125 - من فَضائلِ الأعمالِ، الجزء: 1

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ،  وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ،  وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ».

فقه

1. يَذكر النبيُّ ﷺ جزاءَ معاونةِ النَّاس في قضاءِ حاجاتهم والتخفيف من أعبائهم، فيَذكر أنَّ مَن خَفَّفَ وفَرَّجَ عن مؤمنٍ شِدَّةً عظيمةً من الشدائد، فَرَّجَ اللهُ عنه شدَّةً من أهوال يومِ القيامة الذي أخبَر سبحانه وتعالى عنه بقوله:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [1] يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}

[الحج: 1، 2].

2. ومَن يسَّر على مَدِينٍ عاجزٍ عن السَّداد، بإنظارِه إلى مَيسرةٍ، أو بإبرائِه منه أو من بعضِه، أو بإعطائه ما يَزول به إعسارُه؛ كان جَزاؤه أن يُيَسِّر اللهُ تعالى عليه، فلا يمُرُّبضائقةٍ ولا تَنزلُ به نائبةٌ في الدُّنيا إلَّا يسَّرَها عليه، وفي الآخرة يسَّرَ اللهُ تعالى حسابَه فيَرحمه ويَغفِر له

قال تعالى:

{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

[البقرة: 280]

وقال ﷺ:

«كان تاجرٌ يُدَايِنُ النّاس، فإذا رأى معسِرًا قال لصِبيانه: تجاوَزُوا عنه؛ لعلَّ الله أن يتجاوز عنَّا، فتجاوَز اللهُ عنه»

[1].

3. ومَن سَتر مسلمًا ستَره اللهُ تعالى في الدُّنيا؛ فلا يَفضحه ولا يَهتِك عَورتَه أمام النَّاس ولا يُطلِع أحدًا على سوآته ومَعاصيه، وفي الآخرة يَضَع كَنَفَه عليه [أي سِترَه ورحمتَه] فلا يُسمِع أحدًا من الخلائق شيئًا مِن حسابه

قال ﷺ:

«إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي المُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ، قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الكَافِرُ وَالمُنَافِقُونَ، فَيَقُولُ الأَشْهَادُ: {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}

[هود: 18]»[2].

وسَترُ المسلمِ لأخيه المسلمِ نوعانِ: سَترُ عورتِه الحِسِّية؛ بحيث يُعطِيه ما يَلبَسُه ويَستُر به بدَنَه، وسَترُ عورتِه المعنويةِ، وهي المعاصي، فإذا رأى المسلمُ أخاه على مَعصيةٍ وجَب عليه أن يُنكِر عليه ويَنصَحه للهِ تعالى، ثم بعد ذلك لا يجوزُ له أن يَفضَحه أو يُشَهِّرَ به، بل يَستُره ويَدعو له بالهداية

قال تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}

[النور: 19]. 

وقال ﷺ:

«يا مَعْشَرَ مَن آمَن بلسانِه ولم يَدخُلِ الإيمانُ في قلبِه، لا تَغتابُوا المسلمين، ولا تتَّبِعوا عَوْرَاتِهم؛ فإنه مَن اتَّبَع عَوْراتِهم، تتبَّع اللهُ عورتَه، ومَن تتبَّع اللهُ عَورتَه، يَفْضَحْهُ في بيته»

[3]. 

وأصحابُ المعاصي نوعانِ: مَستورٌ لا يُعرَفُ بمعصيةٍ ولا يُجاهِرُ بذلك، فهذا الذي يجِبُ السَّتْرُ عليه، ولذلك أعرضَ النبيُّ ﷺ عن إقامة الحدِّ عن الرَّجل الذي قال:

«إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ»، فلم يَستفسِرْ عنه، بل قال له: «أَلَيْسَ قَدْ صَلَّيْتَ مَعَنَا؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ، أَوْ قَالَ: حَدَّكَ»

[4]. 

والآخرُ: مُجاهِرٌ بالمعصيةِ، لا يُبالي بما ارتكَب منها، فهذا لا يُستَر، بل يجِب رفعُ أمرُه إلى الإمام ليَنكَفَّ شرُّه، ويَرتدِع أمثاله [5].

