عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ، قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».

فقه:

1- يأمرُ النبيُّ ﷺ أُمَّةَ الإسلام بتبليغ رسالته وشرعه، كلٌّ حسب مقدرته وطاقته، فإذا لم يجد المسلمُ ما يُبَلِّغُه غير آيةٍ يحفظها ويفهم معناها أو حديثٍ صحيحٍ ينشره فهو كافٍ في حقِّه، مُسْقِطٌ للوجوبِ عنه.
وفي قوله ﷺ: «ولو آية» دليلٌ على أنَّه لا يُشترط في الداعية أن يكون عالمًا فقيهًا، بل يدعو إلى اللهِ تعالى بما تيسَّر له، بشرط أن يكون فاهمًا لِما يدعو به، وأن يتيقن من صحة الحديث الذي ينقله للنَّاس.
وليس معنى ذلك أن يُبَلَّغَ أيُّ شيءٍ لأيِّ أحد؛ فالدعوةُ تحتاج إلى حكمة وبصيرةٍ

كما قال سبحانه:

{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}

[يوسف: 108]

فيجب في الدعوة مراعاة حال المَدْعُو؛ فلا يُخاطب بما لا يفهمه عقلُه، وإلا كان له فتنةٌ، قال عليُّ بنُ أبي طالب رضي الله عنه: "حَدِّثُوا النَّاسَ بما يَعْرِفُونَ؛ أَتُحِبُّون أن يُكذَّبَ اللَّهُ ورسولُه؟!"[1].

2- ثم أخبر ﷺ بإباحة الإخبارِ وذكر قصص بني إسرائيل، فبيَّن ﷺ أنَّه لا إِثْمَ في نقل أحاديثهم وأخبارهم.وهذا مُقيَّدٌ بما لم نتيقَّن كذبَه من أخبارهم، أما ما تيقَّنَّا صدقَه أو جوَّزناه فالأمرُ فيه على الإباحة[2].

3- ثم شدَّد ﷺ في تحريم الكذب عليه ﷺ والتَّقَوُّل عليه ما لم يقل؛ فإنَّ مَن نسب إليه ﷺ ما لم يقله عمدًا فجزاؤه جهنم والعياذ بالله. 

وإنما كان الكذبُ عليه ﷺ أشدَّ حرمةً من الكذب على غيره؛ لأنَّ الكاذبَ عليه يكذبُ على اللهِ تعالى وعلى شَرْعِه؛ فإنَّ النبيَّ ﷺ لا ينطقُ عن الهوى، فإذا كذب عليه أفَّاكٌ فقد أحلَّ وحرَّم بهواه

وقد قال سبحانه:

{وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [3].

[النحل: 116]

اتباع: 

1- (1) احرص على أن تكون من الدعاة إلى الله تعالى؛ فهم أشرف النَّاس

قال سبحانه في حقِّهم:

{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}

[فصلت: 33]

2- (1) الدعوة إلى الله سبحانه فرضٌ على جميع المسلمين؛ كلٌّ بحسب مقدرته؛ فإن كنت تقدرُ على نشر العلم وتبليغ الشرع، وإلَّا فادعُ إلى اللهِ تعالى بحسن خُلُقك وبيانِ ما يجب أن يكون عليه المسلم في الظاهر والباطن.

3- (1) الدعوة إلى الله سبحانه يسيرةٌ سهلةٌ على كل أحدٍ، فلا يُشترط أن تكون عالمًا فقيهًا حتى تدعوَ إلى اللهِ تعالى. عليك بالمتاح ولا يكلف اللهُ نفسًا إلا وسعَها.

4- (1) أصبحت الدعوة أكثر سهولةً وسلاسةً وانتشارًا مع وسائل التقنية الحديثة؛ فالمسلمُ صار قادرًا على البحث عن معنى الآية التي يريدها من أكثر من كتاب، وعن صحة حديثٍ أو أثرٍ أو قصة، وبضغطة زِرٍّ واحدة يتيسر له نشر الآيات والأحاديث ومقاطع العلماء الصوتية والمرئية والدعوة إلى اللهِ تعالى لملايين النَّاس.

5- (1) ألا يكفيك أن يكون لك أجرُ جميع من اتَّبعك من النَّاس

وقد قال ﷺ:

«مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا»[4].

وقال أيضًا:

«فواللهِ، لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ»[5].

6- (1) يجب على العلماء والدعاة القائمين على أمر الدعوة، أصحاب الخبرة والبذل والعطاء، الذين وهبوا حياتهم للدعوة إلى الله، أن يوجِّهوا الناس إلى القيام بواجبهم تُجاهَ الدعوة إلى الله، ودعوتهم للانخراط في مجالات العمل الدعويِّ المختلفة، ويحفِّزوهم ويحضُّوهم على ذلك، ويوجِّهوا كلًّا منهم إلى ما يُحسنه، مستغلِّين المواهب والإمكانياتِ المختلفة لديهم، فيفتحوا لهم آفاق الدعوة التي يمكِنهم العمل من خلالها.

7- (1) السَّعيد مَن كان إمامًا في الخير، وقائدًا إليه، والشقيُّ مَن كان عونًا على الشرِّ، وطريقًا إليه.

8- (2) لا بأس أن تروي من أخبار بني إسرائيل وقصصهم ما لا تتأكد من كذبه؛ شريطةَ أن تُبيِّن للنَّاس أن ذلك من الإسرائليات؛ لئلا يغترَّ السامع ويقطع بصحةِ ذلك.

9- (3) إياك والكذب على النبيِّ ﷺ، عامدًا أو جاهلًا، فلا تُحَدِّث إلا بما استبان لك أنَّه صحيحٌ ثابتٌ عنه ﷺ، وإلَّا كنتَ أحد الكاذبين على رسول اللهِ ﷺ.

10- (3) يدخل في الكذب عليه ﷺ القولُ بالجهل في دين اللهِ تعالى، فتُحَلِّل ما حرَّم اللهُ وتُحَرِّم ما أحلَّ.

11- (3) من الكذب على رسولِ اللهِ ﷺ الكذبُ على العلماء وأهل العلم؛ فإنَّ الرجلَ إذا قيل له: إن العالمَ الفلاني يقول بجواز كذا، أيقن أنَّه قاله عن علمٍ، فاعتقده دِينًا، وهذا أشدُّ من الكذب على عامَّة الناس[6].

12- قال الشاعر:

دَعَوْتُ إلى اللهِ بين الورى = فهذا استَجَابَ وذا اسْتَكْبَرَا

وظَلْتُ على دعوتي مُؤْجَرًا = فَمَنْ يَدْعُ للهِ لن يَخْسَرا

أيا قَوْمِ توبوا إلى ربِّكِمْ = فرِضوانُه لم يَزَلْ أَكْبَرا

المراجع

  1. رواه البخاريُّ (127).
  2. انظر: "فتح الباري" لابن حجر (6/ 498، 499).
  3. انظر: "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (5/ 431).
  4. رواه مسلم (2674).
  5. رواه البخاريُّ (2942)، ومسلم (2406).
  6. ينظر: "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (5/ 431).

مشاريع الأحاديث الكلية