عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ، أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ، أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ».

فوائد الحديث

الفوائد العلمية


  1. في الحديث حثٌّ على المسارعة إلى أداء الحقوق، وردِّ المظالم إلى أهلها في الدنيا، حتى ولو كانت ببذل الأموال، فهي أَهْوَنُ من أخذ الحسَنات من الظالم، وحمل السيِّئات عليه يوم القيامة.

  2. في الحديث توجيه وإرشاد لمن تحمَّل مَظلِمة لأحد أن يسأَله أن يجعلَه في حِلٍّ، ويطلُب براءةَ ذمَّته، والعفوَ عنه، ومسامحته في الدنيا، أو ليؤدِّ إليه مَظلِمته قبل يوم القيامة.

  3. حذَّر الله تعالى من ظُلْم العباد، سواءٌ أكان هذا الظلم ظلمًا ماديًّا أم ظلمًا معنويًّا؛

    قال تعالى:

    إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

    [الشورى: 42].

  4. الظلم ظُلمات على صاحبه يوم القيامة؛

    عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:

    «الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ»

    [1]

  5. الظُّلم من أقبح المعاصي، وأشدِّها حُرمةً، شرُّه عظيم، وعاقبتُه وَخيمة، في الدنيا والآخرة.

  6. الظالم عقابه شديد؛

    قال تعالى:

    إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

    [إبراهيم: 22]،

    وقال تعالى:

    وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا

    [الفرقان: 19]

  7. توعَّد الله الظالمين بتعجيل العقوبة لهم في الدنيا؛

    فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:

    «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ»

    [2]

  8. التوبة من المظالم التي تتعلَّق بحقوق العباد لها شرط خاصٌّ بها غير شروط التوبة العامَّة، وهو التحلُّل من المظالم، وإرجاع الحقوق إلى أصحابها؛ فشروط التوبة هي: إخلاص النية لله تعالى، والإقلاع عن المعصية، والندم على ارتكابها، والعَزْمُ على عدم العودة إلى المعصية، وإرجاع الحقوق إلى أصحابها إذا كان الذنب متعلِّقًا بحقٍّ من حقوق العباد، وأن تكون في الوقت المخصَّص لقَبولها؛ أي: قبل طلوع الشمس من مغربها، وقبل لحظة الموت.

  9. الْمَظلِمة: اسمٌ لِمَا أُخِذ بغير حقٍّ، سواءٌ كانت هذه المظلمةُ في العِرْضِ؛ كغِيبةٍ، أو نميمة، أو سبٍّ وشتم، أو كانت في أكلِ مال، أو غصْب أرض بغير حقٍّ.

  10. في قوله: «مِنْ عِرْضِهِ أو شيء»: قدَّم العِرض لأن أكثر مظالم الناس في العِرض؛ كالغِيبة، والنَّمِيمة، والسبِّ والشتم، وهلمَّ جرًّا.

  11. اختلف العلماء فيمن كانت بينه وبين أحد معاملة ومُلابَسة، ثم حلَّل بعضهم بعضًا من كلِّ ما جرى بينهما من ذلك، هل يبيِّن الظالم للمظلوم قَدْرَ ظُلمه أو لا؟ وهل يُشترَط أن يَعرِف المظلوم مقدارَ الظُّلم الذي وقع عليه أو ماهيَّته؟ فقال قوم: إن ذلك براءة له في الدنيا والآخرة، وإن لم يبيِّن مقداره، وقال آخرون: إنما تصحُّ البراءة إذا بيَّن له، وعَرَف ما له عنده، أو قارب ذلك بما لا مُشاحَّة في مثله[3]

  12. في معنى هذا الحديث حديث المفلِس؛

    عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، قَالَ:

    «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ»

    [4]

  13. الظلم نوعانِ: أحدهما: ظُلم النفْس، وأَعظَمُه الشِّرك، ثم يَليه المعاصي على اختلاف أجناسها من كبائرَ وصغائر. والثاني: ظُلم العبد لغيره[5].

  14. مَدَارُ الظُّلم على النقص؛ كما

    قال الله تعالى:

    كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا

    [الكهف: 33].

    ويدور على أمرين: إما منع واجب للغير؛ كأن تمنع شخصًا من دَين عليك فلا توفِّيه، أو تماطل به، وإما تحميله ما لا يجب عليه؛ كأن تدَّعي عليه دَينًا وتأتي بشهادة زور فيُحكم لك به، فهذا ظلم[6].

