عَنْ وَرَّادٍ، كَاتِبِ المُغِيرَةِ، قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى المُغِيرَةِ رضي الله عنهما: اكْتُبْ إِلَيَّ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ: «لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ» وَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّه: «كَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ المَالِ، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقُوقِ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدِ البَنَاتِ، وَمَنْعٍ وَهَاتِ».

فقه

  1. حرص معاويةُ رضي الله عنه على أن تبلغه أحاديثُ رسولِ الله ﷺ، فكتب إلى عامله المغيرة رضي الله عنه يسأله أن يُرسل إليه بعضَ ما سمعه من رسولِ الله ﷺ من جوامع الكَلِم.

  2. فكتب إليه المغيرةُ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ ﷺ كان حريصًا على أن يقول عقب كل صلاة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير".

ومعنى ذلك الدُّعاء أنَّه لا معبودَ بحقٍّ إلا الله، فالملك المُطلق بيده سبحانه، له مُلك الدنيا والآخرة، وله جميع أصناف الثناء كلها، فهو المستحقُّ لذلك وحده، وهو القدير الذي لا يُعجزه شيءٌ، له القدرة الظاهرة والباطنة في السماوات والأرض.

3. ثم يقول: "اللهم لا مانع لما أعطيتَ ولا مُعطي لما منعتَ" فلا يُعارِضُ فعلَك أحدٌ، ولا يقدر أحدٌ أن يمنع ما قدَّرتَ، أو يدفع ما منعت

قال سبحانه:

{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}

[فاطر: 2].

4. واختتم ﷺ دعاءَه بقوله: "ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجدُّ"، وفي العبارة تقديمٌ وتأخير، وحقُّها: "ولا ينفعُ الجدُّ منكَ ذا الجدِّ"؛ أي: لا ينفع الغِنَى صاحبَه منك، ولا ينفع الحظُّ المحظوظَ فيردَّ عنه قضاءك وقدرك، أو يُنجيه من عذاب الله تعالى. فلا ينفعُ الإنسانَ إلا عملُه وإيمانه وأن يتغمده اللهُ تعالى برحمته، وهذا قريبٌ من

قوله تعالى:

{يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ [88] إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}

[الشعراء: 88، 89].

5. ثم كتب المغيرةُ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ ﷺ كان ينهى عن كثرة الكلام بما لا يفيد، فإنَّ إطلاقَ اللسانِ سبيلٌ للخوضِ في أعراضِ النَّاسِ،

ولهذا قال ﷺ:

«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»

[1].

6. ونهى أيضًا عن كثرة السؤال، وهو أن يسأل الإنسانُ أسئلةً لا فائدةَ منها؛ كالسؤال عن مسائل لم تقع. ويدخل في كثرة السؤال كذلك كثرةُ سؤالِ النَّاس عن أحوالهم حتى يُوقعهم في الحَرج فيما يريدون ستره، ويحتمل أن يكون المرادُ سؤالَ النَّاس المالَ[2].

7. ونهاهم عن إضاعة المال؛ بإنفاقه في المُحَرَّمات، أو الإسراف في المُباحات من المأكل والمشرب والملبس ونحو ذلك

قال سبحانه:

{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}

[الأعراف: 31].

8. ونهى كذلك عن معصية الآباء والأمهات والإساءة إليهم والتفريط في حقوقهم وإيذائهم، وخصَّ الأُمَّهات لعظيم حقِّهنَّ؛ فبرُّ الأمِّ مقدمٌ على برِّ الأب، ولأنَّ النساءَ أضعفُ من الرجال، فعقوقهن أسرع من عقوق الآباء.

9. ونهى كذلك عن وَأْدِ البنات، وهو دفنهنَّ أحياءً، كما كانت عادة الجاهليين، كراهةً للبنات وتشاؤمًا منهن؛ حيث يظنون أنَّ البنت تجلبُ العارَ

قال سبحانه:

{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ [58] يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}

[النحل: 58، 59].

10. ونهى عن أن يمنع الإنسانُ ما وجب عليه من المال أو القول أو الفعل أو الأخلاق، وأن يطلبَ ما لا يجوز له أخذُه[3]. وهذا من أبشع صور الجشع؛ حيث يحرص المرءُ على أخذ ما ليس من حقِّه، ويمنع أن يعطي غيره ما يجب لهم.

