47 - من خِصال الفِطرةِ وآدابِ الخَلاء

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ :«عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِقَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ». قَالَ مُصْعَبٌ: وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ

فوائد الحديث

الفوائد العلمية

1- يهتمُّ الإسلام بكلِّ شؤون الإنسان الظاهرة والباطنة، ومنها: الطهارةُ والنظافة والجمال، وما تقتضيه الفطرة، حتى إنه جعل الطُّهور شطرَ الإيمان؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ»[1]

2- في الحديث يُرشِد النبيُّ ﷺ المسلم إلى خصال الفطرة التي فَطَر الله عليها العباد وشَرَعها لهم، وجعل استحسانها مفطورًا في العقول، والمراد بالفِطَر في الحديث الفِطَر السليمة؛ لأن الفِطَر المنحرِفة لا عبرة بها.

3- يتعلَّق بخصال الفطرة أمور دينيّة ودنيويّة؛ مثل تحسين الهيئة، وتنظيف البَدَن، والطّهارة، وحسن مخالطة النّاس بكفِّ ما يُتأذَّى بريحه عنهم، ونحو ذلك.

4- خصال الفطرة ليست منحصرةً في عشْر؛ فقد ثبت في أحاديثَ أخرى زيادةٌ على ذلك، فدلَّ على أن الحصر فيها غير مُراد، واختُلف في النُّكتة في الإتيان بهذه الصّيغة، فقيل برفع الدَّلالة، وأنّ مفهوم العدد ليس بحُجَّة، وقيل: بل كان أُعلِم أوّلًا بالخمس، ثمّ أُعلِم بالزّيادة، وقيل: بل الاختلاف في ذلك بحسَبِ المقام، فذَكَر في كلِّ موضع اللّائقَ بالمخاطَبين[2]

5- ذَكَر ابن العربيِّ أنّ خصال الفِطرة تبلغ ثلاثين خَصْلةً، فإذا أراد خصوص ما ورد بلفظ الفِطرة، فليس كذلك، وإن أراد أعمَّ من ذلك، فلا تنحصر في الثّلاثين؛ بل تزيد كثيرًا، وأقلُّ ما ورد في خصال الفطرة حديث ابن عمر، فإنّه لم يذكر فيه إلّا ثلاثًا[3]

6- اختُلف في المراد بالفطرة في الحديث، فذَهَب أكثر العلماء إلى أنّها السُّنَّة، وقيل: معناه أنّها من سُنن الأنبياء، وقيل: هي الدِّين.

7- معظم هذه الخصال ليست بواجبة عند العلماء، وفي بعضها خلافٌ في وجوبه؛ كالختان والمضمضة والاستنشاق، ولا يَمتنِع قَرْنُ الواجب بغيره.

8- قال النَّبِيُّ : «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ»[4]

المراجع

  1. رواه مسلم (223).
  2.  "فتح الباري" لابن حجر (10/ 337).
  3.  "فتح الباري" لابن حجر (10/ 337).
  4.  رواه البخاريُّ (27).

الفوائد الفقهية

9- قوله ﷺ: «قَصُّ الشَّارِبِ»: ذهب كثير من السَّلَف إلى استئصال الشارب وحَلْقه، وذهب كثير منهم إلى منع الحلق والاستئصال، وقاله مالك، وكان يرى حَلْقَه مُثْلَةً، ويَأمُر بأَدَب فاعله، وكان يكره أن يؤخذ من أعلاه، ويذهب هؤلاء إلى أنّ الإحفاء والجزَّ والقصَّ بمعنًى واحد، وهو الأخذ منه حتّى يبدوَ طرَف الشَّفَة، وذهب بعض العلماء إلى التّخيير بين الأمرين... والمختار في الشّارب ترك الاستئصال، والاقتصار على ما يبدو به طرف الشَّفة[1]

10- قص الشارب سُنَّة، ويُستحبُّ أن يبدأ بالجانب الأيمن، وهو مخيَّر بين القصِّ بنفسه، وبين أن يُوَلِّيَ ذلك غيره؛ لحصول المقصود من غير هَتْك مروءة ولا حُرمة، بخلاف الإبط والعانة[2]

11- قوله ﷺ: «وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ»: جاءت أحاديثُ كثيرةٌ عن رسول الله بالأمر بإعفائها بألفاظ متعددة، فحصل خمسُ روايات، هي: (أَعْفُوا، وأَوْفوا، وأَرْخوا، وأَرْجوا، ووفِّروا)، ومعناها كلِّها تَرْكُها على حالها، هذا هو الظّاهر من الحديث الّذي تقتضيه ألفاظه[3]

12- قال ﷺ: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ»[4]

13- يُشرَع السواك حتى في الصيام، وَيُذْكَرُ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ مَا لاَ أُحْصِي أَوْ أَعُدُّ»[5]

14- قوله ﷺ: «وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ»: والاستنشاق يكون في الوضوء، ويكون في غير الوضوء عند الحاجة لتنظيف الأنف من الأذى والقذر.