4. ثم أخبَر ﷺ أنَّ اللهَ تعالى يُعِين المسلمَ ما دام المسلمُ يسعى في عَونِ أخيه

قال ﷺ:

«ومَن كان في حاجةِ أخيهِ كان الله في حاجتِه»

[6]

وقال أيضًا:

« أَحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفَعُهم للناسِ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرورٌ تُدخِلُه على مُسلمٍ، تَكشِفُ عنه كُرْبةً، أو تَقضِي عنه دَيْنًا، أو تَطرُدُ عنه جُوعًا، ولأَنْ أمْشِيَ مع أخٍ في حاجةٍ أَحَبُّ إليَّ مِن أن أعتَكِفَ في هذا المسجدِ - يعني مسجدَ المدينةِ - شَهرًا... ومَن مَشى مع أخيهِ في حاجةٍ حتى يَقضِيَها له ثبَّتَ اللهُ قَدَمَيه يومَ تَزولُ الأقدامُ»

[7].

5.ثم انتقَل ﷺ لبيان فضلِ طالِب العلم، فأخبَر أنَّ العبدَ إذا سَلَك طريقًا يَطلُب فيه علمًا، سهَّل اللهُ سبحانه له بذلك طريقًا إلى الجَنَّة؛ فإنَّ العلمَ يُورِث في قلبِ العبدِ عظَمةَ اللهِ تعالى وقُدرتَه، ويُبَصِّرُه بأحكامِ الشرعِ مِن الحلال والحرام، فيَعمَل بذلك راجيًا مَغفرةَ اللهِ تعالى ورِضوانه.

وقد أتى ﷺ بلفظِ الطريقِ نَكِرةً ليَشمَل جميعَ الطُّرُق الحِسِّية بالانتقالِ من المنزِلِ إلى المسجدِ أو المدرسةِ أو الجامعةِ أو المركَزِ أو نحو ذلك، كما يَشملُ الرحلةَ في طلبِ العلم للأخذِ عن العلماءِ، كما يَشمَل الطُّرُقَ المعنوية الحاصلةَ بالأخذِ من بُطون الكتب، ومُطالَعة مواقعِ العلماء وصَفحاتهم، ومُدارَسة العلم ومُذاكَرته من مَصادرِه المختلفة، فكلُّ تلك السُّبُلِ من سلوكِ طريقِ العلم [8].

كما أتى كذلك بلفظ العلمِ نَكِرةً ليَشمَل فروعَ العلمِ كافَّة، دون أن يكونَ ذلك مقصورًا على طلبِ العلمِ الشرعيِّ، وإنْ كان أرفعَها مقامًا وأعلاها أجْرًا، وليَندرِج فيه القليلُ والكثيرُ منه، فمَن سلَك طريقًا يَلتمِس فيه حكمَ مسألةٍ واحدةٍ كان له الأجرُ المذكورُ[9].

6. ثم أخبَر ﷺ عن فضل الاجتماع في المساجدِ لتِلاوة القرآن ومُذاكَرته؛ فإنَّ الطُّمأنينةَ تَتنزَّل على الجالسِين، وتَشملهم الرَّحمةُ، وتُحيط الملائكةُ بهم من كلِّ مكانٍ حفظًا لمجلسِهم من الشياطينِ، ويَذكُرهم الرحمنُ في الملأِ الأعلى مع الملائكةِ

قال تعالى:

{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ [36] رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ [37] لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}

[النور: 36- 38].

7. ثم بيَّن ﷺ أن العِبرةَ بالأعمال، فلا عِبرةَ بالأنسابِ يومَ القيامةِ، فمَن قَصُرَ به عملُه عن النجاةِ من النَّار ودخولِ الجنة، لم يَنفَعْه نسبُه وإنْ كان ابنَ نبيٍّ من الأنبياءِ، وإلا لأغنى ذلك أبا الخليلِ إبراهيمَ ﷺ، وابنَ شيخِ المرسَلِين نوحٍ ﷺ وامرأتَه، وامرأةَ لُوطٍ ﷺ، وأبوَي النبيِّ ﷺ وعمَّه أبا طالب، وغيرهم

قال تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ [101] فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [102] وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ [103] تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ}

[المؤمنون: 101 - 104].

