عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ:  «مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّه وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ؛ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا، وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَو أَنَّا خَرَقْنَا في نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا»

فوائد الحديث

الفوائد العلمية


  1. في الحديث بيان تعذيبِ العامَّة بذنوب الخاصَّة، إذا سَكَتوا عنهم، أو داهَنوهم[1].

  2. في هذا الحديث يَضرِب النبيُّ ﷺ  مثالًا رائعًا لبيان أهمِّية الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر في نَجاة المجتمع بأسْره؛ فيُمثِّل ﷺ القائم على حدود الله، الـمستقيم على أمره تعالى ونَهْيه، الآمر بالـمعروف، والناهي عن المنكر، والواقع في حدود الله  الذي يرتكب الذُّنوب والكبائر، ويتْرُك الـمعروف، ويأتي أبواب الـمنكَر[2].

  3. في الحديث بيان أن مَن ترَكَ الأمْرَ بالْمَعروفِ والنَّهيَ عن الْمُنكَرِ، استَحقَّ عِقابَ اللهِ مع الظالِمينَ الْمُعْتدِين حُدودَ الله [3].

  4. إن هذه الأمة لم تنل أن تكون خيرَ أمة أُخرجت للناس عن محاباة أو مجاملة؛ بل بشرط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي شرطه الله تعالى لتكون هذه الأمةُ خيرَ الأمم

    قال تعالى:

    { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ }

    [آل عمران: 110].

  5. متى أدَّت الأمَّة شرط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نالت الخيرية على الأمم، والنصر والتمكين

    كما قال تعالى:

    {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ}

    [الحج: 41]

    ومتى أخلَّت بهذا الشرط، سُلبت هذه الخيرية، ونالت العقاب.

  6. إنَّ من أهمِّ تكاليف هذا الدِّين العظيم الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر؛ فقد أمر الله تعالى به وذكره في مواضع عديدة من كتابه الكريم

    مثل قوله تعالى:

     {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}

    [آل عمران: 104].

  7. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو صفة المؤمنين

     قال تعالى:

    وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ.

  8. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من أعظم مهامِّ الأنبياء والرسل

    قال تعالى:

    {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَر}ﱠ

    [الأعراف: 157].

  9. قال تعالى مُثْنيًا على الأمم السابقة القائمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جماعاتٍ وأفرادًا:

    {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}

    [آل عمران: 113، 114].

  10. كما استحقَّت الأمَّةُ الإسلامية الخيرية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، استحقَّت الأمم السابقة لعنة الله وغضَبه ونِقمته بترك ذلك الفرض العظيم

    قال تعالى:

    { لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ﴿٧٨﴾ كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴿٧٩﴾}

    [المائدة: 78، 79]

    وهذا تحذير للأمة الإسلامية أنهم لو اتَّبعوا نهج الأمم السابقة سيحلُّ بهم اللعنة والغضب بدلاً من الخيرية.

  11. إنه لا يوجد حرية مطلَقة في أيِّ شريعة دينية أو دنيوية، وإلا فهي الفوضى وتركُ الفاسدين لينشروا الفساد؛ فالنهيُ عن المنكَر لا يُعَدُّ تعدِّيًا على الحريات؛ بل هو حماية للمجتمع من المجاهرين بالمعاصي والفجور.

  12. لا يظنَّنَّ أهل الصلاح أنهم لا يَعنيهم المجاهرة بالمنكر ما داموا مهتدين؛ فقد حذَّر أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - من هذا الفَهم في خُطبته: "أيُّها الناس، إنّكم تقرؤون هذه الآية:

    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ}

    [المائدة: 105]

    وإنَّكم تضعونها على غير موضعها، وإنّي سمعت النبيَّ ﷺ يقول: «إنّ النّاس إذا رَأَوُا المنكَر فلم يغيِّروه، أوشك أن يعمَّهم الله بعقابٍ منه»[4].

  13. إذا أُقيمت الحدودُ، وأُمر بالـمعروف ونُهِي عن المنكَر، تَحصُل النَّجاةُ للـكلِّ، وإلَّا هلَك العاصي بالـمعصية، وغيرُه بتَرْك نهْيِه عن المعصية، وعدمِ أمْره بالمعروف[5].

14. في هذا الحديث تعذيب العامَّة بذنب الخاصَّة، وفيه نظر؛ لأنّ التّعذيب المذكور إذا وقع في الدّنيا على من لا يستحقُّه، فإنّه يكفِّر من ذنوب من وَقَع به، أو يَرفَع من درجته[6].

المراجع

  1. انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطَّال (7/ 13).
  2. انظر: "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" لبدر الدين العَينيِّ (13/ 56).
  3. انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطَّال (7/ 13).
  4. رواه أحمد (1)، وابن ماجه (4005)، وأبو داود (4338)، والترمذيُّ (3057)، وقال: حديث حسن صحيح.
  5. انظر: "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجر العسْقلاني (5/ 296).
  6. "فتح الباري" لابن حجر (5/ 296).


