عن شَدَّادِ بْن أَوْسٍ: عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي؛ فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ " قَالَ: «وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ».

هدايات الحديث

1. «سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك» فتُقِرَّ لله عزَّ وجلَّ بلسانك وبقلبك أن الله هو ربُّك المالك لك، المدبِّر لأمرك، المعتني بحالك، وأنت عبده كَوْنًا وشَرْعًا، عبدُه كونًا يفعل بك ما يشاء، إن شاء أَمرَضك، وإن شاء أصحَّكَ، وإن شاء أغناك، وإن شاء أفقرك، وإن شاء أضلَّكَ، وإن شاء هداك، حسبما تقتضيه حكمته عزَّ وجلَّ، وكذلك أنت عبده شرعًا تتعبَّد له بما أَمَر، تقوم بأوامره، وتنتهي عن نواهيه[1].

2. احرص على حفظ دعاء سيد الاستغفار، وحافظ عليه صباحًا ومساءً، فإنك إن متَّ من يومكَ، فأنت من أهل الجنة، وإن متَّ من ليلتكَ، فأنت من أهل الجنَّة.

3. إنّ المذنِب بمنزلة من رَكِب طريقًا تؤدِّيه إلى هلاكه، ولا توصِّله إلى المقصود، فهو مأمور أن يولِّيَها ظهره، ويرجع إلى الطّريق الّتي فيها نجاته، والتي توصله إلى مقصوده، وفيها فلاحُه[2].

4. إن العبد إذا اعترف بذنبه وتاب، تاب الله عليه.

5. أفضل الاستغفار أن يبدأ العبد بالثناء على ربه، ثم يُثَنِّي بالاعتراف بالنِّعَم، ثم يُقرُّ لربِّه بذنبه وتقصيره، ثم يسأل بعد ذلك ربَّه المغفرة.

6. من أسباب إجابة الدعاء: الاعتراف بالذنب والاستغفار منه، والاعتراف بالنعمة، وشكر اللَّه عليها.

7. من أراد الله به خيرًا، فتح له باب الذُّلِّ والانكسار، ودَوَام اللجوء إلى الله تعالى، والافتقار إليه، ورؤية عيوب نفسه، وجهلها، وعُدْوانها، ومشاهدة فضل ربِّه، وإحسانه، ورحمته، وجُوده، وبِرِّه، وغناه، وحمده[3]. 

8. قال الفُضَيل بن عياضٍ: "بقدرِ ما يصغُرُ الذنبُ عندك، يَعظُمُ عند الله، وبقدر ما يَعظُمُ عندك، يَصغُرُ عند الله"[4].

9. قال عبدالله بن مسعودٍ: "إن المؤمنَ يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبلٍ يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجرَ يرى ذنوبه كذُبابٍ مرَّ على أنفه، فقال به هكذا"[5].

10. قال عبدالله بن عباسٍ – رضي الله عنهما -: "يا صاحبَ الذَّنْب، لا تأمنَنَّ مِن سوء عاقبته، ولَمَا يَتبَع الذنبَ أعظمُ من الذنب إذا علمتَه؛ فإن قلَّة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال، وأنت على الذنب، أعظمُ مِن الذنب الذي عملتَه، وضَحِكُكَ وأنت لا تدري ما اللهُ صانع بك أعظمُ من الذنب، وفرحُكَ بالذنب إذا ظفِرْتَ به أعظمُ من الذنب، وحُزْنُكَ على الذنب إذا فاتك أعظمُ من الذنب إذا ظفِرْتَ به، وخوفُك من الريح إذا حرَّكَتْ سِتْرَ بابك وأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك مِن نظر الله إليك أعظمُ مِن الذنب إذا عملتَه"[6].

11. من تمام توفيق الله للعبد محاسبته لنفسه على الدوام.

12. يا ربِّ إنْ عَظُمَتْ ذُنُوبِي كَثْرَةً = فلقد عَلِمْتُ بِأَنَّ عفوَكَ أَعْظَمُ

إِنْ كَانَ لاَ يَرْجُوكَ إِلَّا مُحْسِنٌ = فَمَن الذي يَدْعُو ويَرْجُو المجرِمُ؟!

أَدْعُوكَ رَبِّ كما أمرتَ تَضَرُّعًا = فَإِذَا رَدَدْتَ يَدِي فمن ذا يَرْحَمُ؟!

