غريب الحديث
ذَا الجَدِّ: أي: الغَنيَّ ذا الغِنى، والجَدُّ: الغِنى والحظُّ.
قِيلَ وَقَالَ: أَي: فضول مَا يتحدَّث بِهِ المتجالِسون، من قَوْلهم: قيل كَذَا، وَقَالَ فلَان كَذَا[1].
إِضَاعَة المَالِ: إنفاقه في غير وجهه المأذون فيه شرعًا[2].
وَأْد البَنَاتِ: هو أن تُدفَن الْبِنْتُ حَيَّةً كما كانوا يفعلون في الجاهلية[3].
مَنْعٍ وَهَاتِ؛ أي: مَنَع ما عليه إعطاؤه، وطَلَب ما ليس له[4].
المراجع
- "الفائق في غريب الحديث والأثر" للزمخشريِّ (3/ 231).
- "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجر (10/ 408).
- "تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم" للحميديِّ (ص: 422).
- النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (4/ 365).
المعنى الإجماليُّ للحديث
عَنْ وَرَّادٍ، كَاتِبِ المُغِيرَةِ، قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى المُغِيرَةِ رضي الله عنهما: اكْتُبْ إِلَيَّ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: [إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ]؛ أي: كان يقول عَقِب التسليم من كلِّ صلاة. «لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ»؛ أي: لا معبودَ بحقٍّ إلا اللهُ وحدَه، ولا شريكَ له في أفعاله وصفاته وعبادته. «لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»؛ أي: لله تعالى الْمُلْكُ المطلَق كلُّه في الدنيا والآخرة، وله الحمد كلُّه وجميع أصناف المحامد في الأولى والآخرة، وهو سبحانه القادرُ على فعل كلِّ شيء، إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له: كن، فيكون. «اللَّهُمَّ لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ»؛ أي: لا يستطيع أحدٌ أن يمنع عطاءً أو رزقًا أو قضاءً لأحد من خلقك، ولا يُعطي أحدًا أردتَ مَنعَه. «وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ»؛ أي: ولا ينفع صاحبَ الحظِّ حظُّه، ولا صاحبَ الغنى غِناه؛ إنما يَنفَعه العمل بطاعتك.
وَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّه: «كَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ المَالِ»؛ أي: كان ينهى عن الخَوْضِ في أحاديثِ الناس وحكاياتهم التي لا فائدة منها، وعن كثرةِ السؤال عمَّا لم يقع ولا تدعو إليه حاجة، وما لا يَعنِيه من أحوال الناس، وعن إضاعة المال في صَرفه في غير مصارفه الشرعية، أو صرفه على المعاصي والشهوات. «وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقُوقِ الأُمَّهَاتِ»؛ أي: وكانالشرح المفصَّل للحديث ينهى عن الإساءة إلى الأمَّهات، وعدم الإحسان إليهن، وإيذائهن؛ وذلك لعظم حقَّهن على الأبناء. «وَوَأْدِ البَنَاتِ»؛ أي: دفَنْهن أحياءً، وقد كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك كراهةً في إنجاب البنات. «وَمَنْعٍ وَهَاتِ»؛ أي: حرَّم عليكم منعَ ما عليكم إعطاؤه، وطَلَب ما ليس لكم أخذه.
