلها؛ يعني: من قَبِل وصيَّتي، والْتَزَم تقوى الله، وقَبِل طاعة من وُلِّي عليه، ولم تهيَّج الفتن، أَمِن بعدي مما يرى من الاختلاف الكثير، وتشعيب الآراء، ووقوع الفتن. ثم أكَّد تلك الوصية بقوله: «فعليكم بسنَّتي» على سبيل الالتفات، وعَطَف عليه قوله: «وإياكم ومحدثاتِ الأمور» تقريرًا بعد تقرير، أو توكيدًا بعد توكيد، وكذا قولُه: «تمسَّكوا بها وعضُّوا عليها بالنواجذ» تشديد على تشديد"[6].
قال الملا علي القاري رحمه الله: "(فقال: أوصيكم بتقوى اللّه)؛ أي: بمخافته والحذر من معصيته.
{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}
أي: بأقسامها الثّلاثة، وهي تقوى الشّرك، والمعصية، وتقوى ما سوى اللّه، وهذا من جوامع الكلم؛ لأنّ التّقوى امتثال المأمورات، واجتناب المنهيَّات، وهي زاد الآخرة تُنجيكم من العذاب الأبديِّ، وتبلِّغكم إلى دار السّرور، وتوجب الوصول إلى عتبة الجلال والقُدس والنُّور. وهذا فيما بينهم وبين اللّه. (والسّمع)؛ أي: وبسمع كلام الخليفة والأئمَّة. (والطّاعة): لمن يلي أمركم من الأمراء ما لم يأمروا بمعصية، عادلًا كان أو جائرًا، وإلّا فلا سمع ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ لكن لا يجوز محاربته. (وإن كان)؛ أي: المطاع؛ يعني: من ولّاه الإمام عليكم. (عبدًا حبشيًّا)، فأطيعوه ولا تنظروا إلى نَسَبه؛ بل اتَّبِعوه على حَسَبه، ولفظ الأربعين: «وإن تأمّر عليكم عبد»؛ أي: صار أميرًا أدنى الخلق فلا تستنكفوا عن طاعته، أو ولو استولى عليكم عبد حبشيٌّ فأطيعوه؛ مخافةَ إثارة الفتن، فعليكم الصَّبْرَ والْمُداراة حتّى يأتيَ أمر اللّه، وقيل: هذا وارد على سبيل الحثِّ والمبالَغة على طاعة الحكّام لا التّحقيق، كما قال عليه الصّلاة والسّلام: «من بنى للّه مسجدًا ولو مثل مِفْحَص قَطَاة، بنى اللّه له بيتًا في الجنّة»[7]، وقيل: ذُكِر على سبيل المثل؛ إذ لا تصحُّ خلافته لقوله عليه الصّلاة والسّلام: «الأئمّة من قريش»[8]. قلت: لكن تصحُّ إمارته مطلَقًا، وكذا خلافته تسلُّطًا كما هو في زماننا في جميع البُلدان، وكأنّ ذكر الحبشيِّ لكونه الغالبَ في ذلك الزّمن، وإلّا فغيره كالزّنجيِّ أخسُّ منه، فكان أنسبَ بالغاية، أو المراد بالحبشيِّ العبد الأسود، فيشمل الزّنجيَّ والهنديَّ ثمّ التُّركيَّ يُعلَم بالأولى"[9].
