سبحان الله! كم بَكَت في تنعُّم الظالم عَيْنُ أرملة، واحترقت كَبِدُ يتيم، وجَرَت دمعة مِسكين!
كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ
ما ابيضَّ لون رغيفهم حتى اسودَّ لَوْنُ ضعيفهم، وما سمنت أجسامهم حتى انتحلت أجسام من استأثروا عليه[1]
لا تحتقر دعاء المظلوم؛ فشَرَرُ قلبه محمول بعَجِيج صوته إلى سقف بيتك، ويحكَ! نِبَالُ أدعيته مُصيبة، وإن تأخَّر الوقت، قوسُه قلبُه المقروح، ووَتَرُه سَواد الليل، ومرماته هدف «لأنصرنَّكِ ولو بعد حين»، وقد رأيتَ ولكنْ لستَ تَعتبِر![2]
احذَرْ عَدَاوةَ من ينام وطَرْفُه باكٍ، يقلِّب وجهه في السماء، يرمي سهامًا ما لها غَرَضٌ سوى الأحشاء منك، فربَّما ولعلَّها إذا كانت راحةُ اللذَّة تُثمر ثمرة العقوبة لم يَحسُن تناولها، ما تساوي لذَّةُ سنةٍ غمَّ ساعة، فكيف والأمرُ بالعكس؟![3]
كم في بحر الغُرور من تمساح! فاحذر يا غائصُ، ستعلم أيُّها الغريمُ قِصَّتك عند تعلُّق الغُرماء بك[4]
من لم يتتبَّع بمِنقاش العدل شَوْكَ الظُّلم من أيدي التصرُّف، أثَّر ما لا يؤمَن تعدِّيه إلى القلب[5]
سيعلم الظالمون حقَّ من انتقصوا، إنَّ الظالم لَينتظرُ العقاب، والمظلوم ينتظر النصر والثواب[6]
«وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ»
الظُّلمُ ظُلماتٌ يومَ الـقيامة، فعلى العبد أن يجتنبه، وألَّا يتلبَّس به أبدًا.
تتَجلَّى محاسنُ الشريعة الإسلاميَّة في أبهى صورها في أمر الله تعالى بالـعدْل حتى مع الطَّائفة التي نختلِف معها اختلافًا يؤدِّي إلى أشدِّ الـبُغض والـكراهية، يفرِض علينا الـقرآنُ الـكريمُ ألَّا يَحمِلنا بُغضُنا لبعض الناس على عدم الـعدل معهم وإعطائهم حقوقَهم؛
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۗ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾
الإسلام قائم على العدل بين الناس، وإرجاع الحقوق لأصحابها.
حقوق العباد شأنها عظيم فاحذر؛ فإن الله يقتصُّ للمظلومين لا محالة.
عن جابر رضي الله عنه أنَّ رسول الله ﷺ قال:
«اتَّقوا الظلم؛ فإنَّ الظلم ظلمات يوم القيامة»
إذا كنتُ لا أعفو عن الذنبِ مِن أخٍ = وقلتُ: أُكافِيهِ، فأينَ التفاضلُ؟!
فإن أَقطعِ الإخوانَ في كلِّ عُسْرةٍ = بَقِيتُ وحيدًا ليس لي من أُواصلُ
ولكنني أُغضي جُفوني على القَذَى = وأصفحُ عمَّا رابَني وأُجامِلُ
14. الظلمُ نارٌ فلا تحقرْ صغيرتَه = لعلَّ جذوةَ نارٍ أحرقتْ بلدا
15. يا أيُّها الظَّالمُ في فعلِه = فالظُّلمُ مردودٌ على من ظلمْ
إلى متى أنت وحتَّى متى = تَسْلُو الْمُصيباتِ وتنسى النِّقَمْ
16. تَوَقَّ دُعَا الْمَظلومِ إنَّ دعاءَه = ليُرفعُ فوقَ السُّحْبِ ثُمَّ يُجابُ
تَوَقَّ دُعَا مَن لَيْسَ بَيْنَ دُعائِه =وبَيْنَ إلهِ العالمين حِجَابُ
17. فكَذَا دُعا الْمُضْطَرِّ أَيْضًا صَاعِدٌ = أَبَدًا إليهِ عندَ كلِّ أَوَانِ
وكذا دُعا المظلومِ أيضًا صاعدٌ = حَقًّا إليه قاطِعُ الأكوانِ
18. إيَّاكَ مِن عَسْفِ الأنامِ وظُلمِهم = واحْذَرْ مِنَ الدَّعَوَاتِ في الأَسْحَارِ
19. أَدِّ الأمانةَ والخيانةَ فاجتنبْ = واعْدِلْ ولا تَظْلِمْ يَطِيبُ الْمَكْسَبُ
واحذَرْ مِن المظلومِ سَهْمًا صائبًا = واعْلَمْ بأنَّ دعاءَه لا يُحجَبُ
20. لا تَظْلِمَنَّ إذا ما كُنْتَ مُقْتَدِرًا = فالظُّلْمُ آخِرُه يَأْتِيكَ بالنَّدَمِ
نامَتْ عُيُونُكَ والمظلومُ مُنْتَبِهٌ = يَدْعو عَلَيْكَ وَعَيْنُ اللهِ لم تَنَمِ
21. ولا تعجلْ على أحدٍ بظلمٍ = فإنَّ الظلمَ مرتعُه وخيمُ
أمَا واللَّهِ إنَّ الظُّلمَ لُؤْمٌ = ولكنَّ المسيءَ هو الظَّلُومُ
إلى ديَّانِ يومِ الدِّينِ نمضي = وعندَ اللهِ تَجتَمِعُ الخُصومُ
22. وَفِي النَّاسِ مَن ظُلمُ الوَرَى عَادةٌ لهُ = وَيَنْشُرُ أَعَذارًا بها يَتَأوَّلُ
جَرِيءٌ على أَكْلِ الحرامِ ويدَّعِي = بأنَّ له في حِلِّ ذلك مَحْمَلُ
فَيَا آكِلَ الْمَالِ الحرامِ أَبِنْ لَنَا = بأيِّ كتابٍ حِلُّ مَا أَنْتَ تَأكُلُ؟
ألمْ تَدْرِ أَنَّ اللهَ يَدْرِي بما جَرَى = وبينَ البَرايَا في القِيامةِ يَفْصِلُ
المراجع
- بدائع الفوائد" لابن القيم (3/ 242)
- دائع الفوائد" لابن القيم (3/ 242).
- "بدائع الفوائد" لابن القيم (3/ 242).
- "بدائع الفوائد" لابن القيم (3/ 242).
- "بدائع الفوائد" لابن القيم (3/ 242).
- "الزواجر عن اقتراف الكبائر" لابن حجر الهَيتميِّ (2/124).
- رواه البخاريُّ (1496)، ومسلم (19).
- رواه مسلم (2578).