عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:«الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ: بِضْعٌ وَسِتُّونَ - شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ» متفق عليه

فوائد الحديث

الفوائد العلمية
  1. إذا جاء في النصوص الشرعية ذكرُ لفظةِ "الْإِيمَانِ" دون لفظة "الإسْلامِ" - كما في هذا الحديث – أو جاء ذكر لفظة "الإسلام" دون لفظة "الإيمان"، فإن المذكورَ منهما يَعُمُّ جميع الدين من الأعمال الظاهرة والباطنة. وعلى ذلك؛ فلفظة "الإيمان" في هذا الحديث تشمل معنى الإسلام، فيُقَالُ هنا: إن الإيمان اسمٌ لجميع الطاعات الباطنةِ والظاهرة، فَيُفَسَّر الإيمان هنا بما يفَسَّر به الإسلام لو جاء مُفْرَدًا.

  2. إذا قُرن لفظ "الإيمان" بـ"الإسلام" في النصوص الشرعية، فإن الإيمان في القلب، وَالْإِسْلَامَ ظَاهِرٌ؛ كما في حديث جبريل، وما ورد في "الْمُسْنَدِ" عن النَّبِيِّ ﷺ أنه قال: «الْإِسْلَامُ عَلَانِيَةٌ، وَالْإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ»[1].

  3. في الحديث إشارة إلى أنَّ شُعب الإيمان وخصاله متفاوتة في الفضل والْمَكانة، ليست على درجة واحدة.

  4. ليس المقصود من الحديث الاهتمام بحصر أعداد شعب الإيمان؛ فإن كلَّ شُعب الإيمان مفصَّلة مُبيَّنة في جملة الشريعة، فما أُمِرنا بالعمل به عَمِلناه، وما نُهينا عنه انتهَيْنا عنه. 

  5. في الحديث دليل على أن شُعب الإيمان تدخل فيها أعمال القلوب والجوارح واللسان، فيكتمل إيمان من يستوفي هذه الشُّعب.

  6. أفضل شُعب الإيمان وأعلاها: التوحيدُ، وهو "قول: لا إله إلا اللهُ"، القول المواطئ للقلب، بإخلاص وصِدق ويقين، فيطمئنُّ القلب بها، وتَأنَس النفس إليها، فلا يصحُّ شيءٌ من هذه الشُّعب إلا بها.

  7. في الحديث ذِكْر عدد شُعب الإيمان دونَ بيان الشُّعب وتفصيلاتها؛ مما يدفع السامعَ إلى تفقُّد الآيات والأحاديث التي ورَدَ فيها ذِكْر الإيمان؛ مما يُفيد في طلب العلم.

  8. في الحديث أن أدنى الشعب إِمَاطَةُ الأَذَى عن الطَّرِيقِ، وهو عمل يسير؛ لكن نفعه متعدٍّ، حيث يصير المؤمن إيجابيًّا يُزيل الأذى عن الناس في طرقهم، كما يزيله من قلوبهم ونفوسهم وعقولهم، وهذا يدلُّ على عظمة هذا الدين الذي جعل إيمان المرء يزداد برفع الأذى من طريق الناس، ويَنقُص بالتفريط فيه.

  9. في الحديث النصُّ على الحياء؛ تأكيدًا على فضله وقَدْره؛ فهو رأس الفضائل والشِّيم والأخلاق، وعماد شُعب الإيمان، وبه يتمُّ الدِّين، وهو دليل الإيمان، ورائد الإنسان إلى الخير والهدى.

  10. اكتفى النبيُّ ﷺ هنا ببيان أفضل الإيمان وأدناه؛ لبيان أن ما دونَ التوحيد وفوقَ إماطة الأذى من أعمال الإسلام داخلٌ في مسمَّى الإيمان.

  11. عطفُ الخاصِّ على العامِّ يوحي بأهمية الخاصِّ، والتأكيد عليه، فبعدَ أن ذكَر النبيُّ ﷺ أفضلَ الإيمان وأدناه، أردَفَ ببيان أن الحياء من الإيمان؛ للتأكيد على فضله، وإلا فهو داخلٌ قطعًا في الإيمان؛ فهو أفضلُ من إماطة الأذى.

  12. الحياء من الله تعالى: هو ألا يراكَ حيث نهاك، ولا يَفقِدُك حيث أمرَكَ، وذلك لا يكون إلا عن معرفة بالله تعالى كاملة، ومُراقبة له حاصلة.

