عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: الدَّجَّالَ، وَالدُّخَانَ، وَدَابَّةَ الْأَرْضِ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ، وَخُوَيْصَةَ أَحَدِكُمْ»
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: الدَّجَّالَ، وَالدُّخَانَ، وَدَابَّةَ الْأَرْضِ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ، وَخُوَيْصَةَ أَحَدِكُمْ»
في الحديث الأمر بالمبادرة والمسارعة إلى الأعمال الصالحة، قبل الموت، وقبل ظُهورِ علامات الساعة الكبرى؛ لأن ظهورَها يُوجِبُ عدمَ قبول توبة التائبين.
استعداد المرء للقاء الله تعالى إنما يكون بالإيمان والعمل الصالح؛ ولذلك جعل الله تعالى المسارعة والمسابقة إلى فعل الصالحات صفةً من صفات المؤمنين
قال تعالى:
أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ
[المؤمنون: 61].
في الحديث توجيه من النبيِّ ﷺ إلى استغلال الأوقات فيما ينفع العباد، وبَذْلِها في مواطن الخير والصلاح، قبلَ أن لا يَقدِر عليها المرء، أو يُحال بينه وبينها بمرض أو موت، أو ظهور هذه العلامات، وحينها:
يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ
[الأنعام: 158].
الإيمان بعد ظهور العلامات إنما وقع بعد المشاهدة، لذا؛ لا ينفع الكافرَ إيمانُه إذا رأى هذه الآيات، وكذلك لا تُقبَل توبة المسلم العاصي؛ لأن الإيمان إنما يكون بالغيب، أما الإيمان بعد المشاهَدة، فلا ينفع.
لا يعلم متى الساعة إلا الله تعالى، وقد أخبر النبيُّ ﷺ ببعض علاماتها
قال تعالى:
إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ
[لقمان: ٣٤].
عدم قبول التوبة، أو الانتفاع بالأعمال الصالحة لا يكون إلا بعد تمام هذه الآيات؛ فالمراد هذه الثلاث بأسرها
لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ
[الأنعام: 158]
طلوع الشمس من مغربها، والدجَّال، ودابَّة الأرض، وقدَّم الطلوع وإن كان متأخِّرًا في الوقوع؛ لأن مَدَار عدم قبول التوبة عليه، وإن ضُمَّ خروج غيره إليه[1].
في الحديث ذكر خروج المسيح الدجَّال، وهي أعظم فتنةٍ منذ خَلَق الله الأرض، وقد حذَّر النبيُّ ﷺ أمَّته من المسيح الدجَّال، وذكر لهم بعضًا من صفاته؛
عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأعْوَرَ الكَذَّابَ، أَلا إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ "كَافِرٌ"»
[2].
أحاديث خروج الدجَّال حُجَّة لمذهب أهل الحقِّ في صحَّة وجوده، وأنه شخصٌ بعَينِه، ابتلى اللهُ تعالى به عبادَه، وأَقدَره على أشياءَ من مقدورات الله تعالى، من إحياء الميِّت الذي يَقتُله، وظهور زهرة الدنيا والخِصب معه، وابتاع كنوز الأرض له، وأمر السماء أن تُمطِر فتُمطِر، والأرضَ أن تُنبِت فتُنبِت، فيقع كلُّ ذلك بقُدرة الله تعالى ومشيئته، ثم يُعجِزه الله تعالى بعد ذلك، فلا يَقدِر على قتل ذلك الرجل ولا غيرِه، ويَقتُله عيسى عليه السلام، ويثبِّت الله الذين آمنوا[3].
إن فتنة الدجَّال عظيمة جدًّا، تُدهِش العقول، وتحيِّر الألباب، مع سرعة مروره في الأرض، فلا يَمكُث بحيث يتأمَّل الضعفاءُ دلائلَ الحدوث والنقص، فيصدِّقه من يصدِّقه في هذه الحالة؛ ولهذا حذَّر الأنبياءُ - صلوات الله عليهم - من فتنته، ونبَّهوا على نقصه ودلائل إبطاله[4].
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما،
قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ حَدِيثًا لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ خُرُوجًا، طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى، وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا، فَالْأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيبًا»
[5].
11. ابتدأ ﷺ الحديث بأسلوب في غاية التشويق، فقال: «ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا»؛ أي: ثلاث علامات من علامات الساعة، إذا ظهرت لا تقبل التوبة، وأبهم النبيُّ ﷺ العلامات الثلاث بدايةً؛ تشويقًا للمستمِع؛ مما يضمن متابعتَه للمتكلِّم ﷺ حتى يتبيَّن هذه العلامات الثلاث.
الفوائد الحديثية12. قوله ﷺ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَوِ الدَّجَّالَ، أَوِ الدُّخَانَ، أَوِ الدَّابَّةَ، أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكِمْ، أو أمرَ الْعَامَّةِ»، وفي الرواية الثانية: «الدَّجَّالَ، وَالدُّخَانَ... إلى قوله: وَخُوَيْصَةَ أَحَدِكِمْ» فَذَكَرَ السِّتَّةَ في الرواية الأولى معطوفة بـ(أو) التي هي لِلتقسيم، وفي الثانية بالواو[1].
13. خُويصة: تصغير خاصَّة، والمراد: حادثة الموت التي تخصُّ الإنسان، وصغِّرت لاستصغارها في جنب سائر العظائم من بعث وحساب وغيرهما، وقيل: هي ما يخصُّ الإنسان من الشواغل المقلِقة من نفسه وماله وما يهتمُّ به، فتشغله عن غيره[1].
14. أصل الدَّجَل: الخَلْطُ، يُقال: دجَل إذا لبَّس وموَّه. والدجَّال: فعَّال من أبنية المبالغة؛ أي: يَكثُر منه الكذب والتلبيس، وهو الذي يظهر في آخر الزمان، ويدَّعي الإلهية.
15. «وأمر العامَّة»: القيامة؛ لأنها تعُمُّ الخلائق، أو الفتنة التي تُعمِي وتُصِمُّ، أو الأمر الذي يستبِدُّ به العوامُّ، وتكون من قِبَلهم دون الخواصِّ[2].