غريب الحديث
أَعْدَدْتُ: أي: هيَّأتُ؛ قال اللَّيْثُ: العَتَادُ: الشَّيْءُ الذي تُعِدُّه لأمرٍ ما، وتُهيِّئُه له[1].
خَطَرَ؛ أي: مرَّ، والخَاطِرُ: هو مَا يَخْطُر في القلب من تدبير أو أمر[2].
قُرَّة أَعْيُن: أقرَّ اللّه عينَه؛ أي: أعطاه حتّى تَقَرَّ فلا تطمح إلى من هو فوقَه، ويقال: حتّى تَبرُد ولا تَسخَن؛ فللسُّرور دمعة باردة، وللحزن دمعة حارَّة[3].
المراجع
- تهذيب اللغة" لأبي منصور الأزهريِّ (2/ 115).
- "تاج العروس من جواهر القاموس" للزَّبيديِّ (11/ 194).
- "مختار الصحاح" للرازيِّ (ص: 250).
المعنى الإجماليُّ للحديث
روى أبو هُرَيْرَةَ رضى الله عنه، عن رَسُول اللَّهِ ﷺ أنه روى عن ربِّه تعالى أنه قَالَ: «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، فَاقْرَؤوا إِنْ شِئْتُم
فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
في هذا الحديث القُدُسيِّ يَرْوِي النبيُّ ﷺ عن ربِّ العِزَّة - عزَّ وجلَّ – أن الله تعالى بعد أن وَعَد الصالحين من جِنس ما يعرفونه من مَطعَم ومَشرَب ومَلبَس ومَنكَح، وغيرِ ذلك، زادهم من فضله ما لا يعرفونه مما لا عينٌ رأت، ولا أُذن سمعت، ولا يَخطُر على القلب تصوير ما لم يَرَ ولم يسمع.
الشرح المفصَّل للحديث
خَلَق اللهُ الخَلْقَ، وأرسل إليهم الرُّسل، وأنزل عليهم الكُتب، وبيَّن لهم طريقَيِ الخَير والشَّرِّ
وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ
ورتَّب لهم الثواب والعقاب على أعمالهم
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ
فيَصيرون إلى النار بعَدْلِه، أو إلى الجنَّة برحمتِه وفضله، وأَعَدَّ الله الجنَّة للصالحين من عباده وأوليائه، جَعَلَنا اللهُ من أهلها
وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
وأخفى لهم فيها ثَوَابًا لا يَعلَم مِقدارَه إلا اللهُ تعالى؛ جزاءً على أعمالهم>
قال الحسن رضى الله عنه: "أخفى القَوم أعمالاً في الدنيا، فأخفى الله لهم ما لا عَيْنٌ رأت، ولا أُذن سَمعت"[1]، وجَعَل النَّارَ من نَصيب الكفَّار والْمُذنبين من خلقه، أعاذنا الله منها
وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ
وفي هذا الحديث القُدُسيِّ الذي يَرْوِيه النبيُّ ﷺ عن ربِّ العِزَّة - عزَّ وجلَّ - يُخبرنا فيه عن نعيم أهل الجنة، وما أَعَدَّه الله لعباده الطائعين؛ فيقول ﷺ: قَالَ اللَّهُ: «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ»؛ أي: خَلَقْتُ وهيَّأتُ للمؤمنين الطائعين الذين أَدَّوْا ما أَمَرهم الله به، وانتهَوْا عما نهى الله عنه، وعَبَدوني حقَّ العبادة في الجنة نعيمًا ليس بعدَه نعيم، وصِفةُ هذا النعيم: أنه لم تَرَ أيُّ عَيْنٍ من عيون البشر مِثْلَه في الحُسن والجمال، كما لم تسمع أيُّ أُذن من آذانهم مِثْلَه في الطَّرَب والاستمتاع.