اتباع

  1.  انظر كيف حرص الصحابةُ رضوان الله عليهم على طلب العلم وحفظ الحديث، فهذا معاوية رضي الله عنه على انشغاله بالخلافة وأمور الحكم، لم ينسَ حظَّه من أمورِ الدين ومعرفة الأحكام. فإياك والفتورَ عن طلب العلم.

  2.  اجتهد الصحابةُ رضوان الله عليهم في حفظِ وتبليغِ أحاديث النبيِّ ﷺ، فهم أهلُ فضلٍ وعلمٍ. ينبغي على كلِّ مسلمٍ أن يُوَقِّرهم ويحترمهم، ويغضَّ طرفه عمَّا جرى بينهم من أمور الدنيا.

  3. احرص على أن تختم صلاتَك بأذكار الصلاةِ المعروفة، ومنها هذا الذِّكر: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيتَ، ولا مُعطي لما منعتَ، ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجدُّ".

  4.  ثِق باللهِ تعالى وتوكَّل عليه، فلا يقدر أحدٌ أن يمنع ما قدَّره، ولا أن يفعل ما لم يكتبه.

  5.  إياك والقنوط واليأس من رحمة الله، ولا تجزع لما أصابك بقَدَرِ الله، فما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك.

  6.  لن ينفعك إلا عملك، فلا الأنساب ولا الأموال ولا القوة ولا الحظ يغني عنك من الله شيئًا.

  7.  لا تتكلم فيما لا ينفع؛ فإنَّ اللسان موردُ الهلاك، كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يُمسك بلسانه ويقول: "إنَّ هذا أوردني الموارد"[4].

  8.  تفكَّر في ما تقول قبل أن يتحرك به لسانك؛ قال شُميط بن عجلان رحمه الله: "يا بنَ آدمَ، إنّك ما سكتَّ، فأنت سالم، فإذا تكلَّمت، فخذ حذرك، إمّا لك وإمّا عليك"[5].

  9.  قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "من كَثُر كلامه، كَثُر سَقْطه، ومن كثر سقطه، كثرت ذنوبُه، ومن كَثُرت ذنوبه، كانت النّار أولى به"[6].

  10.  لا تسأل فيما لا يعنيك؛ فإن كان السؤال عن شيءٍ من أمور الدِّين فلا تسأل عمَّا لا فائدةَ من معرفته، من السؤال عن الأشياء التي لم تحدث، أو الأمور التي لا تنفع صاحبها أو تضره، واحرص على سؤال ما ينفعك في دنياك وآخرتك.

  11.  لا تشقَّ على أحدٍ في السؤال عن أحوالِه وأخبار أهله بما لا يجدُ به بُدًّا من إفشاءِ أسرارِ بيته.

  12.  ليس من إضاعة المال إنفاقُه في أوجه البرِّ والطاعة؛ فأبو بكر رضي الله عنه أنفق جميعَ ماله في سبيل اللهِ تعالى، وأنفق عمر رضي الله عنه نصف مالِه، ولم يكن ذلك من إضاعته.

  13. لا يحرم على المسلم أن يُنفق المالَ في المَلَذَّات والطيِّبات، وإنما يحرم عليه الإسرافُ ومجاوزةُ الحدِّ في ذلك.

  14.  إياك والعقوقَ؛ فإنَّ عقوبته تُعجَّلُ في الدُّنيا قبل الآخرة.

  15.  إذا كان العقوقُ حرامًا، فعقوقُ الأمِّ أكثر حرمةً، فلا تحملك رقَّتُها وضعفُها على عقوقها.

  16.  حرَّم اللهُ سبحانه قتلَ البنتِ ووأدَها خوف الفقرِ أو العار، وأوجب على الأب أن يُربِّيها تربيةً سليمةً، وحرَّم انتقاصَ حقِّها أو ظلمها في ميراثها.

  17. أدِّ ما عليك من الواجبات، ولا تبخل.

  18. إياك والطَّمع فيما عند غيرك، ارضَ بما قسم اللهُ لك تكن أغنى النَّاس.

المراجع

  1. رواه البخاريُّ (6019)، ومسلم (48).
  2. "مشارق الأنوار على صحاح الآثار" للقاضي عياض (2/ 201).
  3. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (10/ 3157).
  4. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 340).
  5. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 340).
  6. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 340).

مشاريع الأحاديث الكلية