18 - نَسخُ الرِّسالات بالرسول ﷺ

عن أبي هريرة أن رَسُول اللهِ قال: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ: إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» رواه مسلم

فوائد الحديث

الفوائد العلمية
  1. القَسَمُ لا يكون إلا على أمر عظيم، يريد الْمُقسِم تأكيده، وتثبيته في النفوس، وفي الحديث الْمُقْسَم عليه أمرٌ عَقَديٌّ عظيم.

  2. الأمَّة في الحديث هي أمَّةُ الدعوة، وهي من بُعِث إليهم ﷺ، وقد أُرسل للعالَمين من الجنِّ والإنس، فالجنُّ مكلَّفون مثلُ البَشَر، والحُجَّة قائمة عليهم. أما أمَّة الإجابة، فهي مَن صدَّقه وآمن به ﷺ، وهم المسلمون.

الفوائد العقدية

3. في الحديث أنه ما من أحد أتى بعد بعثة رسول الله ﷺ وسمع بدعوته وبما أُنزل به، ثم اختار ألَّا يؤمن به، إلَّا كان مصيرُه النارَ، ويشهد لذلك

قوله تعالى:

 إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ

[آل عمران: 19]

وقوله تعالى:

وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ

[آل عمران: 85].

4. في الحديث إشارةٌ إلى أن من لم تبلغه الدعوة، ولا سَمِع بها، فهو معذور أمام الله تعالى

لقوله تعالى:

وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًاﱠ

[الإسراء: 15]

 وكذلك مَن سَمِع بالدعوة، ولم يستطع فَهْمَها بسبب العُجمة، أو عيوب الحواسِّ والإدراك، أو من وَصَلَتْه مشوَّهةً محرَّفة غيرَ واضحة.

5. في الحديث إشارة إلى أن كلَّ من سَمِع بأمره ﷺ في أطراف الأرض وجزائر البحور من أهل الشرك، ففَرْضٌ عليه البحثُ عن حاله والإيمان به[1].

6. صحَّ أنه لا عذاب على كافر أصلًا حتى يَبلُغه نِذَارة الرسول ﷺ، وأما من بَلَغه ذِكر النبيِّ محمدٍ ﷺ وما جاء به ثم لا يَجِد في بلاده من يُخبِره عنه، ففَرْضٌ عليه الخروجُ عنها إلى بلاد يَستبرئ فيها الحقائق[2].

7. في الحديث نَسْخُ الْمِلل كُلِّها برسالة نَبِيِّنا ﷺ[3].

8. يشمل قَوْلُهُ ﷺ: «لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ» من كان موجودًا في زمنه ﷺ ومن أتى بعده إلى يوم القيامة، فكلُّهم يجب عليهم الدّخول في طاعته ﷺ.

9. ذَكَر ﷺ اليهوديَّ والنّصرانيَّ تنبيهًا على من سواهما؛ لأنّ اليهود والنصارى لهم كتاب، فإذا كان هذا شأنَهم مع أنّ لهم كتابًا، فغيرُهم ممّن لا كتاب له أَوْلى[4].

10. اختلف أهل العلم فيمن لم تبلغه الدعوة ومات على ذلك، وكذلك أطفال المشركين على أقوال ذكرها ابن القيم بأدلَّتها، واختار "أنهم يُمتحَنون في عَرَصات القيامة، ويُرسَل إليهم هناك رسول، وإلى كلِّ مَن لم تبلغه الدعوة، فمن أطاع الرسول دخل الجنة، ومن عصاه أدخله النار، وعلى هذا فيكون بعضهم في الجنة، وبعضهم في النار، وبهذا يتألَّف شمل الأدلَّة كلِّها، وتتوافق الأحاديث... وقد جاءت بذلك آثارٌ كثيرة يؤيِّد بعضُها بعضًا[5].

11. إن الله يقضي بين عباده يوم القيامة بحُكمه وعَدله، ولا يعذِّب إلَّا من قامت عليه حُجَّته بالرُّسل، فهذا مقطوع به في جُملة الخلق[6].

