عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا، آمَنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، فَيَوْمَئِذٍ ﴿لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ [الأنعام: 158]».

فقه

  1. يخبر النبيُّ ﷺ عن آخر علامةٍ من علامات الساعة الكبرى، وهي طلوع الشمس من مغربها على غير عادتها؛ ففي الحديث الصحيح أنَّ الشمسَ حين تغرب تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ العَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ، فَلَا يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلَا يُؤْذَنَ لَهَا، يُقَالُ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا[1]، 

  2. فإذا طلعت الشمسُ من مغربها آمن الناسُ كلهم بالله تعالى، وهو إيمانٌ اضطراريٌّ لا اختيار فيه؛ حيث ظهر الغيبُ وأيقن الجميعُ أنَّ الساعةَ قائمةٌ، فيؤمنون طمعًا في النجاة.

  3. إلا أنَّ بابَ التوبةِ يُغلق حينئذٍ، فلا يُقبل من عاصٍ توبةٌ، ولا من كافرٍ إسلامٌ؛ فهو إيمانٌ اضطراري وقع بعد المشاهدة، فلا ثمرة منه، كإيمانِ مَن نزل به الموت

    قال تعالى:

    ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾

    [النساء: 18]

     وقال ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ»[2]، وكإيمانِ مَن حلَّ به العذاب

    قال تعالى في حقِّ فرعون:

    ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾

    [يونس: 90، 91].

اتباع 

  1. أخفى اللهُ عزَّ وجل موعدَ الساعة ليكون الإنسانُ مجتهدًا مستعدًّا لها طول الوقت، فتزداد طاعتُه وترتفع منزلته، كما أبهم ليلةَ القدر ليجتهد العبد في جميع العشر. فليس المطلوب من الإنسان أن يعلم متى الساعة، وإنما يستعد لها ويكثر من الأعمال الصالحة، ولهذا لمَّا سأل رجلٌ النبيَّ ﷺ: متى الساعة؟ قال ﷺ: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟»[3].

  2. عظَّم في نفسك أمر الساعة، فإن أمرها عظيم، يتغير عندها نظام العالم، فتطلع الشمس من مغربها، فكن على ذكر ورهبة منها .

  3. على الإنسان أن يُبادر في التوبة إلى الله تعالى، قبل أن يفاجئ بالموت أو بأمر يحول بينه وبين التوبة، قَالَ بَكْرٌ الْمُزَنِيُّ -رحمه الله-: "ما من يومٍ أَخرَجه اللَّهُ إلى الدّنيا إلّا يقول: يا بْنَ آدَمَ، اغتنمني؛ لعلَّه لا يومَ لك بعدي، ولا ليلة إلّا تنادي: ابنَ آدَمَ، اغتنمني؛ لعلّه لا ليلة لك بعدي"[4].

  4. البخاري رحمه الله هو أحد من روى هذا الحديث، وقد كان ممن اغتنم عمره، وكان يقول: 

اغْتَنِمْ فِي الْفَرَاغِ فَضْلَ رُكُوعٍ = فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مَوْتُكَ بَغْتَةْ

كَمْ صَحِيحٍ قد مَاتَ مِنْ غَيْرِ سُقْمٍ = ذَهَبَتْ نَفْسُهُ الصَّحِيحَةُ فَلْتَةْ

5. وقال غيره:

مَثِّلْ لِنَفْسِكَ أَيُّهَا المغرورُ = يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاءُ تَمُورُ

إِذْ كُوِّرَتْ شَمْسُ النَّهَارِ وَأُدْنِيَتْ = حَتَّى عَلَى رَأْسِ الْعِبَادِ تَسيرُ

وَإِذِ النُّجُومُ تَسَاقَطَتْ وَتَنَاثَرَتْ = وَتَبَدَّلَتْ بَعْدَ الضِّيَاءِ كُدُورُ

وَإِذِ الْجِبَالُ تَقَلَّعَتْ بِأصُولهِا = فَرَأَيْتَهَا مِثْلَ السَّحَابِ تَسِيرُ

المراجع

  1. البخاري (3199)، ومسلم (159).
  2. الترمذيُّ (3537)، وابن ماجه (4253).
  3. البخاريُّ (7153)، ومسلم (2639).
  4. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 391).


مشاريع الأحاديث الكلية