عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي اللَّه عنهمَا - عَنِ النَّبِيِّ قَالَ:  «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ»


فقهٌ

1. المسلمُ الحقُّ هو الذي كفَّ شرَّه عن النَّاس، فسَلِم المسلمون مِن أذاه القولي والفعلي، وقد توعَّد سبحانه مَن آذى المؤمنين بقوله تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}

[الأحزاب: 57، 58].

وليس معنى الحديثِ انتفاءَ الإسلام عمَّن يؤذِي المسلمين، بل المرادُ كمالُ الإسلام؛ فمَن لم يَسلَم المسلِمون مِن لسانه ويدِه، فإنه يَنتفي عنه كمالُ الإسلام الواجبِ، فإن سلامةَ المسلمين مِن لِسان العبدِ ويده واجبةٌ، فإنَّ أذى المسلم حرامٌ باللسان وباليد، فأذى اليدِ: الفعل، وأذى اللسانِ: القولُ" [1].

وليس الأذى محصورًا في اليد واللسان، بل يَحصل بجميعِ الأعضاء، وإنما الغالبُ في ذلك أفعالُ اللسان واليد؛ فاللسان يَغتابُ ويسُبُّ ويَشهد زُورًا ويَقذف، واليد تَبطِش وتسرِق وتَقتل ونحو ذلك.

وإنَّما بدأ ﷺ باللسان لأنَّه أشدُّ نكايةً، والإيذاءُ به أسهلُ وأكثر، ويطُولُ الأمواتَ والأحياءَ، ولهذا لمَّا قال معاذٌ رضي الله عنه:

يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِه؟ قَالَ ﷺ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ! وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ - أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟!»

[2].

2. والهجرةُ الحقيقية ليست مجرَّدَ الانتقال من بلدِ الشِّركِ إلى بلدِ الإيمان، بل أن يَهجُر العبدُ كذلك جميعَ ما نهى اللهُ تعالى عنه، فهِجرةُ بلدِ الكفرِ مع البقاءِ على المعاصي ليست بهجرةٍ كاملة؛ فأصلُ الهجرةِ: هجرانُ الشرِّ ومُباعدتُه لطلَبِ الخيرِ ومحبَّته، فهي عامَّةٌ في هجرانِ المعاصي والذنوب، ويَدخل فيها هجرانُ بلاد الشِّركِ إلى بلاد الإسلام [3].

اتباعٌ

  1. (1) احرِص على الاتِّسام بصفاتِ الإسلام كاملةً حتى تَستوفي أجرَ المسلمين حقًّا، فإياكَ وظلمَ النَّاسِ بالقول أو الفعل.

  2. (1) إياك وظُلمَ النَّاسِ باللسان واليد؛ فإنه سببٌ في الإفلاس الحقيقي وضياعِ أجرِ ما تعِبتَ فيه من القُرُبات؛

    قال ﷺ:

    «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ»

    [4].

    فإياك وذلك الخُسران.

  3. (1) الأخلاقُ ميزانٌ بين المؤمنين، والدين كلُّه خُلُقٌ، فمَن زاد عليك في الخُلق، زاد عليك في الدِّين [5].

  4. (1) قال الشاعر: 

فلا تَعْجَلْ على أَحَدٍ بظُلْمٍ = فَإِنَّ الظُّلْمَ مَرْتَعُه وَخِيمُ

ولا تَفْحُشْ وَإِنْ مُلِّئْتَ غَيْظًا = على أَحَدٍ فإنَّ الفُحْشَ لُومُ

5. (2) إذا كان السابقونَ من المؤمنين قد حازوا فضْل الهجرة مِن أوطانهم إلى المدينة، فإنَّ ذلك الفضلَ حاصلٌ لِمَن هجَر المعاصي والذنوبَ ممَّن بعدهم.

6. (2) إياك والاتِّكالَ على ما تقرَّبت به إلى الله تعالى من الطاعاتِ والقُرَب، فتعتمِد عليها وتترُك العبادة ظانًّا النجاةَ؛ فالهجرةُ -وهي من أفضل الأعمال- لا تنفعُ أصحابَها إنْ قصَّرُوا في حقِّ الله تعالى.

7. على الداعية والمُرَبِّي أن يحرِص على توجيه النَّاس إلى مكارمِ الأخلاق التي تُوَثِّقُ الأُلفةَ بين المسلمين.

المراجع

1. "فتح الباري" لابن رجب (1/ 37، 38).

2. رواه أحمد (22665)، وابن ماجهْ (3973)، والترمذيُّ (2616).

3. "فتح الباري" لابن رجب (1/ 39).

4. رواه مسلم (2581).

5.  "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 307).



مشاريع الأحاديث الكلية