قال ابن عثيمين رحمه الله: "قال ﷺ: (والسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبد حبشيٌّ): السمع والطاعة، يعني لوليِّ الأمر. (وإن تأمَّر عليكم عبدٌ حبشيٌّ)، سواءٌ كانت إمرتُه عامَّةً؛ كالرئيس الأعلى في الدولة، أو خاصَّةً كأمير بلدة، أو أمير قبيلة وما أشبه ذلك. وقد أخطأ من ظنَّ أن المراد بقوله: (وإن تأمَّر عليكم عبد حبشيٌّ) أن المراد بهم الأمراء الذين دون الوليِّ الأعظم الذي يسمِّيه الفقهاء الإمام الأعظم؛ لأن الإمارة في الشرع تشمل الإمارة العظمى، وهي الإمامة وما دونها؛ كإمارة البُلدان، والمقاطعات، والقبائل، وما أشبه ذلك؛ ودليل هذا أن المسلمين منذ تولَّى عمرُ بنُ الخطَّاب - رضي الله عنه - يسمُّون الخليفة (أمير المؤمنين) فيجعلونه أميرًا. وهذا لا شكَّ فيه، ثم يسمَّى أيضًا (إمامًا)؛ لأنه السلطان الأعظم، ويسمَّى سُلطانًا؛ لكن الذي عليه الصحابة أنهم يسمُّونه (أمير المؤمنين). وقوله: (وإن تأمَّر عليكم عبد حبشيٌّ)؛ يعني: حتى ولو لم يكن من العرب، لو كان من الحبشة، وتولَّى، وجعل الله له السلطة، فإن الواجب السمع والطاعة له؛ لأنه صار أميرًا، ولو قلنا بعدم السمع والطاعة له، لأصبح الناس فوضى، كلٌّ يعتدي على الآخر، وكلٌّ يُضيع حقوق الآخرين. وقوله: (والسمع والطاعة): هذا الإطلاق مقيَّد بما قيَّده به النبيُّ ﷺ حيث قال: «إنما الطاعة في المعروف»[10] ثلاث مرات، يعني فيما يُقرُّه الشرع، وأما ما يُنكره الشرع، فلا طاعة لأحد فيه، حتى لو كان الأبَ أو الأمَّ أو الأمير العامَّ أو الخاصَّ؛ فإنه لا طاعة له. فمثلًا لو أمر وليُّ الأمر بأن لا يصلِّي الجنود، قلنا: لا سمع ولا طاعة؛ لأن الصلاة فريضة، فرضها الله على العباد، وعليك أنت أيضًا، أنت أول من يصلِّي، وأنت أول من تُفرَض عليه الصلاة، فلا سمع ولا طاعة... وهكذا كلُّ ما أمر به وليُّ الأمر، إذا كان معصيةً لله، فإنه لا سمع له ولا طاعة، يجب أن يُعصى عَلَنًا ولا يُهتمَّ به، إن من عصى الله وأمر العباد بمعصية الله، فإنه لا حقَّ له في السمع والطاعة؛ لكن يجب أن يُطاع في غير هذا؛ يعني: ليس معنى ذلك أنه إذا أَمَر بمعصية، تسقط طاعته مطلَقًا، لا؛ إنما تسقط طاعته في هذا الأمر المعيَّن الذي هو معصية لله، أما ما سوى ذلك، فإنه تجب طاعته، وقد ظنَّ بعض الناس أنه لا تجب طاعة وليِّ الأمر إلا فيما أمر الله به، وهذا خطأ؛ لأن ما أمر الله به فإنه يجب علينا أن ننفِّذه ونفعله، سواءٌ أَمَرنا به وليُّ الأمر أم لا. فالأحوال ثلاثة: إما أن يكون ما أَمَر به وليُّ الأمر مأمورًا به شرعًا، كما لو أمر بالصلاة مع الجماعة مثلًا، فهذا يجب امتثاله لأمر الله ورسوله ولأمر وليِّ الأمر. وأما أن يأمر وليُّ الأمر بمعصية الله، مِن تركِ واجب، أو فعل محرَّم، فهنا لا طاعة له ولا سمع. وأما أن يأمر الناس بما ليس فيه أمر شرعيٌّ ولا معصية شرعية، فهذا تجب طاعته فيه
{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}
فطاعةُ وليِّ الأمر في غير معصية طاعةٌ لله ولرسوله"[11].
