عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ ، قَالَ: «نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ» قَالُوا: وَاللهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: «فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا».

فوائد الحديث

الفوائد العلمية


  1. جعل الله النار من نصيب الكفَّار والعصاة من خلقه

    قال تعالى:  

    وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ

    [آل عمران: 131].

  2. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه، قَالَ:

    كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «تَدْرُونَ مَا هَذَا؟» قَالَ: قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا، فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الْآنَ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا»

    [1].

  3. في الحديث بيان صفة من صفات جهنم، وهي أن نار الدنيا «جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا، مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ»؛ أي: شدَّة حرارة النار التي يُشعِلها الإنسان في الدنيا، ما هي إلا جزءٌ صغير من سبعين جزءًا من نار الآخرة. وقيل: يعني: أنه لو جُمِع كلُّ ما في الوجود من النار التي يوقدها بنو آدم، لكانت جزءًا من أجزاء جهنَّم المذكورة[2].

  4. كان النبيُّ يستعيذ من حرِّ جهنَّمَ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  رضى الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ  رضى الله عنه يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ»[3].

  5. تخصيص العدد بسبعين غيرُ مراد؛ وإنما المراد المبالغة في الكثرة وشدَّة الحرِّ، ففي رواية لأحمد في مسنده: «هَذِهِ النَّارُ جُزْءٌ مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ مِنْ جَهَنَّمَ»[4]، "والجمع بين الروايتين بأن المراد المبالغةُ في الكثرةِ، لا العدد الخاصُّ، أو الحكم للزائد"[5].

  6. قال مُحَمَّدُ بنُ الْمُنْذر: لَمَّا خُلقت النَّار، فَزِعت الْمَلَائِكَة وطارت أفئدتهم، وَلَمَّا خُلق آدمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام - سَكَن ذَلِك عَنْهُم[6].

  7. قَالَ مَيْمُونُ بنُ مهْرَان: لَمَّا خلق الله جَهَنَّم، أمرهَا فزفرت زفرَة، فَلم يبْقَ فِي السَّمَوَات السَّبع مَلَكٌ إلَّا خَرَّ على وَجهه، فَقَالَ لَهُم الربُّ: ارفعوا رؤوسكم، أما علمْتُم أَنِّي خلقتكم للطاعة، وَهَذِه خلقتها لأهل الْمعْصِيَة؟ قَالُوا: رَبَّنا لَا نأمنها حَتَّى نرى أَهلهَا؛ فَذَلِك

    قَوْله تَعَالَى:

    وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ

    [الأنبياء: ٢٨][7].

    قد تكاثرت الأحاديث في أن البكاء من خشية الله مقتضٍ للنجاة من النار، والبكاء من نار جهنَّم هو البكاء من خشية الله؛ لأنّه بكاءٌ من خشية عقاب الله وسَخَطه، والبُعد عنه وعن رحمته وجواره ودار كرامته[8].

المراجع

  1. رواه مسلم (2844).
  2. "المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم" للقرطبيِّ (7/ 187).
  3. رواه النسائيُّ (5520)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح وضعيف سنن النسائيِّ".
  4. رواه أحمد (8921)، وصححه الألبانيُّ في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (7006).
  5. "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجر (6/ 334).
  6. "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" للعينيِّ (15/ 165).
  7. "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" للعينيِّ (15/ 165).
  8. "مجموع رسائل ابن رجب" (4/ 143).
الفوائد اللغوية

9. «إِن كَانَت لكَافِيَة»، المعنى: إنَّ نار الدنيا لكانت كافية للعذاب؛ فكلمة (إِن) هَذِه مُخَفَّفَة من الثَّقِيلَة عِنْد الْبَصرِيين (إنَّ)، وَهَذِه اللاَّم (لكافية) هِيَ الْفارقة بَين (إِن) النافية، وَ(إن) المخفَّفة من الثَّقِيلَة. أما عند الكوفيين فهم يعتبرون أن هذا السياق عبارة عن أسلوب حصر، أداته النفيُ والاستثناء، فـ(إن) بمعنى ما النافية، واللام بمعنى إلَّا، والمعنى عندهم: ما كانت نار الدنيا إلا كافيةً للعذاب.

مشاريع الأحاديث الكلية