الفوائد الفقهية

15. مشروعيةُ الأخذ بالقُرعة للفصل بين الشركاء إذا تساوت الحقوق، ولم تظهَر مصلحةٌ تُرجِّح جانبًا على جانب[1].

16. في قوله ﷺ: «كمثل قوم استهموا على سفينة» جواز القرعة؛ لإقرار النبيِّ ﷺ لها، وأنه لم يذمَّ المستهِمين في السفينة، ولا أبطل فعلهم؛ بل رَضِيه وضَرَبه مثلاً لمن نجَّى نفسه من الهَلَكة في دينه، وقد ذكر البخاريُّ أحاديثَ كثيرةً في القُرعة في آخر كتاب الشهادات، وتَرجَم له باب القرعة في المشكلات[2]. 

17. القُرعة سنَّة لكلِّ من أراد العدل في القسمة بين الشركاء، والفقهاءُ متَّفِقون على القول بها، وخالفهم بعض الكوفيين، وزعموا أنه لا معنى لها، وأنها تُشبه الأزلام التي نهى الله عنها، وليس في القُرعة إبطال شيء من الحقِّ كما زعم الكوفيون[3].

18. في الحديث وجوب الصّبر على أذى الجار إذا خَشِي وقوع ما هو أشدُّ ضررًا[4].

19. في الحديث أنّه ليس لصاحب السُّفْل أن يُحدِث على صاحب العُلْو ما يَضُرُّ به، وأنّه إن أحدث عليه ضررًا لزمه إصلاحه، وأنّ لصاحب العُلو منعَه من الضَّرر[5].

20. إذا وجبت القسمة بين الشركاء في أرض أو دار، فعليهم أن يَعدِلوا ذلك بالقيمة، ثم يَستهِموا ويصير لكلِّ واحد منهم ما وقع له بالقُرعة مجتمعًا مما كان له في الملك مشاعًا، فيصير في موضع بعينه، ويكون له ذلك بالعوض الذي صار لشريكه؛ لأن مقادير ذلك قد عدل بالقيمة. وإنما مَنعَت القُرعة أن يختار كلُّ واحد منهم موضعًا بعينه، وهذا إنما يكون فيما يتشابه من الدُّور والأرض والعروض، وما تستوي رغبة الناس في كل موضع مما يُقترَع عليه[6].

21.  الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به بعض النّاس سقط الحَرَج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أَثِم كلُّ من تمكَّن منه بلا عُذر ولا خَوف[7].

22. قد يتعيَّن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، كما إذا كان في موضع لا يَعلَم به إلا هو، أو لا يتمكَّن من إزالته إلّا هو، وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكَر أو تقصير في المعروف[8].

23. لا يَسقُط عن المكلَّف الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لكونه لا يُفيد في ظنِّه؛ بل يجب عليه فعله؛ فإنّ الذّكرى تنفع المؤمنين؛ فالّذي عليه الأمرُ والنّهيُ، لا القَبول

وكما قال اللّه عزّ وجلّ:

{مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ}

[المائدة: ٩٩][9].

24. لا يُشتَرط في الآمر والناهي أن يكون كاملَ الحال، ممتثلًا ما يَأمُر به، مجتنبًا ما ينهى عنه؛ بل عليه الأمر وإن كان مخلًّا بما يأمر به، والنّهيُ وإن كان متلبِّسًا بما ينهى عنه؛ فإنّه يجب عليه شيئان: أن يأمر نفسه وينهاها، ويأمر غيره وينهاه، فإذا أخلَّ بأحدهما، كيف يُباح له الإخلال بالآخر؟![10].

25. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكلِّ مسلم، ولا يختصُّ بأصحاب الولايات؛ بل ذلك جائز لآحاد المسلمين؛ والدّليل عليه إجماع المسلمين؛ فإنّ غير الولاة في الصّدر الأوّل والعصر الّذي يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف ويَنهَونهم عن المنكَر مع تقرير المسلمين إيّاهم، وترك توبيخهم على التّشاغل بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر من غير ولاية [11].

26. إنما يأمر وينهى من كان عالِمًا بما يأمر به، وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشّيء، فإن كان من الواجبات الظّاهرة والمحرَّمات المشهورة؛ كالصّلاة والصّيام والزّنا والخمر ونحوها، فكلُّ المسلمين علماءُ بها، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال وممّا يتعلَّق بالاجتهاد، لم يكن للعوامِّ مدخل فيه، ولا لهم إنكاره؛ بل ذلك للعلماء، ثمّ العلماء إنّما ينكرون ما أُجمِع عليه، أمّا المختلَف فيه، فلا إنكار فيه [12].

27. هناك ركنان أساسيان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هما: العلم والقدرة.

28. ينبغي لمن يتصدَّى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون عالِمًا بالأمر المأمور به أو المنهيِّ عنه؛ فإن كان مما يستوي في علمه أكثر الناس؛ مثل المعلوم من الدين بالضرورة؛ كوجوب الصلاة والصيام، وحرمة الربا والزنا وشرب الخمر، وتحريم ظلم الناس في أموالهم وأنفسهم وأعراضهم، وهلم جرًّا، فلا خلاف في ذلك. 