قال السِّنديُّ رحمه الله: "قوله: (والسّمع والطّاعة)؛ أي: لأمر الخليفة، (وإن)؛ أي: وإن كان الأميرُ عبدًا حبشيًّا؛ فالكلام في آمِر الخليفة الّذي ولّاه الخليفة، لا في الخليفة، حتّى يَرِد أنّه كيف يكون الخليفة عبدًا حبشيًّا؟ على أنّ الْمَحَلَّ مَحَلُّ المبالغة في لزوم الطّاعة، ففَرْضُ الخليفة فيه عبدًا حبشيًّا؛ لإفادة المبالَغة، يَحتمِل قوله: (وسترون) بمنزلة التّعليل للوصيّة بذلك؛ أي: والسّمع والطّاعة ممّا يَدفَع الخلاف الشّديد؛ فهو خير. قوله: (وسنّة الخلفاء... إلخ) قيل: هم الأربعة - رضي اللّه عنهم - وقيل: بل هم ومن سار سيرتهم من أئمَّة الإسلام المجتهدين في الأحكام؛ فإنّهم خلفاء الرّسول - عليه الصّلاة والسّلام - في إعلاء الحقِّ، وإحياء الدّين، وإرشاد الخلق إلى الصّراط المستقيم. قوله: (عضّوا عليها بالنّواجذ) بالذّال المعجَمة وهي الأضراس. قيل: أراد به الجِدَّ في لزوم السُّنّة؛ كفعل من أمسك الشّيء بين أضراسه وعضَّ عليه منعًا من أن يُنتزَع، أو الصّبر على ما يُصيب من التَّعب في ذات اللّه؛ كما يفعل المتألّم بالوجع يُصيبه. قوله: (والأمور المحدثات) قيل: أُريد بها ما ليس له أصل في الدّين، وأمّا الأمور الموافقة لأصول الدّين، فغير داخلة فيها، وإن أُحدثت بعده ﷺ. قلت: هو الموافق لقوله: (وسنّة الخلفاء)، فليُتأمَّلْ"[12].
قال الملا علي القاري رحمه الله : "(فإنّه)؛ أي: الشّأن، وفي الأربعين: (وإنّه) بالواو. (من يَعِشْ): بالجزم، وفي الأربعين: بالرّفع (منكم بعدي): قال الطّيبيُّ: الفاء للسّببيّة، جعل ما بعدها سببًا لما قبلها؛ يعني: من قَبِل وصيّتي والتزم تقوى اللّه وقَبِل طاعة من وُلِّيَ عليه، ولم يهيِّج الفتن، أَمِن بعدي ممّا يرى من الاختلاف الكثير وتشعُّب الآراء ووقوع الفتن. اهـ. وكتب السّيّد جمال الدّين تحته: وفيه وما زاد عليه، ووجه نَظَره ظاهرًا من وجهين؛ أحدهما: عدم ظهور وجه السّببيّة، وثانيهما: عدم وجود الأنسبيّة؛ بل الفاء للتّفريع، والمعنى: الزموا ما قلتُ لكم؛ فإنّه من يعش منكم بعدي لا مخلِّص له إلّا نصيحتي. (فسيرى اختلافًا كثيرًا)؛ أي: من مِلَل كثيرة، كلٌّ يدَّعي اعتقادًا غير اعتقاد الآخر؛ إشارةً إلى ظهور أهل البدع والأهواء، أو اختلافًا على الْمُلك وغيره كثيرًا يؤدِّي إلى الفتن وظهور المعاصي، وولاية الأخسَّاء، حتّى العَبيد"[13].
قال ابن عثيمين رحمه الله: "قال ﷺ: (فإنه من يعش منكم، فسيرى اختلافًا كثيرًا)؛ يعني: أن من يعش منكم ويُمَدَّ له في عمره، فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ اختلافًا كثيرًا في الولاية، واختلافًا كثيرًا في الرأي، واختلافًا كثيرًا في العمل، واختلافًا كثيرًا في حال الناس عمومًا، وفي حال بعض الأفراد خصوصًا، وهذا الذي وقع؛ فإن الصحابة - رضي الله عنهم - لم ينقرضوا حتى حصلت الفتن العظيمة في مقتل عثمان رضي الله عنه، وعليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وقبلها مقتل عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وغير ذلك من الفتن المعروفة في كتب التاريخ. قال النبيُّ ﷺ وهو الصادق المصدوق: (وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا)، وهذا هو الذي وقع؛ ولكن هل هذه الجملة تُنزَّل على كل زمان؛ بمعنى أن من عاش من الناس فسوف يرى التغيُّر، أو أن هذا خاصٌّ بمن خاطبهم الرسول عليه الصلاة والسلام؟ نقول: إنه ينطبق على كل زمن، فالذين عُمروا منا يجدون الاختلاف العظيم بين أول حياتهم وآخر حياتهم، فمن عاش ومُدَّ له في العمر، رأى التغيُّر العظيم في الناس، رأى التغُّير لأنه كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا) قد وقع، وحصل خلاف بين الأمة في السياسة، وفي العقيدة، وفي الأفعال، والأحكام العملية، ثم إن الرسول ﷺ حثَّ عند هذا الاختلاف على لزوم سنَّة واحدة فقال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضُّوا عليها بالنواجذ)؛ فالرسول ﷺ أمرَنا، عندما نرى هذا الاختلاف، أن نَلزَم سنَّته"[14].
