فقه:
1. أوجَب النبيُّ ﷺ زكاةَ الفطر على المسلمين، وهي فرضُ عينٍ باتفاق جمهور العلماء [1]، جعلها النبيُّ ﷺ جُبرانًا لصيام رمضان وما وقع فيه من السَّهو والخلل والخطأ، وطُعمةٌ للمساكين؛ لِيَستغنُوا بها عن السؤال يوم العيد، ويشتركوا مع الأغنياء في فرحة العيد، قال ابن عباس رضي الله عنهما:
«فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ»
2. ومِقدارها صاعٌ – وهو: أربعة أمدادٍ بكَفَّي رجلٍ معتدِلٍ - من التمر أو الشَّعير أو الأرز أو غيرها من غالب قُوت النَّاس؛ لقول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:
«كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ»
والأقِطُ: اللَّبن المجفَّف.
وفي هذا الحديث وغيرُه بيان أنَّ الواجبَ المجزِئَ في صدقة الفطر إخراجُ الطعامِ لا القيمة، خلافًا لمن أجاز إخراج القيمة.
3. وهي واجبةٌ على جميع المسلمين؛ الذَّكر والأنثى، والصغير والكبير، وهي واجبةٌ على العبد يُخرجها عنه سيِّده.
وهي واجبةٌ على كلِّ مَن يَملِك ما يَزيد عن قُوته وقُوت أهله ليلةَ العيد ويومَه، فيُخرِجها الرجلُ عمَّن يَعُول من أهله وزوجه وولده وعبيده.
ووقتُ وجوبها غروبُ شمس آخِر يومٍ من رمضان؛ فمَن وُلد له ولدٌ قبل غروب شمس آخِر يوم من رمضان، أو تزوَّج في تلك المدة، فعليه زكاةٌ لمولوده وزوجته، أما بعد غروب الشمس فلا زكاة، كما أنَّ من مات بعد غروب الشمس كان عليه في ماله زكاةٌ، كما لو مات بعد اكتمال الحَوْل على ماله، فإنه يَجِب فيه الزكاة [4].
وقد دلَّ الحديثُ على أنَّ الزكاة لا تَجِب على غير المسلم؛ لأنَّها طُهرةٌ له.
4. وأمر النبيُّ ﷺ أن تُخرَج الزكاة قبل خروج النَّاس لأداء صلاة العيد، ورخَّص لهم في إخراجها قبل العيد بيومٍ أو يومين [5]. فمن أخَّرها عن ذلك الوقت لم تُقبَل منه، وكان مؤاخَذًا بتضييعها عن وقتها، قال ابن عباس رضي الله عنهما:
«فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ»
وقد جعَل ﷺ زكاةَ الفطر مقصورةً على الفقراء والمساكين، فلا يجوز صرفُها في سائر مصارف الزكاة؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: «وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ».
اتباع:
1. (1) زكاة الفطر شرَعها اللهُ عزَّ وجلَّ جُبرانًا للنقص الحادث في صيام رمضان من اللَّغو والمعاصي؛ فبها يَكمُل الصيام، فيَستحقُّ العبدُ الأجرَ كاملًا به، فمن أراد أن يَكمُل أجرُ صومِه فليُخرِج زكاة فِطره.
2. (1) زكاةُ الفطر شرَعها النبيُّ ﷺ إغناءً للفقير وسدًّا لحاجته يوم العيد؛ حتى تَكمُل فرحة العيد لدى الجميع، فعلى المسلم أن يحرص عليها، طلبًا للأجر، وحتى يُسعِد الفقراء من حوله.
3. (1) زكاةُ الفطر مما شرَعه النبيُّ ﷺ شُكرًا لله تعالى على إتمام الصيام والتوفيق للعبادة في رمضان. فعلى المسلم أن يسارع في شُكر الله تعالى على ما وهَبه من النِّعم ووفَّقه للعبادات التي صَرَف عنها كثيرًا من الناس.
4. (2) زكاة الفطر مقدار يسير لا يُكلِّف المسلمُ كثيرًا، فلا ينبغي أن يَغفُل عنه أحدٌ أو يبخل به.
5. (2) الزكوات والصدقات وإن كانت قليلةً إلا أنَّها تقع في يدي الله تعالى، قال ﷺ:
«ما تصدَّق أحدٌ بصدقة من طيِّب - ولا يَقبَل اللهُ إلا الطيبَ - إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرةً، فتربو في كفِّ الرحمن حتى تكون أعظمَ من الجبل، كما يُربِّي أحدكم فَلُوَّه أو فَصِيله»
6. (3) زكاة الفطر واجبة على كلِّ مسلم أدرك رمضان وغرَبت عليه شمس العيد، فيجب على كلِّ مسلم أن يُخرجها عن نفسه ومَن يعول.
7. (4) ينبغي ألَّا يؤخِّر المسلمُ صدقته حتى يخرج النَّاسُ إلى صلاة العيد، بل الواجب عليه المبادرة بأدائها قبل أن يشغله عنها شاغلٌ فلا تُجزئ عنه بعد ذلك.
8. قال الشاعر:
يا مَنْ تَصَدَّقَ مالُ اللهِ تَبْذُلُهُ = في أوجُـهِ الخير ِما لِلمال نُقْصانُ
كَمْ ضاعَفَ اللهُ مالًا جادَ صاحِبُهُ = إنَّ السَّخاءَ بِحُـكْمِ اللهِ رضــوانُ
الشُّـحُّ يُفْضي لِسُقمٍ لا دَواءَ لَهُ = مالُ البَخيل ِغَدا إرْثًا لِمَنْ عانوا
إنَّ التَّصَدُّقَ إسعادٌ لِمَنْ حُـرِموا = أهلُ السَّخاءِ إذا ما احْتَجْتَهُمْ بـانوا
المراجع
1. "المجموع شرح المهذَّب" للنوويِّ (6/ 104).
2. رواه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827).
3. رواه البخاريُّ (1506)، ومسلم (985).
4. انظر: "المغني" لابن قدامة (3/ 89).
5. قال ابن عمر: «وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين» رواه البخاري (1511).
6. رواه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827).
7. رواه البخاريُّ (1410)، ومسلم (1014).