المراجع

  1.  رواه البخاريُّ (2447)، ومسلم (2579).
  2.  رواه أبو داود (4902)، وابن ماجه (4211)، والترمذيُّ (2511)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
  3. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (6/ 577).
  4.  رواه مسلم (2581).
  5.  "جامع العلوم والحكم" لابن رجب الحنبليِّ (2/ 36)
  6.  "شرح الأربعين النووية" للعثيمين (ص: 245).
الفوائد العقدية

15. حرَّم الله الظُّلم على نفسه ابتداءً، ثم حرَّمه على العباد؛ 

  قال تعالى: 

    إنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ     

 [يونس: 44]

وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ،

فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا…

[1]

16. أعظمُ أنواع الظُّلم: الشركُ بالله؛

قال تعالى.

 إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ

[لقمان: 13]،

فهو تجاوزٌ للحدِّ مع الله تعالى، وهو أعظم الذنوب وأكبرُها؛

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ:

"أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ»

[2]

17.قوله: «بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ»: معرفة مقدار الطاعة والمعصية كَمِّيَّةً وَكَيْفِيَّةً مُفَوَّضٌ عِلْمُها إلى اللَّه سبحانه[3]

المراجع

  1.  رواه مسلم (2577).
  2.  رواه البخاريُّ (4477)، ومسلم (86).
  3. "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (8/ 3201).


الفوائد الفقهية

18. من كانت له مَظْلِمَةٌ عند الرجل، فحلَّلها له، هل يُبَيِّنُ مَظْلِمتَه؟ هناك خلافٌ في صِحَّةِ الإبراء من المجهول، بين صحَّة الإبراء من المجهول ومن الْمُجمَل، وبين اشتراط تعيين المظلمة وقدرها[1]

19. إن تعلَّق بالمعصية حقٌّ ماليٌّ؛ كمنع الزكاة، والغَصْبِ، والجنايات في أموال الناس، وَجَب مع ذلك تبرئة الذمَّة عنه، بأن يؤدِّيَ الزكاة، ويردَّ أموال الناس إن بَقِيَت، ويَغرَم بَدَلها إن لم تبقَ، أو يستحلَّ المستحقَّ، فيبرِّئه، ويجب أن يعلم المستحِقُّ إن لم يَعلَم به، وأن يوصِّله إليه إن كان غائبًا، إن كان غصبُه منه هناك، فإن مات، سلَّمه إلى وارثه، فإن لم يكن له وارث وانقطع خبرُه، دَفَعه إلى قاضٍ تُرضى سيرتُه وديانته، فإن تعذَّر، تصدَّق به على الفقراء بنِيَّة الغرامة له إن وَجَده[2]

المراجع

  1.  "فتح الباري" لابن حجر (5/ 101).
  2.  "روضة الطالبين وعمدة المفتين" للنوويِّ (11/ 246).



الفوائد الحديثية

20. روى عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أكثرُ من ثمانمائةٍ، ما بين صحابيٍّ وتابعيٍّ، وله خمسةُ آلافِ حديث وثلاثُمِائةٍ وأربعةٌ وسبعونَ حديثًا، اتَّفَق البخاريُّ ومسلم منها على ثَلاثمِائة حديث، وانفرد البخاريُّ بثلاثةٍ وسبعين حديثًا[1]

المراجع

  1. "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" لابن علان (1/ 72).


الفوائد اللغوية

21. قوله: «مظلِمة» بكسر اللَّام على المشهور، وحكى ابن قُتَيْبة وابن التِّين والجوهريُّ فتحها «مظلَمة»، وأنكره ابن الْقُوطِيَّة، وحكى الْقَزَّاز الضَّمَّ «مظلُمة»[1]

22. المظلمة: الظُّلم، وهي اسمٌ للمأخوذ. يُقال: عند فلان مَظلِمتي وظُلامتي؛ أي: حقِّي الذي أُخِذ منِّي ظُلمًا.

23. قَوْلُه: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ» اللَّامُ فِي قَوْلِهِ: (لَهُ)، بمعنى: (على)؛ أي: من كانت عليه مَظْلِمة لأخيه. «مِنْ عِرْضِهِ»: (من) للبيان، بيان الْمَظْلِمة.

24. قوله: «من عِرضه أو شيء»؛ أي: من الأشياء، وهو من عطف العامِّ على الخاصِّ، فيَدخُل فيه المال بأصنافه، والجِراحات، حتّى اللَّطْمةُ ونحوُها[2]

25. «فَليَتَحَلَّلْهُ»؛ أي: فليَطلُب الظّالم حِلَّ ما ذُكِر. «منه»؛ أي: من المظلوم. يُقال: تحلَّلتَه واستَحْلَلتَه، إذا سألتَه أن يجعلك في حِلٍّ[3].

26. «أُخِذَ»: بصيغة المجهول؛ أي: عَمَلُه الصالحُ، «منه»؛ أي: من صاحبه الظالم على غيره [4]

المراجع

  1.  "فتح الباري" لابن حجر (5/ 101).
  2.  "فتح الباري" لابن حجر (5/ 101).
  3.  "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (8/ 3201).
  4.  "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (8/ 3201).

مشاريع الأحاديث الكلية