الفوائد العلمية
1- ثَمَّةَ أحاديثُ تَشتهِر عند الفقهاء؛ لكونها أصلاً في باب من أبواب الفقه، أو لجمعها أمَّهاتِ المسائل وأعيانَها، فيجري عليها العمل من أهل العلم كافَّةً، وتتوارد عليها أفهام العلماء واجتهاداتهم، فيتحصَّل منها أحكام كثيرة، وقد كَثُرت إطلاقات العلماء على بعض الأحاديث أنها من أصول التشريع، وأعمدة الدين، ومنها حديث المسيءِ صلاتَه.
2- اشتُهِر هذا الحديث عند العلماء بلقب "حديث المسيءِ صلاتَه"، وقد تناوله الفقهاء بالدراسة الفقهية استدلالاً واستنباطًا، فصار أصلاً لكثير من أحكام الصلاة، وعُمدةَ استنباطاتهم لكثير من أحكامها؛ لاشتماله على وصف كامل لأهم أعمال الصلاة وأركانها؛ فكلُّ عبارة فيه تدلُّ على ركن من أركان الصلاة.
3- تكرَّر من الفقهاء الاستدلالُ على وجوب ما ذُكر في الحديث، وعدم وجوب ما لم يُذكَر فيه، فأما وجوب ما ذُكر فيه، فلتعلُّق الأمر به، وأما عدم وجوب غيره، فليس ذلك لمجرَّد كونِ الأصل عدمَ الوجوب؛ بل لأمر زائد على ذلك، وهو أن الموضع موضعُ تعليم، وبيان للجاهل، وتعريف لواجبات الصلاة، وذلك يقتضي انحصار الواجبات فيما ذُكر [1]
4- ذكَر النبيُّ ﷺفي هذا الحديث الواجباتِ دون السُّنن، فذكر تكبيرة الإحرام، وقراءة القرآن، والركوع، والطمأنينة فيه، والرفع من الركوع، والاعتدال فيه، والسجود...، وقد ترك الحديث ذِكْر كثير من الواجبات كذلك؛ كالنيَّة، والتشهُّد، والتسليم، وغير ذلك؛ وهذا لأن الرجُل قد عَلِم تلك الأمور، وإنما غابت عنه أشياءُ أخرى، فدلَّه النبيُّ ﷺعلى فِعلها [2]
5- لم يقتصر النبيُّ ﷺفي حديث المسيء صلاته على بيان ما أساء فيه من الصلاة؛ بل ذَكَره وغيره، وهذا يؤكِّد أن الحديث بيان للواجبات دون سواها، وانحصارها في المذكورات، ولأجل هذا يتمسَّك بعض الفقهاء بهذا الحديث في أيِّ موضع اختُلف في وجوبه، فإن كان مذكورًا في الحديث قال بوجوبه، وإلا فلا؛ كالقول بعدم وجوب الإقامة، ودعاء الاستفتاح في الصلاة مثلاً؛ لعدم ذكرهما في الحديث.
6- شرطا قبول العمل هما النِّيَّة وموافقة السنَّة، أما حسن النية والاجتهاد في العمل فلا يجعله صحيحًا ما لم يكن موافقًا لسنَّة النبيِّ r، مهما كان اجتهاد صاحبه وحرصه على الخير.
7- في الحديث الحرص على دعوة وتعليم الناس الذين لا يؤدُّون صلاتهم صحيحة، حيث يُخشى عليهم ألَّا يكون لهم منها إلا التَّعَب والقيام والجلوس.
8- من التواصي بالحقِّ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنبيهُ الجاهلين وتعليمهم؛ عن زيد بن وهب قال: رَأَى حُذَيْفَةُ رَجُلًا لَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، قَالَ: (مَا صَلَّيْتَ، وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ عَلَيْهَا) [3]
9- في الحديث جلوسُ الإمام في المسجد، وجُلوسُ أصحابه معه، وفيه التّسليم للعالِم، والانقيادُ له، والاعتراف بالتّقصير، والتّصريحُ بحُكم البشريّة في جواز الخطأ [4]
المراجع
- "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق العيد (ص 166).
- "شرح النوويِّ على مسلم" (4/ 107).
- رواه البخاريُّ (791).
- "فتح الباري" لابن حجر (2/ 280، 281).
