عن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما، أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ؛ إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ».

فقه:

1- يَأمرُ النبيُّ ﷺ أُمَّته بوجوبِ السَّمعِ والطَّاعةِ لأُولي الأمر من الملوك والرؤساء ونُوَّابِهم؛ فإنَّ بهم استقرارَ الحياةِ التي ييسر اللهُ بها نشْرَ الدِّينِ وتطبيقَ أحكامِه، ولو اعتاد الناسُ عصيانَ الأنظمةِ لَصارت الأمور فَوضى، ولتَفكَّكت جماعةُ المسلمين، وسهُلَ على عدوِّهم القضاءُ عليهم. 

2- وسواء كان ذلك فيما تهواه النفوس من الأحكام أو الأشخاص؛ أو فيما تكرهه، فالواجب الصبر؛ قال ﷺ:

«مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَكَرِهَهُ فَلْيَصْبِرْ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُفَارِقُ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَيَمُوتُ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»[1].


3- لكنَّ تلك الطَّاعةَ ليست مطلَقةً؛ بل مُقَيَّدةً بما ليس مَعصيةً، فإنْ أَمَر بمعصيةٍ فلا سمْعَ ولا طاعةَ، قال ﷺ: «إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ»[2]، ولهذا قال سبحانه:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}

[النساء: 59]

 فلم يَقُل: وأطيعوا أُولي الأمر منكم، وإنما جعلها تابعةً لطاعةِ اللهِ تعالى وطاعةِ رسوله ﷺ.

فإذا أمَر وليُّ الأمر بما فيه مَعصيةٌ لله تعالى، فلا تجوز طاعته في هذه المعصية فقطْ، لا في مُطلَق أمرِه ونهيِه، ولا يجوز الخروجُ عليه لأجْل ذلك؛ بل يُشرَع للمسلم مُراجعتُه ومناصَحتُه بالحِكمة والموعظة الحَسنة بحسب ما تيسر من طبيعة كل عصر وحال.

اتباع:

1- المسلم العاقل ينظر إلى أوامر الشرع قبل أن ينظر لهوى نفسه ومصلحتها الخاصة.

2- جاءت طاعة ولاة الأمر بضوابطها في الآيات والأحاديث، لأن فيها مصلحة الدين والدنيا، ولو فكّر الإنسان في نظام بيته ، ونظام عمله، ومجتمعه؛ لرآها لا يستقيم أمرها إلا بوجود ولاةٍ للأمور.

3- ينبغي على المسلمِ إذا رأى ما يُنكِر مِن ولاة الأمر شيئًا أن يُبادِر إلى أهلِ العلم، فيَسألهم ويَستنصِحهم، فربَّما ظنَّ الطاعةَ معصيةً، والمعصيةَ طاعةً، وربما لم يحسن التعامل معها.

4- إذا تحقَّق المسلمُ مِن أنَّ وليَّ الأمر يأمرُ بمعصيةٍ لم يَجُزْ له طاعتُه فيما أمَر، بل إن تيسر له النُّصحُ للأميرِ بلا فتنة نصحَه، وإلا لم يعمل بما فيه معصية.

5- لا تجوزُ طاعةُ أحدٍ في معصيةِ اللهِ تعالى؛ فإنَّ النبيَّ ﷺ بايَع النَّاس على طاعته في المعروف، وهو ﷺ لا يأمرُ بمعصيةٍ ولا يَرضاها، فكيف بغيرِه من النَّاس؟

6- إذا أمَر الأميرُ بمعصيةٍ لم يكُن ذلك حاملًا على تركِ طاعته مطلقًا، بل نُطيعُه في غيرِ ذلك الأمرِ.

المراجع

  1. رواه البخاري (7143). 
  2. رواه البخاريُّ (7145)، مسلم (1840).


مشاريع الأحاديث الكلية