عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: رأيتُ النبيَّ ﷺ يَرْمي على راحلتِهِ يومَ النَّحْرِ، ويقول: «لِتأخُذوا مناسكَكم؛ فإني لا أدْري لعلِّي لا أحُجُّ بعد حَجَّتي هذه.

هدايات الحديث

1. إن الحج صورة مصغَّرة عن يوم الحشر، كلُّ واحد من الحجيج مشغول بنفسه، يدعو ويذكر ويلبِّي، والقلوبُ متعلِّقة بربها، وعنت الوجوه والجوارح للحيِّ القيُّوم، والنُّفوس تسمو في سماء الطاعة، وتشخص الأبصار في اتجاه السماء، وتلهج الألسنة والقلوب والأرواح: لبَّيكَ اللهمَّ لبَّيك؛ فما أعظمَه من موقف، وما أروعَه من مشهد!

2. من صحَّت له حَجَّته وسلمت له، صحَّ له سائر عمره [1].

3. الحج ميزان العمر [2].

4. إياك وحقوقَ العباد؛ فإن كل الذنوب في حق الله مهما كانت في مشيئته تعالى يغفرها إن شاء، أما حقوق العباد فلا تسقط أبدًا، إما أن تؤدِّيَها أو تسترضي.

5. احرص على مكارم الأخلاق؛ فإنها سببٌ في قَبول العمل وردِّه.

6. اعلم أنه كما أن للأبدان حَجًّا فللقلوب حجًّا؛ فإنها تنهض بأقدام العزائم، وتمتطي غواربَ الشوق، وتفارق كل محبوب للنفْس، وتُصابر في الطريق شدَّة الجهد، وتَرِدُ مناهل الوفاء لا غُدْرَان الغدر، فإذا وصلت إلى ميقات الوصل، نزعت مَخِيط الآمال الدنيوية، واغتسلت من عَيْنِ العَيْنِ، ونزلت بعرفات العِرْفان، ولَبَّتْ إذ لَبَّتْ من لُبَاب اللُّبِّ، ثم طافت حول الإجلال، وسعَتْ بين صفا الصفا ومروة المروءة، فرمت جِمارَ الهوى بأحجار، فوصلت إلى قُرب الحبيب [3].

7. إذا كان الحجُّ المبرورُ جزاؤه الجنةُ، فآيةُ ذلك أن يرجِع الحاجُّ زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة [4].

8. إذا كان جزاءُ الحج المغفرة، فآيةُ ذلك أن يَدَع الحاجُّ سيِّئَ ما كان عليه من العمل [5].

9. المقصود من النهي عن الرفث والفسوق والجدال ترك كلِّ ما ينافي التجرُّد لله في هذه الفترة، والارتفاع على دواعي الأرض، والرياضة الروحية على التعلُّق بالله دون سواه، والتأدُّب الواجب في بيته الحرام لمن قصد إليه متجرِّدًا حتى من مخيط الثياب!

10. يَا رَاحِلِينَ إِلَى مِنًى بِقِيَادِي = هَيَّجْتُمُ يَوْمَ الرَّحِيلِ فُؤَادِي

سِرْتُمْ وَسَارَ دَلِيلُكُمْ يَا وَحْشَتِي = الشَّوْقُ أَقْلَقَنِي وَصَوْتُ الْحَادِي

وَحَرَمْتُمُ جَفْنِي الْمَنَامَ بِبُعْدِكُمْ = يَا سَاكِنِينَ الْمُنْحَنَى وَالْوَادِي

11. ترَاهُمْ على الأنضاءِ شُعْثًا رؤوسُهُمْ = وغُبْرًا وهُمْ فيها أسَرُّ وأنْعَمُ

وَقدْ فارَقوا الأوطانَ والأهلَ رغبةً = ولم يَثْنِهِمْ لذَّاتُهُمْ والتَّنَعُّمُ

يَسِيرونَ مِن أقطارِها وفِجاجِها = رِجالاً ورُكْبانًا ولله أسْلمُوا

ولَمَّا رأتْ أبصارُهُم بيتَهُ الذي = قلوبُ الوَرَى شوقًا إليهِ تَضَرَّمُ

كأنهمُ لمْ يَنْصَبُوا قطُّ قبْلَهُ = لأنَّ شَقاهُمْ قد ترحَّلَ عنْهُمُ

12. تَاللَّهِ مَا أَحْلَى الْمَبِيتَ عَلَى مِنًى = فِي لَيْلِ عِيدٍ أَبْرَكِ الأَعْيَادِ

ضَحَّوْا ضَحَايَا ثُمَّ سَالَ دِمَاؤُهَا = وَأَنَا الْمُتَيَّمُ قَدْ نَحَرْتُ فُؤَادِي

لَبِسُوا ثِيَابَ الْبِيضِ شَارَاتِ اللِّقَا = وَأَنَا الْمُلَوَّعُ قَدْ لَبِسْتُ سَوَادِي

يَا رَبِّ أَنْتَ وَصَلْتَهُمْ صِلْنِي بِهِمْ = فَبِحَقِّهِمْ يَا رَبِّ فُكَّ قِيَادِي

المراجع

1. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (1/ 386).

2. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (1/ 386).

3. "التبصرة" لابن الجوزي (2/ 262).

4. "لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 62).

5. "لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 62).


مشاريع الأحاديث الكلية