قال الملا علي القاري رحمه الله: "(فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي): اسم فعل بمعنى: الزموا؛ أي: بطريقتي الثّابتة عنّي واجبًا أو مندوبًا. (وسنّة الخلفاء الرّاشدين): فإنّهم لم يعملوا إلّا بسنّتي، فالإضافة إليهم إمّا لعملهم بها، أو لاستنباطهم واختيارهم إيّاها. (المهديّين)؛ أي: الّذين هداهم اللّه إلى الحقِّ. قيل: هم الخلفاء الأربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليٌّ - رضي اللّه عنهم - قال بعض المحقِّقين: ووصف الرّاشدين بالمهديّين لأنّه إذا لم يكن مهتديًا في نفسه، لم يصلح أن يكون هاديًا لغيره؛ لأنّه يوقع الخَلْق في الضّلالة من حيث لا يُشعرهم. قال التُّوربشتيُّ: وأمّا ذكر سنَّتِهم في مقابلة سنَّته لأنّه عَلِم أنّهم لا يُخطئون فيما يستخرجون من سنَّته، أو أنّ بعضها ما اشتهر إلّا في زمانهم... بل المراد تصويب رأيهم وتفخيم أمرهم، وقيل: هم ومن على سيرتهم من أئمّة الإسلام المجتهدين في الأحكام؛ فإنّهم خلفاء الرّسول عليه الصّلاة والسّلام في إحياء الحقِّ، وإرشاد الخلق، وإعلاء الدّين وكلمة الإسلام. (تمسَّكوا بها)؛ أي: بالسُّنّة. (وعضّوا) بفتح العين (عليها)؛ أي: على السُّنّة (بالنّواجذ) جمع ناجذة بالذّال المعجمة، وهي الضِّرس الأخير، وقيل: هو مرادف السّنِّ، وقيل: هو النّاب. والعضُّ كناية عن شدّة ملازمة السُّنّة والتّمسُّك بها؛ فإنّ من أراد أن يأخذ شيئًا أخذًا شديدًا يأخذه بأسنانه، أو المحافظة على هذه الوصيّة بالصّبر على مقاساة الشّدائد كمن أصابه ألم لا يُريد أن يُظهره، فيشتدُّ بأسنانه بعضها على بعض، قال بعض المحقِّقين: هذه استعارة تمثيليّة، شبَّه حال المتمسِّك بالسُّنّة المحمَّديّة بجميع ما يمكِن من الأسباب الْمُعينة عليه بحال من يتمسَّك بشيء بيديه ثمّ يستعين عليه؛ استظهارًا للمحافظة في ذلك؛ لأنّ تحصيل السّعادات الحقيقيّة بعد مجانبة كلِّ صاحب يُفسد الوقت، وكلّ سبب يَفتِن القلب مَنُوط باتّباع السُّنّة بأن يمتثل الأمر على مشاهدة الإخلاص، ويعظِّم النّهيَ على مشاهدة الخوف؛، بل باقتفاء آثار الرّسول ﷺ في جميع موارده ومصادره وحركاته وسكناته ويقظته ومنامه، حتّى يُلجم النّفس بلجام الشّريعة، ويتجلّى في القلب حقائق الحقيقة بتصقيله من مفاتح الأخلاق، وتنويره بأنوار الذّكر والمعرفة والوفاق، وتعديله بإجراء جميع حركات الجوارح على قانون العدل حتّى يُحدث فيه هيئةً عادلةً مسنونةً من آثار الفضل، يستعدُّ لقبول المعارف والحقائق، ويصلح أن ينفخ فيه روح اللّه المخصوص بسلوك أحسن الطّرائق، هذا وقيل: تمسَّكوا وعضُّوا فعلا ماض صفتان للخلفاء. (وإيّاكم ومحدثات الأمور): عطف على قوله: فعليكم؛ للتّقرير والتّوكيد؛ أي: احذروا عن الأمور الّتي أُحدثت على خلاف أصل من أصول الدّين، واتّقوا أحداثها. (فإنّ كلّ محدثة بدعة)؛ أي: في الشّريعة. (وكلّ بدعة): بنصب كلّ، وقيل: برفعه. (ضلالة): إلّا ما خُصَّ، وقد تقدَّم"[15].