اتباع

1.  الجزاءُ من جِنس العمل، فمَن نفَّس كُربةً عن أخيه نفَّس اللهُ عنه، ومَن رَحِم الخَلْقَ رَحِمه الله، ومَن شدَّد على النَّاس شدَّد اللهُ عليه، ومن سَتَرَ سُتِر. فاختَرْ لنفسك.

2.  ما أكثرَ الكُرُباتِ يومَ القيامة! الصراطُ والحسابُ وتطايرُ الصُّحُفِ والورودُ على النَّارِ وغير ذلك، فما أحوَجَنا إلى تفريجِ الكُرَب عن النَّاس؛ لعلَّ اللهَ أن يُنَفِّس عنَّا تلك الشَّدائد العِظام!

3.  التيسير على المَدينِين من أفضلِ أنواع القُرَب التي تُنجي يومَ القيامة

قال ﷺ:

«مَن سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ»

[10].

4. قضاءُ الدَّين عن المُعسِرِين وإبراؤهم منه سببٌ في مَغفرة الذنوب

قال ﷺ:

«حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ، وَكَانَ مُوسِرًا، فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ، قَالَ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، تَجَاوَزُوا عَنْهُ»

[11].

5.  احفَظْ لسانَك وعينَك عن عيوب النَّاس وعَوراتهم، يَحفظ اللهُ تعالى عَوراتك، فلا يَنتهِكها أحدٌ.

6.  قال بعض السَّلَف: أدركتُ قومًا لم يكُن لهم عُيوب، فذكَروا عيوب النَّاس، فذكَر النَّاس لهم عيوبًا، وأدركتُ أقوامًا كانت لهم عيوبٌ، فكفُّوا عن عيوبِ النَّاس، فنُسِيت عيوبُهم.

7.  يجِب السَّترُ على المسلمين الذين لا يُعرَف عنهم المعصية، وذلك بعد نُصحِهم والإنكار عليهم بالمعروف. قال بعضُ الوزراء الصَّالحين لبعضِ مَن يَأمُر بالمعروف: اجتهِدْ أن تَستُر العصاةَ؛ فإن ظهور معاصِيهم عَيْبٌ في أهل الإسلام، وأَوْلى الأمور سَتْرُ العُيوب[12].

8.  إذا تمادى مسلمٌ في المعاصي حتى صار لا يُبالِي بذلك، لم يَجُز التستُّر عليه، بل وجَب رفعُ أمرِه إلى الإمام لإقامة الحدِّ عليه، فيُخلِّص النَّاسَ من شرِّه ويَرتدِع أمثاله.

9.  إذا احتاج النَّاسُ إلى فضحِ بعض العصاة ممن لم يَجهَرْ بالمعصية جاز ذلك، كأن يكون صاحبُ تلك المعصية شاهدًا في قضيَّة أو أمينًا على وَقفٍ أو نحو ذلك.

10.  قال الشاعر:

إذا شِئْتَ أنْ تَحْيا ودِينُكَ سالـمٌ = وَحَظُّكَ مَوْفُورٌ وعِرْضُكَ صَيِّنُ

لِسَانُكَ لا تَذْكُرْ به عَوْرةَ امْرئٍ = فعِنْدَكَ عَوْرَاتٌ وللنَّاسِ أَلْسُنُ

وَعَيْنُكَ إنْ أَبْدَتْ إليكَ مَعَايبًا = لِقَوْمٍ فَقُلْ: يا عَيْنُ للنَّاسِ أَعْيُنُ

وصَاحِبْ بمَعْرُوفٍ وجانِبْ مَن اعتدَى = وفَارِقْ وَلَكِنْ بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

11.   كان النبيُّ ﷺ يُحِبُّ قضاءَ حوائجِ النَّاس، وكان يقول:

«مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَل»

[13]

وكانت الجاريةُ الصغيرةُ تأخذُ بيَدِه فتَنطلقُ به حيث شاءت [14]. وكان أصحابُه رضوان الله عليهم يَسيرون على نهْجِه، فأبو بكرٍ رضي الله عنه أنفَق ماله في سبيلِ الله سبحانه، وكان عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه يتعهَّد الأرامل ليلًا، واشترى عُثمان بن عفَّان رضي الله عنه بِئر رُومة وجعَلها وقفًا على المسلمين. فمَن أراد الاقتداء فبالنبيِّ ﷺ وأصحابِه.