29. لا إنكار مطلَقًا فيما كان مختلَفًا فيه بين العلماء اختلافًا معتبَرًا، أو كان من دقائق مسائل الشرع التي حُسم الخلاف فيها، وأضحى وجه الحق فيها واضحًا عند أهل الاختصاص؛ مثل دقائق مسائل الاعتقاد؛ فلا يجوز لكل أحد أن يُنكر فيها؛ لأنها تحتاج إلى فَهم دقيق، ويمكِن لأهل العلم والتخصُّص فقط النقاش والإنكار فيها. 

30. لابدَّ أن يكون العلم بوقوع المنكر ظاهرًا بغير تجسُّس؛ فالأصل عدم تتبُّع عَوْرات المسلمين، ويجب إذا كان صاحب المنكَر مستورًا لم يُعرَف بشيء من المنكرات، ووقعت منه هفوة أو زلَّة، أن يُستر عليه ولا يُفضَح، أما إذا كان مشتَهرًا بالمعاصي معلِنًا بها، فهذا مجاهِر فاجر، يُنكَر عليه ويُفضَح.

31. للاحتساب آداب، أهمُّها ثلاثة آداب، هي: الرفق والصبر والتدرُّج

المراجع

  1. انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطَّال (7/ 12).
  2. "شرح صحيح البخاري" لابن بطَّال (7/ 12، 13).
  3. "شرح صحيح البخاري" لابن بطَّال (7/ 12).
  4. "فتح الباري" لابن حجر (5/ 296).
  5. "فتح الباري" لابن حجر (5/ 296).
  6. "شرح صحيح البخاري" لابن بطَّال (7/ 12، 13).
  7. "شرح النوويّ على مسلم" (2/ 23).
  8. "شرح النوويّ على مسلم" (2/ 23).
  9. "شرح النوويّ على مسلم" (2/ 23).
  10. "شرح النوويّ على مسلم" (2/ 23).
  11. "شرح النوويّ على مسلم" (2/ 23).
  12. "شرح النوويّ على مسلم" (2/ 23).
الفوائد التربوية

32. في هذا الحديث ضرب الْمَثَل دليلٌ على أنه ينبغي لمعلِّم الناس أن يضرب لهم الأمثال؛ ليقرِّب لهم المعقول بصورة المحسوس

قال تعالى:

{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}

[العنكبوت: 43]

وكم من إنسان تشرح له المعنى شرحًا كثيرًا وتردِّده عليه فلا يفهم، فإذا ضربتَ له مثلًا بشيء محسوس يَفهَمه.

33. ضَربُ الأمثال من الأساليب الفاعلة في الدعوة إلى الله، وتعليم العلم، ومِن ثَمَّ ينبغي للمعلِّم والمربِّي أن يقرِّب المعانيَ المعقولةَ لأذهان الناس بضرب الأمثال المحسوسة القريبة إلى أفهامهم[1].

34. على الدعاة التصدِّي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر، والأخذ على يد الظالم، وإلا عمَّ العقابُ المحسنَ والمسيءَ.

المراجع

  1. انظر: "شرح رياض الصالحين" لابن عُثيمين (2/ 433).
الفوائد اللغوية

35. الحديث قائم على بلاغة التشبيه التمثيليِّ، وهو تشبيه صورة مركَّبة بصورة مركَّبة، ووجه الشَّبَه فيه صورة مركَّبة مُنتزَعة من أشياءَ متعدِّدة. فيمثِّلُ ﷺ صورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بجماعة من الناس ركِبوا سفينةً فاتَّخذ كلُّ واحدٍ منهم نصيبًا من السَّفينة بالـقُرْعة، فنزَل بعضُهم في أعلى السفينة، وبعضُهم في أسفلها، فإذا أرادت الطائفةُ بالأسفل الـماءَ لأمور المعيشة، مرُّوا على مَن فوقهم مِن سُكان السفينة بالصُّعود إليهم، فرأَوْا في ذلك مَشقَّةً على أنفُسهم، وضررًا وأذًى يَلـحَق مَن فوقَهم، وقد همُّوا بخرْق السفينة لاعتقادهم أن في ذلك راحة لهم ولمن في أعلى السَّفينة. فإنْ يترُكهم الذين في أعْلى السفينة يَفعلون ما يشاؤون من الخَرْقِ، هلَكوا جميعًا، وإنْ منَعوهم مِن الخَرْق نجَوْا جميعًا.

36. «فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا»: إن شرطية، ويتركوهم فعل الشرط، وَالْوَاو بِمَعْنى (مَعَ)، و(مَا) مَصْدَرِيَّة؛ أي: مع إرادتهم، أو موصولة؛ أي: مع الذي أرادوه. «هَلَكُوا»: جَوَاب الشَّرْط، جميعًا: حال.

مشاريع الأحاديث الكلية