الشرح المفصَّل للحديث
أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بعبادته
{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}
وشَرَع لهم عددًا من العبادات يتقرَّبون بها إليه، من بينها الصلاةُ
{ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}
فهي عمادُ الدين ورُكْنُه، وأوَّل ما يُحاسَب عليه العبد يوم القيامة، علَّمهم النبيُّ ﷺ كيفية أدائها، والقيام بحقوقها؛
عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ، قَالَ:
أَتَيْنَا النَّبِيَّ ﷺ، وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، فَظَنَّ أَنَّا اشْتَقْنَا أَهْلَنَا، وَسَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا فِي أَهْلِنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، وَكَانَ رَفِيقًا رَحِيمًا، فَقَالَ: «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ، وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ، فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ»
وفي الحديث الذي معنا، يُرسل معاويةُ بنُ أبي سفيانَ - رضي الله عنهما - إلى والِيه على الكوفة، المغيرةِ بنِ شُعبةَ أن أَرسِل إليَّ كتابًا بحديث سمعتَه من فمِ رسول الله ﷺ، فكتَب إليه المغيرةُ يعلِّمه بعضًا من الأذكار المسنونة التي تُقال بعد الصلوات الخمس، وفيه: أن رسول الله كان يقول عَقِب كلِّ صلاة: «لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ»؛ أي: لا معبودَ بحقٍّ إلا اللهُ وحدَه جلَّ في عُلاه، ولا شريكَ له في أفعاله وصفاته وعبادته، فـ"قوله: «لا شريك له»، تأكيدٌ لقوله: «وحدَه»؛ لأن المتَّصِف بالوحدانية لا شريكَ له"[2]. «لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»؛ أي: لله تعالى الْمُلْكُ المطلَق، وله جميع أصناف المحامد كلِّها في الأولى والآخرة، وحَمْدُ أهل السماء والأرض، فهو المستحِقُّ لها وحدَه، وهو سبحانه القادرُ على فعل كلِّ شيء، له القدرةُ الظاهرة والباطنة في السموات والأرض، «اللَّهُمَّ لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ»؛ أي: لا يستطيع أحدٌ أن يمنع عطاءً أو رزقًا أو قضاءً لأحد من خلقك، ولا يُعطي أحدًا أردتَ مَنعَه، وذلك نظيرُ حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أن رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الاقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ»[3]، فكلُّ عطاء أو منعٍ إنما يكون بإذن الله وأمره، «وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ»؛ أي: لا ينفع صاحبَ الحظِّ حظُّه، ولا صاحبَ الغنى غِناه، "والمعنى: لا ينفع ذا الغنى منك غِناه
{وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا}
{يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ}
فلا ينفع الإنسانَ إلا عملُه الصالح، وكتب المغيرةُ أيضًا إلى معاويةَ رضي الله عنهما أن النبيَّ ﷺ: «كَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ المَالِ»؛ أي: كان ينهى عن الخَوْضِ في أحاديثِ الناس وحكاياتهم التي لا فائدة منها، وكثرةِ السؤال عمَّا لم يقع ولا تدعو إليه حاجة، وما لا يَعنِيه من أحوال الناس، وصَرف المال في غير مصارفه الشرعية، والاستعانة به على المعاصي والشهوات، «وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقُوقِ الأُمَّهَاتِ»؛ أي: وكان ينهى عن الإساءة إلى الأمَّهات، وعدم الإحسان إليهن، وإيذائهن؛ وذلك لعظم حقَّهن على الأبناء، و"قيل: خصَّ الأمَّهاتِ بالذكر؛ لأن العقوق إليهن أسرعُ من الآباء؛ لضعف النساء، وليُنَبِّه على أن بِرَّ الأمِّ مقدَّم على بِرِّ الأب في التلطُّف والحُنوِّ، ونحوِ ذلك"[5]، «وَوَأْدِ البَنَاتِ»؛ أي: دفَنْهن أحياءً، وقد كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك كراهةً فيهن
{ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ}
«وَمَنْعٍ وَهَاتِ»؛ أي: منع ما أَمَر الله بإعطائه، وطَلَب ما لا يستحقُّ أخذه، "أي: حرَّم عليكم منع ما عليكم إعطاؤه، وطَلَب ما ليس لكم أخذه، وقيل: نهيٌ عن منع الواجب من ماله، وأقواله، وأفعاله، وأخلاقه من الحقوق اللازمة فيها، ونهيٌ عن استدعاء ما لا يجب عليهم من الحقوق، وتكليفه إيَّاهم بالقيام بما لا يجب عليهم، وهذا من أسمج الخلال"[6].
المراجع
- رواه البخاريُّ (6008)، ومسلم (674).
- "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" لبدر الدين العينيِّ (6/ 133).