  13. لَوْلَا الحياءُ، لم يُقْرَ الضَّيْف، وَلم يُوفَ بالوعد، وَلم يؤدَّ أمانة، وَلم يقْض لأحَدٍ حَاجَة، وَلَا تحرَّى الرجل الْجَمِيل، فآثره، والقبيح، فتجنَّبه، وَلَا ستر لَهُ عَورَة، وَلَا امْتنع من فَاحِشَة، وَكثير من النَّاس لَوْلَا الْحيَاءُ الَّذِي فِيهِ، لم يؤدِّ شَيْئًا من الأمور المفترضة عَلَيْهِ، وَلم يَرْعَ لمخلوق حَقًّا، وَلم يصل لَهُ رحمًا، وَلَا برَّ لَهُ والدًا؛ فَإِن الْبَاعِث على هَذِه الأفعال، إِمَّا دينيٌّ، وَهُوَ رَجَاء عَاقبَتهَا الحميدة، وَإِمَّا دُنْيَوِيٌّ عُلويٌّ، وَهُوَ حَيَاء فاعلها من الْخَلق، قد تبيَّن أنه لَوْلَا الْحيَاءُ إِمَّا من الْخَالِق اَوْ من الْخَلَائق لم يَفْعَلهَا صَاحبها[2].

المراجع

  1. أخرجه أحمد (12404)، وأبو يعلى (2923)، وابن أبى شيبة (30319)؛ قال الهيثميُّ (1/52): رواه أحمد، وأبو يعلى، والبزار، ورجاله رجال الصحيح ما خلا عليَّ بنَ مسعدة، وقد وثَّقه ابن حبَّانَ وأبو داود الطيالسيُّ وأبو حاتم وابن معين، وضعَّفه آخرون.
  2. "مفتاح دار السعادة" لابن القيم (1/ 277).
الفوائد العقدية

14.  أَجْمَعَ السَّلَفُ على أن الإيمانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يَزِيدُ وينقُص، ومعنى ذلك: أنه قولُ القلب، وَعَمَلُ القلب، ثم قولُ اللسان، وعَمَلُ الجوارح، وخالف الْمُرْجِئةُ أهلَ السنَّة والجماعة وقالوا: إن الأعمال ليست من مسمَّى الإيمان، والصوابُ أن الأعمال من الإيمان؛ كما ذكر هنا في شعب الإيمان: الحياء - وهو من أعمال القلب -  وإماطة الأذى عن الطريق - وهي من أعمال البدن - وثبت في الأدلَّة أن بعض الأعمال تَرْكُها كفرٌ؛ كالصلاة، وبعضها ليس كذلك، وأن بعض الأعمال فِعْلُها كفر؛ كالاستهزاء بالله تعالى، أو آياته، أو رسوله ﷺ. 

الفوائد الحديثية

15. ختلف العلماء والمحدِّثون في قوله: «بِضْع وسبعون أو بِضْع وستون»، فذهب بعضهم إلى ترجيح البِضْع والسبعين، وأنها زيادة ثقة، ولأن سائرَ الرواة أثبتوها بلا شك، منهم النوويُّ والقاضي عياض، وذهب ابن الصلاح إلى ترجيح أنها بِضْع وستُّون؛ لأنها اليقين، والزيادة عليها شكٌّ، ولأنها أقوى في النَّظَر الإسناديِّ؛ حيث رواها الثقات في بعض الروايات بغير شكٍّ، على أنه من الممكِن أن يكون النبيُّ  قالهما، فذكَر البِضع والستين، ثم لما زادت شُعَب الإيمان بعدها، ذكَر البِضع والسبعين[1].

16. روى عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أكثر من ثمانمائةٍ راوٍ، ما بين صحابيٍّ وتابعيٍّ، وله خمسةُ آلافِ حديث وثلاثُمِائةٍ وأربعةٌ وسبعونَ حديثًا، اتَّفَق البخاريُّ ومسلم منها على ثَلاثمِائة حديثٍ، وانفرد البخاريُّ بثلاثةٍ وسبعين حديثًا [2].

المراجع

  1. انظر: "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (1/ 272)، "شرح النوويِّ على مسلم" (2/ 3)، "الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاريِّ " للكرماني (1/ 82).
  2. "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" لابن علان (1/ 72).
الفوائد اللغوية

17. بِضْعٌ: هو ما بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى التِّسْعِ، وتأخذ حكمها في مخالفة المعدود في التذكير والتأنيث؛ تَقُولُ: بِضْعُ سِنِينَ، وبضعة أعوام.

مشاريع الأحاديث الكلية