12.  بعَث الحسن البصريُّ رحمه الله قومًا من أصحابه في قضاءِ حاجةٍ لرجُلٍ، وقال لهم: مُرُّوا بثابت البُنانيِّ، فخُذوه معكم، فأَتَوا ثابتًا، فقال: أنا معتكِفٌ، فرجعوا إلى الحسن فأخبروه، فقال: قُولوا له: يا أعمشُ، أما تَعلَم أنَّ مَشْيَكَ في حاجة أخيك المسلمِ خيرٌ لك مِن حَجَّة بعد حَجَّة؟! فرجَعوا إلى ثابت، فترَك اعتكافه، وذهَب معهم.

13. تعهَّد النبيُّ ﷺ بتسهيل دخول الجنة لطالبِ العلم. فمَن أراد دخولَ الجنَّة فلْيَسلُك سبيل العلماء.

14.  جعَل اللهُ سبحانه للمجتمعِين في بيته لذِكره مِن الجزاء أن تَتنزَّل السكينةُ عليهم، وتحُفُّهم الملائكة، وتَغْشاهم الرحمة، ويَذكُرهم اللهُ تعالى عنده. أيُّ ثوابٍ أعظمُ من هذا!

15.  تخيَّل أن يَذكُرك ربُّك باسمك وصِفتك، ويباهي بك ملائكته، فيقول: عبدي فلانٌ يَذكرني. فضلٌ عظيمٌ وَمنزلةٌ عاليةٌ مقابل عملٍ يَسيرٍ يَقدِر عليه كلُّ مسلم.

16. قال الشاعر: 

إِذا ما لَم يُفِدكَ العِلمُ خَيرًا = فَخَيرٌ مِنهُ أَن لَو قَد جَهِلتَا

وَإِن أَلقاكَ فَهمُكَ في مَهاوٍ = فَلَيتَكَ ثُمَّ لَيتَكَ ما فَهِمتا

سَتَجني مِن ثِمارِ العَجزِ جَهلًا = وَتَصغُرُ في العُيونِ إِذا كَبُرتا

17.  إياك أن تظنَّ أنَّ شرفَ نسَبِك يَنفعك في الآخرة، فإما أن تُحسِن العملَ فتنجو، أو تُسِيء فتَهلِك. لمَّا أنزَل اللهُ تعالى قولَه:

{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}

[الشعراء: 214]

قام النبيُّ ﷺ فَقَالَ:

«يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا»

[15].

18.  قال الشاعر: 

لَعَمْرُكَ مَا الْإِنْسَانُ إِلَّا بِدِينِهِ = فَلَا تَتْرُكِ التَّقْوَى اتِّكَالًا عَلَى النَّسَبْ

لَقَدْ رَفَعَ الْإِسْلَامُ سَلْمَانَ فَارِسٍ = وَقَدْ وَضَعَ الشِّرْكُ الشَّقِيَّ أَبَا لَهَبْ

المراجع

  1. (رواه البخاريُّ (2078)، ومسلم (1562).
  2. رواه البخاري (2441)، ومسلم (2768).
  3. رواه أحمد (20014)، وأبو داود (4880).
  4. رواه البخاري (6823)، ومسلم (2764).
  5. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 291 - 293).
  6. رواه البخاري (2442)، ومسلم (2580).
  7. رواه الطبراني في المعجم الأوسط (6026).
  8. انظر: "شرح رياض الصالحين" ابن عثيمين (5/ 433- 434).
  9. انظر: "فتح الباري" ابن حجر (1/ 160)
  10. رواه مسلم (1563).
  11. رواه مسلم (1561).
  12. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 291 - 293).
  13. رواه مسلم (2199).
  14. رواه البخاري (6072).
  15. رواه البخاري (2753)، ومسلم (204).



مشاريع الأحاديث الكلية