قال ابن عثيمين رحمه الله: "فقال: (عليكم بسنَّتي) يعني الزموها. وكلمة: (عليكم)، يقول علماء النحو: إنها جار ومجرور محوَّل إلى فعل الأمر، يعني: الزموا سنَّتي. وسنَّته عليه الصلاة والسلام هي: طريقته التي يمشي عليها، عقيدةً، وخُلقًا، وعملًا، وعبادةً، وغير ذلك، نلزم سنَّته، ونجعل التحاكم إليها
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمً}
فسنَّة النبيِّ - عليه الصلاة والسلام - هي سبيل النجاة لمن أراد الله نجاته من الخلافات والبدع، وهي - ولله الحمد - موجودة في كتب أهل العلم الذين ألَّفوا في السنَّة؛ مثل الصحيحين للبخاريِّ ومسلم، والسنن والمسانيد، وغيرها مما ألَّفه أهل العلم وحفظوا به سنَّة رسول الله ﷺ"[16].
قال الطِّيبيُّ رحمه الله: "والمرادُ بالخلفاء الراشدين: أبو بكر، وعمرُ، وعثمانُ، وعليٌّ - رَضِي الله عنهم أجمعين... وإنما ذَكَر سنَّتهم في مقابلة سنَّته؛ لأنه عَلِم أنهم لا يُخطئون فيما يَستخرِجونه من سنَّته بالاجتهاد، ولأنه ﷺ عرف أن بعض سنَّته لا تَشتهِر إلا في زمانهم، فأضاف إليهم دفعًا لتوهُّم مَن ذَهَب إلى ردِّ تلك السنَّة، فأطلق القول باتِّباع سنَّتهم؛ سدًّا لهذا الباب. و«النواجذ» الأضراس، وقيل: الضواحك، وقيل: الأنياب، والعضُّ بالنواجذ مَثَلٌ في التمسُّك بهذه الوصية بجميع ما يمكِن من الأسباب الْمُعِينة عليه، كمن يتمسَّك بشيء ثم يستعين عليه بأسنانه؛ استظهارًا للمحافظة". [17]
قال ابن عثيمين رحمه الله: "وقوله: (وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديين): الخلفاء جمع خليفة، وهم الذين خَلَفوا النبيَّ ﷺ في أمَّته علمًا وعملًا ودعوةً وسياسة، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون الأربعة: أبو بكر، وعمرُ، وعثمانُ، وعليٌّ - رضي الله عنهم - وألحقنا بهم في جنات النعيم، هؤلاء الخلفاء الأربعة ومن بعدهم من خلفاء الأمة، الذين خلفوا النبيَّ ﷺ في أمَّته، هم الذين أُمرنا باتِّباع سنَّتهم؛ ولكن ليُعلَم أن سنَّة هؤلاء الخلفاء تأتي بعد سنَّة الرسول عليه الصلاة والسلام، فلو تعارضت سنَّة خليفة من الخلفاء مع سنَّة محمد ﷺ، فإن الحكم لسنَّة محمد ﷺ لا لغيرها؛ لأن سنَّة الخلفاء تابعة لسنَّة النبيِّ ﷺ. المهم أن سنَّة الخلفاء الراشدين تأتي بعد سنَّة الرسول ﷺ. قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر!!" هذا وهما أبو بكر وعمر، فكيف بمن عارض قولَ الرسول ﷺ بقول من دون أبى بكر وعمرَ بمراحلَ. يوجد بعض الناس إذا قيل له: هذه هي السنَّة، قال: لكن قال العالم الفلاني كذا وكذا، من المقلِّدين المتعصِّبين. أما من احتجَّ بقول عالم وهو لا يدري عن السنَّة، فهذا لا بأس به؛ لأن التقليد لمن لا يَعلَم بنفسه، جائز ولا بأس به"[18].
قال الطِّيبيُّ رحمه الله: "في الحديث دليل على أن واحدًا من الخلفاء الراشدين إذا قال قولًا وخالفه غيره من الصحابة، كان المصير إلى قوله أَوْلى، وإليه ذهب الشافعيُّ - رضي الله عنه - في القديم، قال: والحديث يدلُّ على تفضيل الخلفاء الراشدين على غيرهم من الصحابة، وترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة. والله أعلم"[19].