- رواه الترمذيُّ (2516)، وقال: حديث حسن صحيح، وصحَّحه عبد الحقِّ في "الأحكام الوسطى" (4/ 285)، والألبانيُّ في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 1317).
- "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن رجب (7/ 417).
- "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجر (5/ 68).
- "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (10/ 3157).
النقول
قال بدر الدين العينيُّ رحمه الله: "قوله: «لا شريك له»، تأكيدٌ لقوله: «وحدَه»؛ لأن المتَّصِف بالوحدانية لا شريكَ له"[1].
قال ابن رجب رحمه الله: "قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، عن بعض أصحابه: علامة حبِّ اللّه كثرة ذِكره؛ فإنّك لن تحبَّ شيئًا إلّا أكثرت ذكره. وقال فتح الموصليُّ: المحبُّ للّه لا يَغفُل عن ذكر اللّه طرفة عين. قال ذو النّون: من اشتغل قلبه ولسانه بالذّكر، قذف اللّه في قلبه نور الاشتياق إليه. قال إبراهيم بن الجُنيد: كان يقال: من علامة المحبِّ للّه دوام الذّكر بالقلب واللّسان، وقلَّما وَلِع المرء بذكر اللّه عزّ وجلّ إلّا أفاد منه حبَّ اللّه. وكان بعض السّلف يقول في مناجاته: إذا سئم البطّالون من بِطالتهم، فلن يسأم محبُّوك من مناجاتك وذكرك. قال أبو جعفر الْمُحوَّليُّ: وليُّ اللّه المحبُّ للّه لا يخلو قلبه من ذكر ربِّه، ولا يسأم من خدمته"[2].
قال ابن القيم رحمه الله: "الذّكر ثلاثة أنواع: ذكر الأسماء والصّفات ومعانيها، والثّناء على اللّه بها، وتوحيد اللّه بها، وذكرُ الأمر والنّهي، والحلال والحرام، وذكرُ الآلاء والنَّعماء والإحسان والأيادي، وأنه ثلاثة أنواع أيضًا: ذكر يتواطأ عليه القلب واللّسان، وهو أعلاها، وذكر بالقلب وحده وهو في الدّرجة الثّانية، وذكر باللّسان المجرَّد، وهو في الدّرجة الثّالثة"[3].
قال مالكُ بنُ دِينَارٍ رحمه الله: "ما تَلَذَّذَ المتلَذِّذون بِمِثْلِ ذكرِ الله - عزَّ وجلَّ - فليس شيءٌ من الأعمال أخفَّ مؤنةً منه، ولا أعظم لذَّةً ولا أكثرَ فرحةً وابتهاجًا للقلب"[4].
قال ابن بطال رحمه الله: "اختلف العلماء في إضاعة المال، فقال سعيدُ بنُ جبير: إضاعة المال أن يَرزُقَكَ الله رزقًا فتُنفِقه فيما حرَّم الله عليك. وكذلك قال مالك. قال المهلَّب: وقيل: إضاعة المال: السَّرف في إنفاقه وإن كان فيما يَحِلُّ"[5].
قال القاضي عياض رحمه الله: "قيل: هي مسألةُ الناس أموالَهم، وقيل: كثرة البحث عن أخبار الناس وما لا يعني، وقيل: يُحتمَل كثرة سؤال النبيِّ صلي الله عليه وسلم عما لم يَأذَن فيه
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ }
وقيل: يُحتمَل النهيُ عن التنطُّع والسؤال عمَّا لم ينزل من المسائل، ويُحتمَل كثرة السؤال للناس عن أحوالهم حتى يدخل الحرج عليهم فيما يريدون سَتْرَه منها"[6].
قال ابن حجر رحمه الله: "حَمَله الأكثر على الإسراف في الإنفاق، وقيَّده بعضهم بالإنفاق في الحرام، والأقوى أنه ما أُنفق في غير وجهه المأذون فيه شرعًا، سواءٌ كانت دينيةً أو دنيوية، فمُنِع منه؛ لأنَّ الله تعالى جعل المال قيامًا لمصالح العباد، وفي تبذيرها تفويتٌ تلك المصالح، إما في حقِّ مضيِّعها، وإما في حقِّ غيره، ويُستثنى من ذلك كثرةُ إنفاقه في وجوه البرِّ؛ لتحصيل ثواب الآخرة، ما لَمْ يفوِّت حقًّا أُخرويًا أهمَّ منه"[7].