12. كَوْنُ زَيْدٍ بعَينه وعَمْرٍو بعَينه قامت عليه الحُجَّة أم لا، فذلك مما لا يمكِن الدخول بين الله وبين عباده فيه؛ بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كلَّ من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر، وأن الله سبحانه وتعالى لا يعذِّب أحدًا إلَّا بعد قيام الحُجَّة عليه بالرسول. هذا في الجملة، والتعيينُ موكولٌ إلى علم الله عزَّ وجلَّ، وحكمُه هذا في أحكام الثواب والعقاب. وأما في أحكام الدنيا، فهي جارية مع ظاهر الأمر[7].

13. ظاهر الحديث أن مجرَّد السماع تقوم به الحُجَّة؛ لأنه قال «لا يَسْمَعُ بِي»؛ ولكن قيِّد هذا الإطلاق بسماع يبيَّن به الأمر

لقوله تعالى:

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ

[إبراهيم: 4]

 فلابدَّ أن يَحصُل البلاغ الذي تقوم به الحُجَّة[8].

14. الذين في أوربا وغيرها ممن لم يصل إليهم الإسلام إلَّا مشوَّهًا، هل يُعذَّبون؟ نقول في هؤلاء: هم الآن يَدِينون بالكُفر، ويَرَون أنهم طَرَفُ نَقيضٍ مع الإسلام، فنحن نَحكُم عليهم بأنهم كفَّار في الظاهر، فإذا لم تَبلُغهم الدعوة على وجهٍ تَقوم به الحُجَّة، فأمرهم إلى الله يوم القيامة؛ لكن نحن نعاملهم الآن بما تقتضيه حالهم؛ لأنهم كفَّار[9].

15. في الحديث دليل على أن الّذين كانوا متمسِّكين بدين المسيح قبل مبعث محمّدٍ ﷺ كانوا على دين اللّه - عزَّ وجلَّ - وأمّا من حين بُعِث محمّد ﷺ فمن لم يؤمن به فهو من أهل النّار[10].

المراجع

  1. "الإحكام في أصول الأحكام" لابن حزم (5/ 117، 118).
  2. "الإحكام في أصول الأحكام" لابن حزم (5/ 117، 118).
  3. "شرح النوويِّ على مسلم" (2/ 188).
  4. "شرح النوويِّ على مسلم" (2/ 188).
  5. "طريق الهجرتين وباب السعادتين" لابن القيم (ص: 587، 588).
  6. "طريق الهجرتين وباب السعادتين" لابن القيم (ص: 413).
  7. "طريق الهجرتين وباب السعادتين" لابن القيم (ص: 413).
  8. "التعليق على مسلم" لابن عثيمين (1/490-491).
  9. "التعليق على مسلم" لابن عثيمين (1/490-491).
  10. "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" لابن تيمية (2/ 90).

الفوائد اللغوية

16. قولُه: «من هذه الأمة»: (من) إما للبيان، أو للتبعيض، وشِبْهُ الجملة على التقديرَين متعلِّق بمحذوف مرفوع صفة «أحد».

17. «يهوديٌّ» عطف بيانٍ، أو بَدَلٌ من «أحد».

18. الأمَّة جمعٌ لهم جامع من دين أو زمان أو مكان أو غير ذلك، فإنه مُجمَل يُطلَق تارةً ويُراد بها كلُّ من كان هو مبعوثًا إليهم، آمن به أو لم يؤمن، ويُسمَّوْنَ أمَّة الدعوة، وتُطلَق أخرى، ويراد بها المؤمنون به المذعِنون له، وهم أمَّة الإجابة، وهي في الحديث بمعنى الأول؛ بدليل قوله: «ولم يؤمن بي»[1].

19. اللام في كلمة (الأمة) في الحديث للاستغراق أو الجنس أو العهد، والمراد بها أهل الكتاب، ويُعضِّد الأخير تَوَصُّفُ الأحد باليهوديِّ والنصرانيِّ[2].

المراجع

  1. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (2/ 449).
  2. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (2/ 449).

مشاريع الأحاديث الكلية