قال ابن عثيمين رحمه الله: "ثم قال النبيُّ ﷺ: (تمسَّكوا بها)؛ أي: تمسَّكوا بسنَّتي وسنَّة الخلفاء الراشدين، (عضُّوا عليها بالنواجذ)، والنواجذ: أقصى الأضراس، وهو كناية عن شدَّة التمسُّك، فإذا تمسَّك الإنسان بيديه بالشيء وعضَّ عليه بأقصى أسنانه، فإنه يكون ذلك أشدَّ تمسُّكًا مما لو أمسكه بيد واحدة، أو بيدين بدون عضٍّ، فهذا يدلُّ على أن النبيَّ ﷺ أمرنا أن نتمسَّك أشدَّ التمسُّك بسنَّته وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين من بعده عليه الصلاة والسلام.
ثم قال النبيُّ ﷺ بعد أن أمر باتِّباع سنَّته وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديين، وحثَّ على التمسُّك بها، والعضِّ عليها بالنواجذ، قال: (وإياكم ومحدثاتِ الأمور)؛ يعني: أحذِّركم من محدثات الأمور؛ أي: من الأمور المحدثة، وهذه الإضافة من باب إضافة الصفة إلى موصوفها، والأمور المحدَثة يعني بها صلوات الله وسلامه عليه: المحدثاتِ في دين الله؛ وذلك لأن الأصل فيما يَدين به الإنسان ربَّه، ويتقرَّب به إليه، الأصل فيه المنع والتحريم، حتى يقوم دليل على أنه مشروع؛ ولهذا أنكر اللهُ - عزَّ وجلَّ - على من يحلِّلون ويحرِّمون بأهوائهم
{وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}
وأنكر على من شرع في دينه ما لم يأذن بها
{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}
{قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ۖ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ}
أما الأمور العادية وأمور الدنيا، فهذه لا يُنكَر على مُحْدَثاتِها إلا إذا كان قد نُصَّ على تحريمه، أو كان داخلًا في قاعدة عامة تدلُّ على التحريم، فمثلًا السيارات والدبَّابات وما أشبهها، لا نقول: إن هذه محدَثة لم توجد في عهد الرسول ﷺ، فلا يجوز استعمالها؛ لأن هذه من الأمور الدنيوية، الثياب وأنواعها، لا نقول: لا تُلبَس إلا ما كان يلبسه الصحابة، البَسْ ما شئتَ مما أحلَّ الله لك؛ لأن الأصل الحلُّ، إلا ما نصَّ الشرع على تحريمه؛ كتحريم الحرير والذهب على الرجال، وتحريم ما فيه الصورة، وما أشبه ذلك"[20].
قال ابن رجب رحمه الله: "قوله: «كل بدعة ضلالة» هذا من جوامع كَلِمه ﷺ، فإنَّه قعَّد قاعدةً في هذا الدين بعبارة موجَزة يَسيرة، وهي كقوله ﷺ في الحديث المتفق عليه عن عائشة ڤ: «مَن أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردٌّ»[21]؛ فكل مَن أحدث شيئًا ونسبه إلى الدين، ولم يكن له أصلٌ من الدين يرجع إليه، فهو ضلالة، والدين بريءٌ منه، وسواءٌ في ذلك مسائل الاعتقادات، أو الأعمال، أو الأقوال الظاهرة والباطنة"[22].