"اعْلَمْ أن الله - عزَّ وجلَّ - وَعَد الصالحين من جِنس ما يعرفونه من مَطعَم ومَشرَب ومَلبَس ومَنكَح، وغيرِ ذلك، ثم زادهم من فضله ما لا يعرفونه فقال: «ما لا عينٌ رأت ولا أُذن سمعت» ولا يَخطُر على القلب تصوير ما لم يَرَ ولم يسمع، فقال: «ولا خَطَر على قلب بشر»[2]، وذلك فضل وإكرام من ربِّ العباد لعباده المؤمنين
ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
"معناه: أنه تعالى ادَّخَر في الجنة من النعيم، والخَيرات، واللذَّات ما لم يَطَّلِع عليه أحدٌ من الخَلق، بطريق من الطُّرق، فذكر الرُّؤية، والسمع؛ لأن أكثر المحسوسات تُدرَك بهما، والإدراك ببقيَّة الحواسِّ أقلُّ، ولا يكون غالبًا إلا بعدَ تقدُّم رؤية، أو سماع، ثم زاد أنه لم يجعل لأحد طريقًا إلى توهُّمها بذِكر، وخُطور على قلب، فقد جَلَّت عن أن يُدرِكها فِكرٌ، وخاطر"[3]، فلم يترك فرصةً لأن يتصوَّر الناس أنهم قادرون على تخيُّل هذا النعيم الأبَديِّ في فكرهم مجرَّد تخيُّل، فقال: «وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ»؛ أي: ولا مَرَّ على عقولهم وقلوبهم مجرَّد خاطر عن شيء من هذه النِّعم والْمَلَذَّات التي أَعَدَّها الله للموحِّدين الصادقين في الجنة؛ فكلُّ ما يَدُورُ في ذِهنهم أو خاطرهم أو يتخيَّلونه إنما أَعَدَّ الله ما هو أفضلُ منه بكثير.
قال ﷺ: «فَاقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ:
فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
أي: مِصداقُ هذا الكلام قولُ الله - عزَّ وجلَّ - في سورة السجدة: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ أي: فلا تَعلَم أيُّ نفسٍ - كائنةً من كانت - ما أخفاه الله تعالى عنهم، وخبَّأه لهم من الخير الكثير، والنَّعيم الوَفير، والسعادة والسُّرور، والراحة والاطمئنان.
"والمعنى: لا تعلم النفوس – كلُّهنَّ، ولا نفس واحدة منهنَّ، لا مَلَكٌ مقرَّب، ولا نبيٌّ مرَسل - أيَّ نوع عظيم من الثواب ادَّخر الله لأولئك، وأخفاه من جميع خلائقه، لا يَعلَمه إلا هو، ممَّا تَقَرُّ به عُيونهم، ولا مَزيد على هذه العِدَة ولا مَطمَح وراءها"[4].
وهذا النعيم الذي أخفاه ربُّ العالمين إنما هو بسبب أعمالهم التي كانوا يتقرَّبون بها إلى الله تعالى في الحياة الدنيا، فنعيمُ الجنة لا يتصوَّره عقل؛ ففي الجنة شجرةٌ يَسير الراكب في ظلِّها مائةَ عامٍ لا يقطعها
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضى الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ:
«إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لا يَقْطَعُهَا»
والنعيمُ القليل فيها أفضل من مَلذَّات الدنيا بأكملها؛
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضى الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»
لذا؛ كان الفوز كلُّه في دخول الجنة، والنجاة من النار
فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ
المراجع
- "تفسير الكشاف" للزمخشريِّ (3/ 513).
- " كشف الْمُشكِل من حديث الصحيحين" لابن الجوزيِّ (3/ 433).
- "فَيض القدير شرح الجامع الصغير" للمناوي (11/ 3586).
- "تفسير الكشاف" للزمخشري (3/ 512).
- رواه البخاريُّ (3251).
- رواه البخاريُّ (3250).
النقول
قال ابن الجَوزيِّ رحمه الله: "اعْلَمْ أن الله - عزَّ وجلَّ - وَعَد الصالحين من جِنس ما يعرفونه من مَطعَم ومَشرَب ومَلبَس ومَنكَح، وغيرِ ذلك، ثم زادهم من فضله ما لا يعرفونه فقال: «ما لا عينٌ رأت ولا أُذن سمعت» ولا يَخطُر على القلب تصوير ما لم يَرَ ولم يسمع، فقال: «ولا خَطَر على قلب بشر»[1].
