24 - من أشراطِ السَّاعةِ الكُبرى

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: الدَّجَّالَ، وَالدُّخَانَ، وَدَابَّةَ الْأَرْضِ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ، وَخُوَيْصَةَ أَحَدِكُمْ»

فقه

  1. أمر ﷺ بأن نُسارع بالأعمال الصالحة قبل ظهور أمور ستٍّ تشغل الإنسان وتحول بينه وبين القيام بالأعمال الصالحة، وقبل ظهور الشمس من مغربها التي لا يُقبل بعدها عملٌ ولا توبة.

  2. فأَوَّلُ تلك الأشياء خروجُ الدَّجَّال؛  وهو أعظم فتنةٍ على وجه الأرض، وهو إنسانٌ فيه ضخامة، عينه ممسوحة، ومكتوبٌ على جبهته (كافر)، يخرج في آخر الزمان فيدَّعي أنه الله -تعالى الله عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا-، وقد أيَّده الله بخوارق العادة زيادةً في ابتلاء الناس، فيشير للسماء فتمطر، وللأرض فتنبت، وللأرض الخربة فتتبعه كنوزها، ويشقُّ الرجل نصفين ثم يقف بين شِقَّيه ويناديه فيقوم حيًّا صحيحًا، إلى غير ذلك من أخباره المعروفة، ويظل كذلك حتى ينزل المسيح عيسى ابن مريم ﷺ فيقود جيش المسلمين ويقتله.

وبدأ بذكر الدجال حيث تنفرط بخروجه خرزات الساعة، فتأتي العلامات متواليةً علامةً بعد علامة حتى تقوم الساعة،

قال ﷺ:

«الْأَمَارَاتُ خَرَزَاتٌ مَنْظُومَاتٌ بِسِلْكٍ، فَإِذَا انْقَطَعَ السِّلْكُ تَبِعَ بَعْضُهُ بَعْضًا»

[1].

3. وثانيها: ظُهور الدُّخان، وهو من علامات الساعة، يَمكُث في الأرض أربعين يومًا يملأ ما بين السماء والأرض، فأما المؤمنُ فيُصيبه مثل الزكام، وأما الكافرُ والفاجر، فيَدخُل في أنوفهم، فيَثقُب مَسامِعَهم، ويُضيِّق أنفاسهم، وهو من آثار جهنَّم يوم القيامة[2].

قال تعالى:

﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ﴾

[الدخان: 10 - 12].

4. وثالثها: الدابَّة التي تخرج في آخر الزمان تُكَلِّمُ الناسَّ

قال تعالى:

﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾

[النمل: 82]

 ولم يفصل القرآن أو الأحاديث النبوية شكل هذه الدابة، فالله أعلم بها.

وخروج الدابَّة يكون بعد طلوع الشمس من مغربها مباشرة؛ لقول النبي ﷺ:

«إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ خُرُوجًا، طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى، وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا، فَالْأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيبًا»

[3].

5. ورابعها: طلوع الشمس من مغربها -على غير عادتها في طلوعها من المشرق-؛ ففي الحديث الصحيح أنَّ الشمسَ حين تغرب تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ العَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ، فَلَا يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلَا يُؤْذَنَ لَهَا، يُقَالُ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا [4].

6. وخامسها: القيامة، سمَّاها أَمْرَ العامَّةِ لأنها تعمُّ الناسَ جميعًا بالموت ولا تستثني أحدًا [5]، فإنَّ الإنسانَ إذا قامت القيامة تحسَّر على ما فرط وقصر؛ وحينئذ يتمنى المؤمن أن لو ازداد من الطاعة؛ ويتمنى الكافر أن يعود به الزمان فيتوب.

7. وسادسها: ذكر المَوْت؛ وسمَّاه خُوَيْصَة أحدكم لأنه يخصُّ الإنسانَ دون غيره، بخلاف القيامة حيث سمَّاها أمرَ العامة.

وقد أمر الله تعالى عباده بالتوبة والعمل الصالح قبل الموت فقال:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾

[المنافقون: 9 - 11].

اتباع

  1. لنتذكر حرص نبينا ﷺ ورحمته ورأفته بأمته، حيث يدلُّهم على الأوقات التي لا ينفع بعدها إيمانٌ، ليُسارعوا في الأعمال الصالحة قبلها، فينبغي أن يكون العبدُ أكثرَ حرصًا على اتباعِ ذلك الأمر النبويِّ، والمبادرة بالأعمال الصالحة قبل ظهور تلك العلامات.

  2. تلقَّى الصحابةُ تلك الأحاديث التي فيها من الغيبيات ما قد يحار فيه العقل البشريُّ وقَبِلوها ورَوَوها، لكمال دينهم وعقلهم، لأنهم عَلِموا صدقَ الرسول، وكمالَ علمِ المرسِل، فالعاقل من بعدهم يقابلها بالتسليم، ولا يخجل من تعليمها.

  3. على المؤمن أن يُبادر بالتوبة والاستغفار والمسارعة في الصالحات قبل حلول الأجل؛ فاللهُ واسعُ الــمغفرة، يبسُط يده باللَّيل ليتوبَ مُسيءُ النهار، ويَبسُط يده بالنهار ليتوب مُسيءُ الليل، ويغفرُ جميع الذُّنوب ولا يُبالي.

  4. حذَّر النبيُّ ﷺ أُمَّته مرارًا من الدجَّال، وذلك لعظم خطره وفتنته.

  5. الواجب على الدُّعاة والعلماء أن يهتموا بنوازل المسلمين، ويُبيِّنوا لهم الفتن الواقعة عليهم، ويذكروا لهم حكم الله في المُسْتَجَدَّات، ولا تكن خُطَبُهم وأخبارُهم وكتاباتُهم بمعزلٍ عمَّا يعيشه الناس.

  6. قال الشاعر: 

يا نفسُ قَدْ أَزِفَ الرحيلُ = وَأَظَلَّكِ الخَطْبُ الجليلُ

فتأهَّبي يا نَفْسُ لا = يَلْعَبْ بِكِ الأملُ الطويلُ

فلَتَنْزِلِنَّ بمنزلٍ = ينسى الخليلَ به الخليلُ

وليَرْكَبنَّ عَلَيْكِ فِيـ = ـهِ مِنَ الثَّرَى حِمْلٌ ثَقِيلُ

قُرِنَ الفَنَاءُ بنا فما = يبقى العزيزُ ولا الذليلُ

المراجع

  1. الحاكم في "المستدرك" (8639).
  2. ينظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبيِّ (16/ 130).
  3. مسلم (2941).
  4. البخاري (3199)، ومسلم (159).
  5. "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (3/ 302).


مشاريع الأحاديث الكلية