قال ابن عثيمين رحمه الله: "فقوله صلوات الله وسلامه عليه: (وإياكم ومحدثات الأمور) يعني في دين الله، وفيما يتعبَّد به الإنسان لربِّه، ثم قال: (فإن كل بدعة ضلالة) يعني أن كل بدعة في دين الله فهي ضلالة، وإن ظنَّ صاحبها أنها خير، وأنها هدى، فإنها ضلالة لا تزيده من الله إلا بُعدًا. وقوله صلوات الله وسلامه عليه: (كلُّ بدعة ضلالة) يشمل ما كان مبتدَعًا في أصله، وما كان مبتدَعًا في وصفه. فمثلًا: لو أن أحدًا أراد أن يَذكُر الله بأذكار معيَّنة بصفتها أو عددها، بدون سنَّة ثابتة عن رسول الله ﷺ، فإنا ننكر عليه، ولا ننكر أصل الذكر؛ ولكن نُنكر ترتيبه على صفة معيَّنة بدون دليل. فإن قال قائل: ما تقولون في قول عمر - رضي الله عنه - حين أمر أُبيَّ بنَ كعب وتميمًا الداريَّ - رضي الله عنهما - أن يقوما بالناس في رمضان في تراويحهم، وأن يجتمع الناس على إمام واحد بعد أن كانوا أوزاعًا، فخرج ذاتَ ليلة والناس خلف إمامهم فقال: (نعمتِ البدعة هذه)، فأثنى عليها ووصفها بأنها بدعة، والرسول - عليه الصلاة والسلام - يقول: (كل بدعة ضلالة). قلنا: إن هذه البدعة ليست بدعةً مُبْتَدأة؛ لكنها بدعة نسبية؛ وذلك لأن النبيَّ ﷺ صلَّى بأصحابه ثلاث ليال أو أربع ليال في رمضان، يقوم بهم، ثم تخلَّف في الثالثة أو الرابعة، وقال: (إني خشيت أن تُفرَض عليكم) فصار الاجتماع على إمام واحد في قيام رمضان سنَّة سنَّها النبيُّ ﷺ؛ ولكن تركها خوفًا من أن تُفرَض علينا. ثم بَقِيت الحال على ما هي عليه، يصلِّي الرجلان والثلاثة والواحد على حِدَةٍ؛ في خلافة أبي بكر، وفي أول خلافة عمرَ - رضي الله عنهما - جمع الناس على إمام واحد، فصار هذا الجمعُ بدعةً بالنسبة لتركه في آخر حياة الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي عهد أبي بكر، وفي أول خلافة عمر - رضي الله عنهما - فهذه بدعة نسبية، وإن شئت فقل: إنها بدعة إضافية، يعني بالنسبة لترك الناس لها هذه المدَّةَ آخِرَ حياة الرسول ﷺ، وخلافة أبي بكر، وأول خلافة عمر، ثم إنه بعد ذلك استؤنفت هذه الصلاة، وإلا فلا شكَّ أن قول الرسول ﷺ: (كل بدعة ضلالة) عامٌّ، وهو صادر من أفصح الخلق، وأنصح الخلق - عليه الصلاة والسلام - وهو كلام واضح، كلُّ بدعة مهما استحسنها مبتدِعها، فإنها ضلالة"[23].
قال ابن رجب رحمه الله: "المراد بالبدعة: ما أُحْدِث في الدين مما لا أصلَ له في الشريعة يدُلُّ عليه، فأما ما كان له أصلٌ من الشرع يدُلُّ عليه، فليس ببدعة شرعًا، وإن كان بدعةً لغةً، وما كان محدَثًا في أمور الدنيا فلا عَلاقة له بالبدعة هنا"[24].
قال القاضي عياض رحمه الله: "البدعة هذه كلُّ ما أُحدِث بعد النبيِّ ﷺ فهو بدعة، والبدعة فعلُ ما لم يُسبق إليه، فما وافق أصلًا من السنَّة يُقاس عليها فهو محمود، وما خالف أصول السُّنن فهو ضلالة. ومنه قوله: «كل بدعة ضلالة»" [25].
المراجع
- "شرح المشكاة الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (2/ 633).
- "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (1/ 251).
- "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (2/ 276).
- "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (1/ 251).
- رواه ابن ماجه (738)، وصحَّحه البوصيريُّ في "مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه" (1/ 94).
- "شرح المشكاة الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (2/ 634).
- رواه ابن ماجه (738)، وصحّحه البوصيريّ في "مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه" (1/ 94).
- رواه أحمد (12900)، وغيره، وصحّحه الألبانيّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (2188).
- "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (1/ 251، 252).
- رواه البخاريُّ (7145)، ومسلم (1840).
- "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (2/ 276، 279).
- "حاشية السندي على سنن ابن ماجه" (1/ 20).
- "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (1/ 252).
- "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (2/ 279، 282).
- "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (1/ 252، 253).
- "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (2/ 282).
- "شرح المشكاة الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (2/ 634).
- "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (2/ 283، 284).
- "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (2/ 284، 285).
- رواه البخاريُّ (2697)، ومسلم (1718).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 128).
- "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (2/ 285، 287).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 127).
- "مشارق الأنوار على صحاح الآثار" للقاضي عياض (1/ 81).