قال المناويُّ رحمه الله: "معناه: أنه تعالى ادَّخَر في الجنة من النعيم، والخَيرات، واللذَّات ما لم يَطَّلِع عليه أحدٌ من الخَلق، بطريق من الطُّرق، فذكر الرُّؤية، والسمع؛ لأن أكثر المحسوسات تُدرَك بهما، والإدراك ببقيَّة الحواسِّ أقلُّ، ولا يكون غالبًا إلا بعدَ تقدُّم رؤية، أو سماع، ثم زاد أنه لم يجعل لأحد طريقًا إلى توهُّمها بذِكر، وخُطور على قلب، فقد جَلَّت عن أن يُدرِكها فِكرٌ، وخاطر"[2].
قال الزمخشريُّ رحمه الله: "والمعنى: لا تعلم النفوس – كلُّهنَّ، ولا نفس واحدة منهنَّ، لا مَلَكٌ مقرَّب، ولا نبيٌّ مرَسل - أيَّ نوع عظيم من الثواب ادَّخر الله لأولئك، وأخفاه من جميع خلائقه، لا يَعلَمه إلا هو، ممَّا تَقَرُّ به عُيونهم، ولا مَزيد على هذه العِدَة ولا مَطمَح وراءها"[3].
قال ابن القيم رحمه الله: "إن الأعمال الصالحة من توفيق اللّه وفضله ومَنِّه، وصَدَقته على عبده، أن أعانه عليها ووفَّقه لها، وخَلَق فيه إرادتها والقُدرة عليها، وحبَّبها إليه، وزيَّنها في قلبه، وكرَّه إليه أضدادها، ومع هذا، فليست ثمنًا لجزائه وثوابه، ولا هي على قدره؛ بل غايتُها إذا بذل العبد فيها نُصْحَه وجُهْدَه، وأوقعها على أكمل الوجوه، أن تقع شكرًا له على بعض نِعَمه عليه، فلو طالبه بحقِّه لبَقِي عليه من الشُّكر على تلك النِّعمة بقيَّة لم يقم بشكرها"[4].
قال ابن عثيمين رحمه الله: "الحديث يسمَّى عند المحدِّثين قُدسيًّا، والحديث القُدسيُّ: كلُّ ما رواه النبيُّ ﷺ عن ربِّه عزَّ وجلَّ. لأنه منسوب إلى النبيِّ ﷺ تبليغًا، وليس من القرآن بالإجماع، وإن كان كلُّ واحد منهما قد بلَّغه النبيُّ ﷺ أمَّته عن الله عزَّ وجلَّ. وقد اختلف العلماء - رحمهم الله - في لفظ الحديث القدسيِّ: هل هو كلام الله تعالى، أو أن الله تعالى أوحى إلى رسوله ﷺ معناه، واللفظُ لفظ رسول الله ﷺ؟ على قولين: القول الأول: أن الحديث القدسيَّ من عند الله لفظُه ومعناه؛ لأن النبيَّ ﷺ أضافه إلى الله تعالى، ومن المعلوم أن الأصل في القول المضاف أن يكون بلفظ قائله لا ناقلِه، لا سيَّما أن النبيَّ ﷺ أقوى الناس أمانةً، وأوثقُهم روايةً.
القول الثاني: أن الحديث القدسيَّ معناه من عند الله، ولفظه لفظ النبيِّ ﷺ، وذلك لوجهين:
الوجه الأول: لو كان الحديث القدسيُّ من عند الله لفظًا ومعنًى، لكان أعلى سندًا من القرآن؛ لأن النبيَّ ﷺ يرويه عن ربِّه تعالى بدون واسطة، كما هو ظاهر السياق، أما القرآن، فنزل على النبيِّ ﷺ بواسطة جبريل عليه السلام
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)
الوجه الثاني: أنه لو كان لفظ الحديث القدسيِّ من عند الله، لم يكن بينه وبين القرآن فرقٌ؛ لأن كِلَيهما على هذا التقدير كلام الله تعالى، والحكمةُ تقتضي تساويهما في الحكم حين اتَّفَقا في الأصل، ومن المعلوم أن بين القرآن والحديث القدسيِّ فروقًا كثيرة، منها: أن الحديث القدسيَّ لا يُتعَّبد بتلاوته؛ بمعنى: أن الإنسان لا يتعبَّد اللهَ تعالى بمجرَّد قراءته؛ فلا يثاب على كلِّ حرف منه عشْرَ حسنات، والقرآن يُتعبَّد بتلاوته بكلِّ حرف منه عشْرُ حسنات. ومنها: أن الله عزَّ وجلَّ تحدَّى أن يأتيَ الناس بمثل القرآن أو آية منه، ولم يَرِد مثلُ ذلك في الأحاديث القدسيَّة.