مَا لِي إِلَيْكَ وَسِيلَةٌ إِلَّا الرَّجَا = وَجَمِيلُ عَفْوِكَ ثُمَّ إِنِّي مُسْلِمُ

13. أستغفرُ الله من ذنبي ومن سَرَفي = إني، وإن كنتُ مستورًا لَخَطَّاءُ

لم تقتحم بي دواعي النفسِ معصيةً = إلَّا وبيني وبين النور ظَلْمَاءُ

14. يَا لَيْتَ شِعْرِي، كَيْفَ أَيَّامِي مَضَتْ = فِي خِفَّةٍ وَبِحِمْلِهَا هِيَ تُفْجَعُ؟!

قَدْ أُثْقِلَتْ بِذُنُوبِ عَبْدٍ لَوْ بَدَتْ = لِلْخَلْقِ أَزْكَمَتِ الْأُنُوفَ وَتَبْشَعُ

يَا رَبِّ عَبْدُكَ مُوحِلٌ بِذُنُوبِهِ = يَرْجُو النَّجَاةَ وَسَتْرَ ذَنْبٍ يَفْظُعُ

صَارَ الطَّرِيحَ بِبَابِ عَفْوِكَ دَاعِيًا = وَيَقِينُهُ أَنَّ الرَّحِيمَ سَيَسْمَعُ

فَاغْفِرْ لَهُ مَا قَدْ عَلِمْتَ وَعَافِهِ = وَارْزُقْهُ قَلْبًا ذَاكِرًا لا يَهْجَعُ

15. تَضَرُّعِي وَابْتِهَالِي = بِدَمْعِ عَاصٍ جَفَاكَ

وَصِرْتُ أَدْعُو وَأَرْجُو = مُؤَمِّلاً رُحْمَاكَ

فَارْحَمْ ضَعِيفًا مُقِرًّا = بِذَنْبِهِ قَدْ أَتَاكَ

تَبَتُّلِي وَصَلاتِي = أَدْعُو وَأَرْجُو رِضَاكَ

فَاغْفِرْ ذُنُوبِي وَهَبْنِي = فِي كُلِّ أَمْرِي هُدَاكَ

16. إلهي لا تعذِّبني فإني = مُقِرٌّ بالذي قد كان منِّي

وما لي حيلةٌ إلَّا رجائي = لعفوِكَ إن عفوتَ وحُسْنُ ظنِّي

فكم من زلَّةٍ لي في البرايا = وأنتَ عليَّ ذو فضل ومَنِّ

17. يا راكِبَ الغَيّ غيرَ مُرْتَشِدِ = شتَّانَ بينَ الضَّلالِ والرَّشَدِ

حَسْبُكَ ما قَدْ أتَيْتَ مُعْتَمِدًا = فاستغفرِ اللهَ ثمَّ لاَ تَعُدِ

18. واسْتَفْرِغ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنٍ قَدِ امْتَلأتْ = مِنَ الْمَحارِمِ وَالْزَمْ حِمْيَةَ النَّدَمِ

وخالفِ النفسَّ والشيطانَ واعْصِهِمَا = وإنْ هُما مَحَّضَاكَ النُّصْحَ فاتَّهِمِ

وَلا تُطِعْ منهما خَصْمًا وَلا حَكَمًا = فأنْتَ تَعْرِفُ كَيْدَ الخَصْمِ والحَكَمِ

أسْتَغْفِرُ الله مِنْ قَوْلٍ بِلاَ عَمَلٍ = لقد نَسَبْتُ به نَسْلاً لذي عُقُمِ

19. وَلَمَّا قَسا قَلبي وَضاقَت مَذاهِبي = جَعَلتُ الرَّجا مِنّي لِعَفْوِكَ سُلَّمَا

تَعاظَمَني ذَنبي فَلَمَّا قَرَنْتُهُ = بِعَفْوِكَ رَبِّي كانَ عَفْوُكَ أَعظَما

فَما زِلْتَ ذا عَفْوٍ عَنِ الذَنبِ لَم تَزَلْ = تَجُودُ وَتَعْفُو مِنَّةً وَتَكَرُّما

المراجع

  1. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (6/ 717).
  2. "مدارج السالكين" لابن القيم (1/ 315).
  3. "الوابل الصيب من الكلم الطيب" لابن القيم (ص: 7).
  4. "سير أعلام النبلاء" للذهبيِّ (8/ 427).
  5. رواه البخاريُّ (6308).
  6. "حلية الأولياء" لأبي نُعيم الأصبهانيِّ (1/ 324).


مشاريع الأحاديث الكلية