41 - تجنُّب الرِّدةِ من الكفرِ والشركِ الأكبر

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» 

فقه

1- يوجه رسول الله ﷺ المؤمنين إلى المسارعة في أداء الطاعات والأعمال الصالحة قبل أن تأتي فتن شديدةٌ، كأنها أجزاءُ الليلِ المظلم شديدِ السواد، ليس فيه نورُ قمر ونحوه، لا يُرى فيها حقٌّ من باطلٍ، قال ﷺ: «وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ» [1]

2- ثم أخبر النبي ﷺ أنَّ تلك الفِتَن شديدة الفتك بالمرء؛ حيث تدركُ المسلمَ فتصدَّه عن دينه سريعًا، فكأنما فتنته في عشيَّةٍ وضحاها؛ " لأن القلوب كثيرة التقلب من ربقة الحق، شديدة التطلع إلى منافذ الضلال، فإذا قُذف في روعها شيءٌ من المُضَلِّلَات وجد عندها داءً قاتلًا وشرًّا مستعدًّا"[2]، " ولأن المحن والشدائد إذا توالت على القلوب أفسدتها بغلبتها عليها، وبما تؤثر فيها من القسوة"[3]

3- وفي مثل تلك الحال قد يبيع الإنسانُ دينَه نظيرَ ثَمَنٍ حقيرٍ من أثمان الدنيا، سواءً كان مالًا أم منصبًا أم غير ذلك من متاع الدنيا الزائل.

وإنَّمَا حثَّ النبيُّ ﷺ على المبادرة بالأعمال قبل وقوع الفتن وفُشُوِّها لأن العبادةَ في زمن الفتن تكون شاقة على النفس، لانشغال الناس بالفتن التي تثبط عن العمل،

ولهذا قال ﷺ:

«الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ»

[4]،

وقال ﷺ:

«يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالقَابِضِ عَلَى الجَمْرِ»

[5]

اتباع

1- سارع إلى العمل الصالح من عبادة وتعلم وتعليم وزواج وصلة رحم وغيرها، ولا تطل الأمل بتأجيله إلى غد وبعد غد، أو إذا كبرت، أو إذا حصّلت كذا وكذا، فقد تنزل الفتن التي تَصُدُّ الإنسانَ عن دينه وعبادته، فسارع قبل هجومِ الموانع.

2- كثيرًا ما يمتنع الإنسان عن العمل طلبًا للكمال الموهوم، ومن ثم لا يقدم فيها شيئًا حقيقيًا، كمن يؤخر نشر كتاب حتى يكمل، أو يؤخر هديته لزوجه حتى تكون على أكمل صورة، أو يؤخر قراءة القرآن والتسبيح حتى يكون في أحسن حال، ولا يزال يؤخر حتى تداهمه الأشغال، أو يضعف نشاطه، أو غير ذلك، ولو قدم ما تيسر له لتجمع له من الخير شيء كثير.

3- المبادرة مهارة، يكتسبها الإنسان بكثرة المبادرات نفسها، فتجدها شاقة عليه أول الأمر، ولا يحسنها، ثم مع الوقت تسهل عليه ويحسن تقديمها بما تيسر، فعوَّد نفسك على المبادرة بالعمل الصالح وعدم التردد: عن كلمة طيبة، أو صدقة يسيرة، أو نفع عارض غير مخطط له لقريبٍ أو بعيد.

4- تَعَرَّف إلى الله في الرَّخاء يعرفك في الشدة؛ فإذا بادرت بالأعمال الصالحة في فراغك وصحتك ورشدك، عصمك الله تعالى من الفتن والابتلاءات.

5- على المسلم أن يكثر من سؤال الله أن يُثَبِّته على دينه وألَّا يُعَرِّضَ قلبَه للفتن، وقد كان النبيُّ ﷺ يُكْثِرُ من قول: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»[6]

6- الإنسان في غَمرة الفتنة قد لا يدرك أنه يبيع دينه بعَرَض من الدنيا، فربما تساهل في معاملة مالية أو رضي بأن يزاد في ماله وهو لا يستحقه، وربما اغتاب آخرين أو سكت عن غيبتهم ليرضي رئيسه، فراقب نفسك وحاسبها، ولا تغمِض عينيك عن ما يضرَّ دينك.

7- قال الشاعر:

فَبادِرْ إِذَا ما دَامَ في العُمْرِ فُسْحَةٌ = وَعَدْلُكَ مقْبُولٌ وصَرفُكَ قَيِّمُ

وَجُدَّ وَسَارِعْ واغْتَنِمْ زَمنَ الصِّبَا = ففي زَمَنِ الإمْكَانِ تَسْعَى وَتَغْنَمُ

وَسِرْ مُسْرِعًا فالموتُ خَلْفَكَ مُسْرِعًا = وَهَيْهَاتَ مَا مِنْهُ مَفَرٌّ وَمَهْزَم


المراجع

  1.  مسلم (1844)، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
  2. مسلم (2948)، عن معقل بن يسار رضي الله عنه
  3. .الترمذي (2260)، عن أنس رضي الله عنه
  4. .الإفصاح عن معاني الصحاح" لابن هبيرة (8/ 163).
  5. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبي (1/ 326).
  6.  أحمد (12107)، والترمذيُّ (2140)، وابن ماجه (3834).

مشاريع الأحاديث الكلية