15- قوله ﷺ: «وَقَصُّ الْأَظْفَارِ»: "وهو سُنَّة، ليس بواجب، ويُستحبُّ أن يبدأ باليدين قبل الرِّجلين[6]

16- قوله ﷺ: «وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ»: وهو سُنَّة مستقلَّة ليست مختصَّةً بالوضوء، ويَلحَق بالبراجم ما يجتمع من الوَسَخ في معاطف الأُذُن، وهو الصِّمَاخ، فيُزيله بالمسح؛ لأنّه ربّما أضرَّت كَثْرَته بالسَّمع، وكذلك ما يجتمع في داخل الأنف، وكذلك جميع الوَسَخ المجتمع على أيِّ موضعٍ كان من البَدَن بالعَرَق والغُبار ونحوهما[7]

17- قوله ﷺ: «وَنَتْفُ الْإِبِطِ»: ويتأدّى أصل السُّنَّة بإزالته بأيّ وسيلة كانت؛ كالحلق وغيره، ولا سيَّما من يؤلمه النّتف؛ لأن الغرض إزالتها وتنظيف المحلِّ، وقد حصل.

18- نتف الإبط سُنَّة بالاتِّفاق، والأفضلُ فيه النَّتف لمن قَوِيَ عليه، ويُستحبُّ أن يبدأ بالإبط الأيمن[8]

19-قوله ﷺ: «وَحَلْقُ الْعَانَةِ»: ويسمَّى استحدادًا لاستعمال الحديدة، وهي الموسى، "والعانة هي الشَّعر الخَشِن الذي يَنبُت حول القُبل، وهو من علامات البلوغ، فمن الفِطرة أن يَحلِق الإنسان هذا الشعر؛ لأنه إذا طال، فربما يتلوَّث بالنجاسة من أسفلَ، أو من القُبل، ويَحصُل في ذلك وَسَخ وقَذر، ولأنه مُضِرٌّ"[9]

20- حلق العانة سنَّة، والمراد به نظافة ذلك الموضع، والأفضل فيه الحَلْق، ويجوز بالقصِّ والنَّتف وغير ذلك، والمراد بالعانة الشَّعر الّذي فوق ذَكَر الرَّجُل وحَوَالَيْه، وكذاك الشَّعر الّذي حَوَالَيْ فرجِ المرأة، ونُقل عن أبي العبَّاس بنِ سُرَيْجٍ أنّه الشَّعر النّابت حول حَلْقة الدُّبُر، فيَحصُل من مجموع هذا استحباب حَلْق جميع ما على القُبُل والدُّبُر وحولَهما[10]

21- قوله ﷺ: «وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ»: هو التّطهّر بالماء بعد قضاء الحاجة، كما فسَّره وكيع في آخر الحديث بأنّه الاستنجاء، أو هو رشُّ الماء على الفرج بعد الوضوء لينفيَ عنه الوسواس[11]

22- قَالَ مُصْعَبٌ: (وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ)، وهذا شكٌّ منه، ولعلَّها الختان المذكور مع الخمس، وهو أَوْلى"[12]؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النبيِّ قال: «الفِطْرَةُ خَمْسٌ، أَوْ خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ: الخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ»[13]

23- الختان (ويسمَّى عند الناس الطهارة)، وهو للرجال والنساء، أما الرجال فختانهم واجب، بأن يُقطَع جميع الجِلدة الّتي تغطِّي الحَشَفة حتّى ينكشف جميع الحَشَفة، وأما النساء فختانهن سنَّة وليس بواجب، بقطع أدنى جزء من الجلدة الّتي في أعلى الفَرْج[14]

24- يكون الختان من اليوم السابع فما بعدَه، وكلَّما كان في الصِّغَر، فهو أفضلُ[15]

25- وقت الحلق والقص للشعر والأظفار في (حلق العانة، وقصِّ الشّارب، ونَتْف الإبِط، وتقليم الأظفار)، المختار أنّه يُضبَط بالحاجة وطُولِه، فإذا طال، حُلِق، وأمّا حديث أنس بن مالك قال: «وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفِ الْإِبِطِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ، أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»[16]، "فمعناه: لا يُترَك تركًا يتجاوز به أربعين، لا أنّهم وُقِّت لهم التّرك أربعين[17]

المراجع

  1.  "شرح النوويِّ على مسلم" (3/ 150، 151).
  2.  "شرح النوويِّ على مسلم" (3/ 149).
  3.  "شرح النوويِّ على مسلم" (3/ 150، 151).
  4.  رواه البخاريُّ (27).
  5.  رواه البخاريُّ (27).
  6.  "شرح النوويِّ على مسلم" (3/ 149).
  7.  "شرح النوويِّ على مسلم" (3/ 150).
  8.  "شرح النوويِّ على مسلم" (3/ 149).
  9.  "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (5/ 229، 230).
  10.  "شرح النوويِّ على مسلم" (3/ 148، 149).
  11.  "شرح النوويِّ على مسلم" (3/ 150).
  12.  "شرح النوويِّ على مسلم" (3/ 150).
  13. رواه البخاريُّ (5889)، ومسلم (257).
  14.  "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (5/ 229).
  15.  "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (5/ 229).
  16.  رواه مسلم (258).
  17.  "شرح النوويِّ على مسلم" (3/ 148، 149).

الفوائد اللغوية

26- (من) في قوله ﷺ: «من الفطرة» للتبعيض، فدلَّ على أنها لا تنحصر في هذه العشر.

27- البَرَاجم: جمعُ (بُرْجُمة)، وهي عُقَدُ الأصابع ومَفاصِلها كلِّها.

28- الإبِط بكسر الهمزة والباء، وسكونها (الإبْط)، وهو المشهور، وهو يذكَّر ويؤنَّث.

29- جمع اللِّحْية: لِحًى ولُحًى بكسر اللّام وبضمِّها، لغتان، الكسرُ أفصحُ[1]

 

المراجع

  1. "شرح النوويِّ على مسلم" (3/ 150، 151).

مشاريع الأحاديث الكلية