عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ»
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ»
ذكر النبيُّ ﷺ أنَّ اللهَ تعالى قد خلق الملائكةَ من النور.
والملائكةُ خلقٌ من خلقِ الله تعالى، لهم أجسامٌ نورانية لطيفة، قادرةٌ على التشكُّل والتمثُّل والتصوُّر بالصور الكريمة، ولهم قوًى عظيمةٌ وقدرةٌ كبيرة على التنقُّل، وهم خلقٌ كثير لا يَعلَم عددَهم إلا الله سبحانه، اختارهم لعبادته والقيام بأمره، فلا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمَرون[1].
2. ثم أخبر ﷺ أن الله سبحانه خلق الجِنَّ -وهم خلق غيبي لا يراه الناس-، من اللهب المختلط بسواد النار.
3. ثم ذكر ﷺ أن الله خلق آدمَ أبا البشر مما وصف لنا في القرآن وأخبر به ﷺ في السُّنَّة. وهذا من الاختصار والإيجاز، وقد أُوتي ﷺ جوامع الكلم، وقد جاء وصفُ خلقِ آدم في كتاب الله تعالى مرارًا، فالله تعالى خلقه من تراب؛ أضاف إليه ماءً فصار طينًا لازبًا أي يمتزج ببعضه ويلتصق، ثم تُرك حتى اسودَّ وأنتن وذلك الحمأ المسنون، ثم طُبخ في النار حتى يبس وصار كالفخار [2].
وقد أخبر ﷺ أنَّ الله عزَّ وجلَّ أخذ قبضاتٍ مختلفة من تراب الأرض لخلق آدم، ولذلك اختلفت أجناس الناس وطبائعهم، فَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ، جَاءَ مِنْهُمُ الْأَحْمَرُ وَالْأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ» [3]، كما أنَّ خلق الإنسان اختلف أنواعًا؛ فخلقُ آدم لا يشبه خَلْقَ حوَّاء، وخَلْقُ عيسى مخالفٌ لهما، وخَلْقُ الثلاثة غير خَلْقِ سائر البشر.
الإيمان بالملائكة والجنِّ من الأمور الغيبية، ومقتضى الإيمان بالله تعالى ورسوله ﷺ تصديقهما فيما أخبرا به عن ذلك، وقد امتدح اللهُ تعالى المؤمنين فقال:
﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾
[البقرة: 3]
، ولا يلزم المسلم أن يستدل بعد ذلك على وجود الملائكة أو الجن بمختبرات ودراسات، فهو يصدق بإخبار الله تعالى الذي دلت أعظم الأدلة على صدقه وصدق رسوله ﷺ .
هذا الحديث دليل على عظم قدرة الله تعالى، حيث خلق ثلاث مخلوقات من ثلاثة مواد مختلفة الجنس، وكل منها له صفاته الخاصة به، والتفكُّر في صُنع الله تعالى يُورث القلبَ إيمانًا وتقوى ومهابةً لله تعالى، ولذلك أَمَر سبحانه في كثيرٍ من آياته بالتفكر في خلق الله تعالى.
الله تعالى أظهر تكريم الملائكة بكونه خلقهم من نور، وهو يستدعي تكريمهم، ومحبتهم، فيتجنب المسلم ما ينافي ذلك، كإبقاء الكلب والتماثيل في المنزل -لكونها تمنع الملائكة-، أو الإصرار على المعاصي وهو يعلم أن الملائكة يكتبون.
ينبغي على المُعَلِّم والداعية أن يُفصِّل ما يغيب عن عِلْم الناس، ويختصر ما عَلِمُوه وشاهدوه واستفاض فيهم أمره، وإلا كان الكلام حشوًا وثرثرةً بلا فائدة.
قال الشاعر:
للهِ فـي الآفَـاِق آيَـاتٌ لَعَلْ = لَ أَقَلَّهَـا هُـَو مَـا إِلَيْهِ هَدَاكَ
وَلَعَلَّ مَا في النَّفْسِ مِـْن آيَاتِهِ = عَجَبٌ عُجَابٌ لَـْو تَـَرى عَيْنَـاكَ
وَالْكَـوْنُ مَشْحُـونٌ بِأَسْرَارٍ إِذَا = حَاوَلْـتَ تَفْسِيـرًا لَهَـا أَعْيَـاكَ