عن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها قالت: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «مَن أحدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليس فيه، فهو رَدٌّ»
عن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها قالت: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «مَن أحدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليس فيه، فهو رَدٌّ»
1- قال الإمام أحمدُ: إنّ أصول الإسلام ثلاثة أحاديثَ: حديث: «الأعمال بالنّيّات»، وحديث: «من أحدث في أمرنا ما ليس منه، فهو ردٌّ»، وحديث: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ»[1]
2- هذا الحديث من جوامع كَلِمه صلي الله عليه وسلم، فإنَّه قعَّد قاعدةً عظيمة من قواعد الإسلام بعبارة موجَزة يَسيرة؛ فكلُّ مَن أحدث شيئًا ونسبه إلى الدين، ولم يكن له أصلٌ من الدين يرجع إليه، فهو ضلالة، والدين بريءٌ منه، وسواءٌ في ذلك مسائل الاعتقادات، أو الأعمال، أو الأقوال الظاهرة والباطنة[2]
3- الحديث صريح في ردِّ كلِّ البِدَع والمخترَعات[3]
4- هذا الحديث ممّا ينبغي حفظُه واستعماله في إبطال المنكَرات، وإشاعة الاستدلال به[4]
5- هذا الحديث أصلٌ عظيم من أصول الإسلام، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها، كما أنّ حديث: «الأعمال بالنّيّات» ميزان للأعمال في باطنها، فكما أنّ كلَّ عمل لا يُراد به وجه اللّه تعالى فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كلُّ عمل لا يكون عليه أمر اللّه ورسوله، فهو مردود على عامله، وكلُّ من أحدث في الدّين ما لم يأذن به اللّه ورسوله، فليس من الدّين في شيء[5]
6- هذا الحديث بمنطوقه يدلُّ على أنّ كلَّ عمل ليس عليه أمر الشّارع، فهو مردود، ويدلُّ بمفهومه على أنّ كلَّ عمل عليه أمره فهو غير مردود[6]
7- في الحديث إشارةٌ إلى أنّ أعمال العاملين كلِّهم ينبغي أن تكون تحت أحكام الشّريعة، وتكون أحكامُ الشّريعة حاكمةً عليها بأمرها ونهيها، فمن كان عمله جاريًا تحت أحكام الشّرع موافقًا لها، فهو مقبول، ومن كان خارجًا عن ذلك، فهو مردود[7]
8- استحسان السَّلَف لبعض الأفعال على أنها بدعة؛ كقول عمرَ بنِ الخطَّاب رضي الله عنه عن جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد: «نِعمَ البدعةُ هذه»[8]، إنما ذلك في البِدَع اللغوية، لا الشرعية؛ فإن فعله له أصلٌ في الشرع؛ فإن النبيَّ ﷺ صلَّى بالناس، ثم خشيَ أن تُفرض عليهم، فترك ذلك، فلما تولَّى عمرُ رضي الله عنه جمعَهم على أُبيِّ بن كَعب رضي الله عنه وقال قولته تلك، فلم تكن بدعةً شرعية[9]
9- قال ﷺ : «وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضلالة»[10]؛ وذلك لأن الأصل فيما يَدين به الإنسان ربَّه، ويتقرَّب به إليه، المنعُ والتحريم، حتى يقوم دليل على أنه مشروع؛ ولهذا أنكر اللهُ - عزَّ وجلَّ - على من يحلِّلون ويحرِّمون بأهوائهم؛
فقال تعالى:
وَلَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلۡسِنَتُكُمُ ٱلۡكَذِبَ هَٰذَا حَلَٰلٞ وَهَٰذَا حَرَامٞ لِّتَفۡتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ لَا يُفۡلِحُونَ
[النحل: 116]،
وأنكر على من شرع في دينه ما لم يأذن به؛
فقال:
أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمۡ يَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةُ ٱلۡفَصۡلِ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۗ وَإِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ
[الشورى: 21]،
وقال
قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُم مِّن رِّزۡقٖ فَجَعَلۡتُم مِّنۡهُ حَرَامٗا وَحَلَٰلٗا قُلۡ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمۡۖ أَمۡ عَلَى ٱللَّهِ تَفۡتَرُونَ ﱠ
[يونس: 59] [11]
10- الأمور العادية وأمور الدنيا، لا يُنكَر على مُحْدَثاتِها إلا إذا كان قد نُصَّ على تحريمه، أو كان داخلًا في قاعدة عامَّة تدلُّ على التحريم؛ كتحريم الحرير والذَّهب على الرجال، وتحريم ما فيه الصورة، وما أشبه ذلك[12]
11- في الحديث إشارة إلى أن كلَّ بدعة في دين الله فهي مردودة وضلالة، وإن ظنَّ صاحبها أنها خير، وأنها هدى، فإنها ضلالة لا تزيده من الله إلا بُعدًا.
12- الحديث يشمل ما كان مبتدَعًا في أصله، وما كان مبتدَعًا في وصفه. فمثلًا: لو أن أحدًا أراد أن يَذكُر الله بأذكار معيَّنة بصفتها أو عددها، بدون سنَّة ثابتة عن رسول الله ﷺ، فإنا ننكر عليه، ولا ننكر أصل الذكر؛ ولكن نُنكر ترتيبه على صفة معيَّنة بدون دليل[13]
13- البدعة كلُّ ما أُحدِث بعد النبيِّ ﷺ فهو بدعة، والبدعة فعلُ ما لم يُسبق إليه، فما وافق أصلًا من السنَّة يُقاس عليها فهو محمود، وما خالف أصول السُّنن فهو ضلالة. ومنه قوله ﷺ: «كل بدعة ضلالة»[14]
14- قال الفُضيل في قوله تعالى:
ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ
ﱠ [الملك: 2]
قال: أَخْلَصُه وأَصوَبه. وقال: إنّ العمل إذا كان خالصًا، ولم يكن صَوَابًا، لم يُقبَل، وإذا كان صوابًا، ولم يكن خالصًا، لم يُقبَل حتّى يكون خالصًا وصوابًا. قال: والخالص إذا كان للّه عزّ وجلّ، والصَّواب إذا كان على السُّنَّة[15]
15-في الحديث ردٌّ على مَن يقسِّم البدعة في الدين إلى حسنة وسيئة[16]
16- عَنْ أبِي هُريرةَ رضي الله عنه،
أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قَالَ:
«مَنْ دَعَا إلى هُدًى، كان لهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أجورِ مَنْ تَبِعهُ، لا يَنقُصُ ذلك مِنْ أجُورِهم شيئًا، ومَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ، كان عليه مِنَ الإثمِ مثلُ آثامِ مَنْ تَبِعهُ، لا يَنْقُصُ ذلك مِنْ آثامِهم شَيئًا»
[17]
الفوائد اللغوية
17- قوله ﷺ: «فهو ردٌّ» قال أهل العربيّة: الرّدّ هنا بمعنى المردود، فهو مصدر بمعنى اسم المفعول، ومعناه: فهو باطل غير مُعتدٍّ به.
18- "أَمْرُنا" في الحديث المقصود به: دِينُنا وشَرْعُنا[1]
19- المراد بالبدعة: ما أُحْدِث في الدين مما لا أصلَ له في الشريعة يدُلُّ عليه، فأما ما كان له أصلٌ من الشرع يدُلُّ عليه، فليس ببدعة شرعًا، وإن كان بدعةً لغةً، وما كان محدَثًا في أمور الدنيا فلا عَلاقة له بالبدعة هنا[2]