الفوائد الفقهية
10-في الحديث أنّ من أَخَلَّ ببعض واجبات الصلاة لا تَصِحُّ صلاته، ولا يسمَّى مصلِّيًا؛ بل يُقال: لم تصلِّ، وتجب عليه إعادة الصلاة [1]
11- نفى ﷺبقوله: «فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ» أن يكون عمل المسيء الأوّل صلاةً، والعمل لا يكون منفيًّا إلّا إذا انتفى شيء من واجباته، فأمّا إذا فعل كما أوجبه اللّه عزّ وجلّ، فإنّه لا يصحّ نفيه لانتفاء شيء من المستحبّات الّتي ليست بواجبة [2]
12- في الحديث تَكرار السّلام وردُّه وإن لم يَخرُج من الموضع، إذا وقعت صورةُ انفصال [3]
13- في الحديث أنّ القيام في الصّلاة ليس مقصودًا لذاته؛ وإنّما يُقصَد للقراءة فيه [4]
14- قوله: «اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ» محمولٌ على الفاتحة؛ فإنّها متيسِّرة، أو على ما زاد على الفاتحة بعدها، أو على من عَجَز عن الفاتحة [5]
15- الصّحيحُ الّذي عليه جمهورُ العلماء من السَّلف والخَلَف وجوبُ الفاتحة في كلِّ ركعة؛ لقوله ﷺ للأعرابيِّ: «ثم افعل ذلك في صلاتك كُلِّهَا» [6]
16- في هذا الحديث أنّ التّعوُّذ، ودعاء الافتتاح، ورفع اليدين في تكبيرة الإحرام، ووضع اليد اليمنى على اليسرى، وتكبيرات الانتقالات، وتسبيحات الرّكوع والسّجود، وهيئات الجلوس، ووضع اليد على الفخذ - ليس بواجب [7]
17- في الحديث دليلٌ على وجوب الاعتدال عن الرّكوع والجلوس بين السَّجدتين، ووجوب الطّمأنينة في الرّكوع والسّجود والجلوس بين السّجدتين، وهذا مذهب الجمهور [8]
18- في الحديث أنّ المفتيَ إذا سُئل عن شيء، وكان هناك شيءٌ آخَرُ يحتاج إليه السّائل، ولم يسأله عنه، يُستحبُّ له أن يَذكُره له، ويكون هذا من النّصيحة، لا من الكلام فيما لا يَعني [9]
19- في الحديث استحباب السّلام عند اللّقاء، ووجوب ردِّه، وأنّه يُستحبُّ تَكراره إذا تكرَّر اللّقاء وإن قَرُب العهد، وأنّه يجب ردُّه في كلِّ مرَّةٍ، وأنّ صيغة الجواب: (وعليكم السّلام)، أو (وعليك) بالواو، وهذه الواو مستحبَّة عند الجمهور [10]
20- فِي الحديث تأخيرُ البيان في المجلِس للمصلحة [11]
21- في الحديث أفعالُ الجاهل في العبادات على غير عِلْم لا يُتقرَّب بها ولا تُجزئ [12]
22- الشرع لا يَلزم قبل العلم به، والواجبات يسقُط تداركها بالجهل إن خرج وقتُها ما لم يفرِّط الجاهل؛ فإن النبيَّ ﷺ لم يأمُر الرجُل بإعادة ما مضى من الصلوات؛ وإنما أَمَره بإعادة تلك الصلاة؛ لأن وقتَها لم يخرج، ويسهُل إعادتها [13]
23- مَن أساء في صلاة تطوُّعٍ، فإنه يؤمَر بإعادتها [14]
المراجع
- "شرح النوويِّ على مسلم" (4/ 108، 109).
- "مجموع الفتاوى" (22/ 529، 530).
- "فتح الباري" لابن حجر (2/ 280، 281).
- "فتح الباري" لابن حجر (2/ 280، 281).
- "شرح النوويِّ على مسلم" (4/ 103).
- "شرح النوويِّ على مسلم" (4/ 103).
- "شرح النوويِّ على مسلم" (4/ 108).
- "شرح النوويِّ على مسلم" (4/ 108).
- "شرح النوويِّ على مسلم" (4/ 108، 109).
- "شرح النوويِّ على مسلم" (4/ 108، 109).
- "فتح الباري" لابن حجر (2/ 281).
- "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (2/ 283).
- انظر: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (21/ 430)، "شرح الأربعين النووية" لابن عثيمين (ص: 388).
- "فتح الباري" لابن رجب (7/ 169).
الفوائد التربوية
24- في الحديث حُسْنُ خُلُقه ﷺ وَلُطْفُ مُعاشرته.
25- في الحديث الرّفقُ بالمتعلِّم والجاهل، ومُلاطفتُه، وإيضاح المسألة، وتلخيص المقاصد، والاقتصار في حقِّه على المهمِّ دون المكمِّلات الّتي لا يَحتمِل حاله حِفْظَها والقيامَ بها[1]
26- الرفق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر؛ فإن النبيَّ ﷺ أمره بالإعادة ولم يعنِّفْه، فلمَّا أخبره أنه لا يَعلَم، علَّمه، فما نهَرَه ولا شدَّد عليه في الإجابة[2]
27- ردُّ السلام على الْمُسَلِّم، وإن تكرَّر منه ذلك وقَرُب؛ ففي كل مرةٍ كان يأمُر النبيُّ ﷺ الرجلَ بالإعادة، فيذهب ويُصلِّي، ثم يأتي فيسلِّم، فيَرُدُّ النبيُّ ﷺ[3]
المراجع
- "شرح النوويِّ على مسلم" (4/ 108، 109).
- "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (2/ 284).
- "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (2/ 284).
الفوائد العلمية
28- حديث المسيءِ صلاتَه حديث عظيم عُنِي به العلماء، أخرجه البخاريُّ ومسلم في صحيحيهما، والإمام أحمد في مسنده، وأصحاب السنن الأربعة، وغيرهم من أصحاب الصحاح، والمسانيد، والمصنَّفات، والمعاجم، والآثار، وقد رُوي من حديث صحابيَّين جليلين، هما أبو هريرة، ورفاعة بن رافع الأنصاريُّ رضي الله عنهما.
229- روى عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أكثرُ من ثمانمائةٍ، ما بين صحابيٍّ وتابعيٍّ، وله خمسةُ آلافِ حديث وثلاثُمِائةٍ وأربعةٌ وسبعونَ حديثًا، اتَّفَق البخاريُّ ومسلم منها على ثَلاثمِائة، وانفرد البخاريُّ بثلاثةٍ وسبعين[1]
المراجع
- "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" لابن علان (1/ 72).