قال ابن بطال رحمه الله: "قوله: «ومنع وهات» يعنى: أن يَمنَع الناس خيرَه ورِفده، ويَأخُذَ منهم رِفدهم. وقال مالك في قوله: «قيل وقال»: وهو الإكثار من الكلام والإرجاف؛ نحو قول الناس: أَعطَى فلانٌ كذا ومَنَع كذا، والخوض فيما لا يَعني. وقال أبو عبيد في قوله: «قيل وقال»: كأنه قال من قول وقيل، يقال: قلتُ قولاُ وقيلاً وقالاً، وقرأ ابن مسعود: [ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَالَ الحَقِّ] يعنى: قَوْلَ الحقِّ. وأما «كثرة السؤال» فقال مالك: لا أدري أهو ما أنهاكم عنه من كثرة المسائل؛ فقد كَرِه رسول الله المسائل وعابَها، أو هو مسألة الناس أموالهم"[8].
قال ابن عبد البرِّ رحمه الله: "للإيمان أصولٌ وفروعٌ؛ فمن أصوله: الإقرارُ باللسان مع اعتقاد القلب بما نطق به اللسانُ من الشهادة بأنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، وأنَّ كلَّ ما جاء به عن ربِّه حقٌّ من البعث بعد الموت، والإيمان بملائكة الله، وكتبه، ورسله، وكل ما أحكمه الله في كتابه، ونقلَتْه الكافَّةُ عن النبيِّ ﷺ من الصلاة، والزكاة، والصيام، والحجِّ، وسائر الفرائض. وبعد هذا فكلُّ عملٍ صالحٍ فهو من فروع الإيمان؛ فبرُّ الوالِدَين من الإيمان، وأداءُ الأمانة من الإيمان، وحُسنُ العهد من الإيمان، وحُسنُ الجِوار من الإيمان، وتوقيرُ الكبير من الإيمان، ورحمةُ الصغير، حتى إطعامُ الطعام وإفشاءُ السلام من الإيمان، فهذه الفروعُ مَن ترَك شيئًا منها لم يكُن ناقصَ الإيمان بتركها كما يكون ناقصَ الإيمان بارتكاب الكبائر، وترك عمل الفرائض"[9].
قال ابن رجب رحمه الله: "والمعنى: لا ينفع ذا الغنى منك غِناه
{وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا}
{يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ}
قال ابن حجر رحمه الله: "قيل: خصَّ الأمَّهاتِ بالذكر؛ لأن العقوق إليهن أسرعُ من الآباء؛ لضعف النساء، وليُنَبِّه على أن بِرَّ الأمِّ مقدَّم على بِرِّ الأب في التلطُّف والحُنوِّ، ونحوِ ذلك"[11].
قال الطِّيبيُّ رحمه الله: "أي: حرَّم عليكم منع ما عليكم إعطاؤه، وطَلَب ما ليس لكم أخذه، وقيل: نهيٌ عن منع الواجب من ماله، وأقواله، وأفعاله، وأخلاقه من الحقوق اللازمة فيها، ونهيٌ عن استدعاء ما لا يجب عليهم من الحقوق، وتكليفه إيَّاهم بالقيام بما لا يجب عليهم، وهذا من أسمج الخلال"[12].
المراجع
- "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" لبدر الدين العينيِّ (6/ 133).
- جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 516).
- مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 403).
- "الوابل الصيب من الكلم الطيب" لابن القيم (ص 81).
- "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (6/ 528، 529).
- "مشارق الأنوار على صحاح الآثار" للقاضي عياض (2/ 201).
- "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجر (10/ 408).
- "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (6/ 531).
- "الاستذكار" لابن عبد البر (8/ 282).
- "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن رجب (7/ 417).
- "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجر (5/ 68).
- "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (10/ 3157).