ومنها: أن القرآن محفوظ من عند الله عزَّ وجلَّ
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
والأحاديث القدسية بخلاف ذلك؛ ففيها الصحيح والحسن؛ بل أُضيف إليها ما كان ضعيفًا أو موضوعًا، وهذا وإن لم يكن منها؛ لكن نُسِب إليها، وفيها التقديم والتأخير، والزيادةُ والنقص. ومنها: أن القرآن لا تجوز قراءته بالمعنى بإجماع المسلمين، أما الأحاديث القدسية، فعلى الخلاف في جواز نقل الحديث النبويِّ بالمعنى، والأكثرون على جوازه. ومنها: أن القرآن تُشرَع قراءته في الصلاة، ومنه ما لا تصحُّ الصلاة بدون قراءته، بخلاف الأحاديث القدسية. ومنها: أن القرآن لا يمسُّه إلا طاهر على الأصحِّ، بخلاف الأحاديث القدسية. ومنها: أن القرآن لا يقرؤه الجُنُب حتى يغتسل على القول الراجح، بخلاف الأحاديث القدسية. ومنها: أن القرآن ثبت بالتواتُر القطعيِّ المفيد للعلم اليقينيِّ، فلو أَنكَر منه حرفًا أجمع القرَّاء عليه، لكان كافرًا، بخلاف الأحاديث القدسية؛ فإنه لو أَنكَر شيئًا منها مدَّعيًا أنه لم يثبت، لم يكفر، أما لو أنكره مع علمه أن النبيَّ ﷺ قاله، لكان كافرًا؛ لتكذيبه النبيَّ ﷺ. وأجاب هؤلاء عن كون النبيِّ ﷺ أضافه إلى الله، والأصل في القول المضاف أن يكون لفظ قائله بالتسليم أن هذا هو الأصل؛ لكن قد يُضاف إلى قائله معنًى لا لفظًا؛ كما في القرآن الكريم؛ فإن الله تعالى يُضيف أقوالًا إلى قائليها، ونحن نعلم أنها أضيفت معنًى لا لفظًا، كما في قصص الأنبياء وغيرهم، وكلام الهُدْهُد والنَّمْلَة؛ فإنه بغير هذا اللفظ قطعًا. وبهذا يتبيَّن رجحان هذا القول، وليس الخلاف في هذا كالخلاف بين الأشاعرة وأهل السنَّة في كلام الله تعالى؛ لأن الخلاف بين هؤلاء في أصل كلام الله تعالى؛ فأهل السنَّة يقولون: كلام الله تعالى كلام حقيقيٌّ مسموع يتكلَّم سبحانه بصوت وحرف، والأشاعرة لا يُثبتون ذلك؛ وإنما يقولون: كلام الله تعالى هو المعنى القائم بنفسه، وليس بحرف وصوت؛ ولكن الله تعالى يَخلُق صوتًا يعبِّر به عن المعنى القائم بنفسه، ولا شكَّ في بطلان قولهم، وهو في الحقيقة قول المعتزلة؛ لأن المعتزلة يقولون: القرآن مخلوق، وهو كلام الله، وهؤلاء يقولون: القرآن مخلوق، وهو عبارة عن كلام الله، فقد اتَّفَق الجميع على أن ما بين دفَّتي المصحف مخلوق. ثم لو قيل في مسألتنا (الكلام في الحديث القدسيِّ): إن الأَولَى ترك الخَوض في هذا؛ خوفًا من أن يكون من التنطُّع الهالك فاعلُه، والاقتصار على القول بأن الحديث القدسيَّ ما رواه النبيُّ ﷺ عن ربِّه وكفى. لكان ذلك كافيًا، ولعلَّه أسلمُ، والله أعلم"[5].
المراجع
- " كشف الْمُشكِل من حديث الصحيحين" لابن الجوزيِّ (3/ 433).
- "فَيض القدير شرح الجامع الصغير" للمناوي (11/ 3586).
- "تفسير الكشاف" للزمخشري (3/ 512).
- "مدارج السالكين" لابن القيم (1/ 115).
- "شرح الأربعين النووية" للعثيمين (ص: 236 - 238).