فقه:
1- يذكر أبو سعيد بن المُعَلَّى أنه كان يُصَلِّي، فناداه النبيُّ ﷺ فلم يردَّ عليه واستكمل صلاته.
2- فلمَّا أنهى صلاتَه ذهب إلى النبيِّ ﷺ مجيبًا، ومُبَرِّرًا عدم إجابته له بأنه كان في الصلاة، ظناً منه أنَّه لا يجوز له أن يقطعها، أو يتكلم فيها عند كلام رسول الله ﷺ له، وأن إجابة رسول الله ﷺ واجبة فقط لمن هو خارج الصلاة، فلهذا لم يُجبه.
3- فأخبره النبيُّ ﷺ بأنَّ إجابته واجبة على الفور سواء كان في الصلاة أو في خارجها
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾
فالنبي ﷺ لا يدعوه إلا لأمر مهم.
4- ثم أخبره ﷺ أنه سيذكر له أعظم سورة في القرآن قبل أن يخرج من المسجد.
وهذا يدل على أنَّ سور القرآن تتفاضل في الأجر وثواب القراءة
﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾
وذلك لما فيها من معاني أسماء الله تعالى وصفاته، وتوحيده والثناء عليه وصيغ دعائه وتمجيده، ولذلك كانت آية الكرسي أعظم آية في القرآن، وفاتحة الكتاب أفضل سورة فيه، وتعدل سورةُ الإخلاصِ ثُلثَ القرآن.
5- ثُمَّ إنَّ النبيَّ ﷺ أخذ بيد أبي سعيد وَهَمَّ بالخروج من المسجد، إما نسيانًا لوعده بإخبار أبي سعيد عن أعظم سورة، وإما اختبارًا لأبي سعيد لينظر حرصه على العلم، فذَكَّره أبو سعيد بقوله قبل أن يخرج من الباب.
6- فأجابه النبيُّ ﷺ بأن سورة الفاتحة هي أعظم سورة في القرآن الكريم، فهي السبع المثاني؛ سُمِّيت بذلك لما فيها من الثناء على الله، ولأنها تُثنَّى -أي تُعاد- في الصلاة، ولأنها مما استثناه الله تعالى لأمة نبيه ﷺ، وهي سبعٌ لأنها سبع آيات، وهي القرآن العظيم اللذان امتنَّ الله على نبيِّه ﷺ بإيتائهما له في قوله تعالى:
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾
اتباع:
1- إذا كانت الاستجابة لأمرِ النبيِّ ﷺ واجبةً على المسلم، حتى لو كان في الصلاة، فمن باب أولى الاستجابة لأوامر النبيِّ ﷺ في جميع شؤون حياته، وعدم تقَدِّيم رأيَ الإنسان وهواه على سُنَّةِ النبيِّ ﷺ وشرعه، فوطِّن نفسك لذلك دائمًا.
2-
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
إشارةٌ إلى أنَّ الحياة المُعتبرة المَرجُوَّة إنما هي حياة القلوب والأرواح لا مجرد حركة الأجساد وابتغاء الشهوات، وهي التي تُورث السعادة في الحياة الأبدية في الآخرة، لا تلك الحياة الفانية، فمن أراد أن يحيا حقًّا فليلزم طاعةَ الله ورسوله ﷺ، فهي وحدها سبيل الحياة السعيدة في الدنيا والآخرة.
3- احرِص على طلب العلم ولا يشغلك عنه شيءٌ، ولا يصدَّنَّك عن السؤال حياءٌ أو استكبار؛ فإنَّ أبا سعيد لم يستحِ من أن يُذَكِّر النبيَّ ﷺ بما نسيه من وعده بإخباره أعظم سورة في القرآن، ولا من أن يتباطأ عن الخروج معه، على عظيم مكانته ﷺ في قلوب أصحابه، لحرصه على الحديث ومعرفة العلم.
4- في الحديث دليل على رحمة النبي ﷺ بأصحابه، وحرصه على تعليمهم ما ينفعهم، فعلى المعلم أن يتخلق بخلق النبي ﷺ في التعليم، وعلى الطالب أن يتخلق بخلق أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه في التعلم والحرص.
5- على طالب العلم ألا يترك الخير حتى يضيع من يده، فلو أن أبا سعيد بن المعلى رضي الله عنه ترك النبي ﷺ حتى خرج من المسجد، لما تعلم هذه الفائدة العظيمة.
6- إذا تفاضلت سور القرآن في الأجر والثواب؛ فإنَّه ينبغي على المسلم أن يتدارك ذلك الفضل بأن يُكثر من قراءة الآيات والسور التي ورد في فضلها الأحاديث الصحيحة، فضلًا عن أن يحفظها، ويتدبر معانيها، ويفهم سرَّ رفعتها.
7- من أسرارِ علوِّ منزلة الفاتحة: أنَّ الله تعالى ابتدأها بالحمد والثناء والتمجيد قبل الدعاء، وهذا من آداب الدعاء التي ينبغي على العبد أن يحرص عليها ليستجاب دعاؤه
فعَنْ فَضَالَةَ بْن عُبَيْدٍ، قَال:
سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدِ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «عَجِلَ هَذَا»، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: - أَوْ لِغَيْرِهِ - «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ»[1].
8- قال الشاعر:
اقْرَأْ كِتَابَ اللهِ وَافْهَمْ حُكْمَهُ = تُدْرِكْ عَطَاءَ اللهِ فِي إِحْسَانِ
فَهُوَ الخِطَابُ لِكُلِّ عَقْلٍ نَابِهٍ = وَهُوَ الضِّيَاءُ بِنُورِهِ الرَّبَّانِي
يَهْدِي إِلَى الخَيْرِ العَمِيمِ وَإِنَّهُ = أَمْنُ القُلُوبِ وَرَاحَةُ الأَبْدَانِ
قَدْ أَنْزَلَ القُرْآنَ رَبٌّ حَافِظٌ = لِيُعَلِّمَ الإِنْسَانَ خَيْرَ بَيَانِ
المراجع
- أبو داود (1481)، والترمذيُّ (3477)، والنسائي (1284).