عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ: «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ»، فَاقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السجدة: 17].

فقه

  1. هذا حديث نبوي يرويه النبي ﷺ عن الله تعالى من غير القرآن الكريم، ويسمى حديثًا قدسيًّا:

  2. يُخبر ربنا تبارك وتعالى أنَّه قد أعدَّ لعباده الصالحين من النعيم جزاءَ طاعتهم وعبادتهم ما لم يروه مثله، وبالكاد أن رأوا شيئاً اسمه مثل اسمه، كالأشجار، والأنهار، والقصور من الذهب والفضة، واللؤلؤ المجوّف وغيرها، فضلاً عن جمال أهلها، وغيرها من المناظر.

  3. وفيها أيضا من المسموعات الجميلة ما لم يسمعوا مثله، من أصوات الغناء وغيرها، وفيها أيضاً ما لم يسمعوا بمثله في الأخبار.

  4. ثُمَّ أكَّد سبحانه أنَّ ما أعدَّه لا يمكن لبشرٍ أن يعرفه؛ فإذا كان العبدُ لم يرَ ذلك ولا سَمِع عنه، وهما حاستا الإدراك، فإنه كذلك لا يستطيع أن يتخيَّل بعقله كُنْهَ ذلك النعيم، فمهما خَطر ببال العبد من ألوان النعيم والمتاع والزينة في الجنَّة فلن يصل إلى حقيقة ذلك النعيم الذي هيَّأه الله تعالى لعباده.

  5. وأردف ﷺ بتوكيد ذلك من كلامه تعالى المُنَزَّل، فقال: فَاقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ:

    ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾

    [السجدة: 17]»

    أي: فلا تعلمُ نفسٌ ما أعدَّه اللهُ تعالى وأخفاه لعباده المؤمنين في الجنة من أشكال النعيم والسعادة والخير الوفير الذي تسعد به الأعين وتبتهج.

وقد تواتر في القرآن ذكر الجنَّة ونعيمها، ولهذا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:

«مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»

[1].

اتباع

  1. أعظم المحبة محبةُ قومٍ صالحين، هم مع الله :

    ﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾

    [المائدة: 54]

    فهم يُعدِّون له الطاعات -وهو غنيٌ عنها-، وهو يُعد لهم ما لا عَيْنٌ رأت، ولا أُذن سَمعت، ولا خطر على قلب بشر، فكن مع هؤلاء القوم، وكلما كسلتَ في الطريق فتذكر ذلك النُّزُل الذي أعده العظيم الكريم.

  2. قال الحسن رحمه الله: "أخفى القَوم أعمالاً في الدنيا، فأخفى الله لهم ما لا عَيْنٌ رأت، ولا أُذن سَمعت"[2]. فإذا كان الأمرُ كذلك فينبغي للمسلم أن يُعِدَّ من عمله الخَفِيِّ ما لا يطَّلع عليه إلا الَّذِي خبَّأ له ذلك الخير الجزيل.

  3. الجنة موجودة الآن، والله أعدها للصالحين من عباده، فإذا عرضت لك دنيا بلذةٍ محرمة، فقل لنفسك: الجنة قائمة، وليس إلا صبر زمن يسير يوصل إليها.

  4. كثير من الناس يحدث نفسه بلذائذ الدنيا، ويتخيلها، فيتشوق إليها .. ، من أن كل لذائذ الدنيا وما تخيله منها لا تساوى موضع شبر في الجنة، فعلى العاقل أن يكثر في نفسه من تذكر الجنة، وما أعد الله فيها ليتشوق إليها.

  5. ليكن لك ولأهلك وصحبك نصيب من تذكر الجنة وأوصافها، وتذكير الناس بها ،وقد يسر الله تعالى من وسائل العلم والتواصل ما يسهل ذلك.

  6. أعظم نعيمٍ في الجنة على الإطلاق: هو رؤية الله تعالى؛ وإن لم يروه في الدنيا

    قال سبحانه:

    ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾

    [القيامة: 22، 23]

    وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنه، قَالَ:

    كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَنَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةً - يَعْنِي البَدْرَ - فَقَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ، كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ، لاَ تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ»

    [3]،

    وأعظمُ ما يُعَذَّبُ به الأشقياء الحرمان من رؤيته سبحانه

    ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾

    [المطففين: 15].

  7. قال الشاعر:

اعْمَلْ لِدَارِ الْبَقَا رِضْوَانُ خَازِنُهَا = الجَارُ أحمدُ والرحمنُ بانِيها

أرضٌ لَهَا ذَهَبٌ والْمِسْكُ طِينَتُها = والزَّعْفَرَانُ حَشِيشٌ نَابِتٌ فيها

أنهارُها لَبَنٌ مَحْضٌ ومِنْ عَسَلٍ = وَالخَمْرُ يَجْري رَحِيقًا في مَجاريها

مَنْ يَشْتَرِي الدَّارَ بِالْفِرْدَوْسِ يَعْمُرُهَا = بِرَكْعَةٍ في ظَلامِ اللَّيْلِ يُخْفِيها

أَوْ سَدِّ جَوْعَةِ مِسْكِينٍ بِشَبْعَتِهِ = فِي يَوْمِ مَسْغَبَةٍ عَمَّ الغَلا فِيها

المراجع

  1. البخاري (3250).
  2. "تفسير الكشاف" للزمخشريِّ (3/ 513).
  3. البخاري (554)، ومسلم (633).


مشاريع الأحاديث الكلية