23 - من أشراطِ السَّاعةِ الصُّغرى

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه  قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الهَرْجُ - وَهُوَ القَتْلُ القَتْلُ - حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ المَالُ فَيَفِيضَ»

فوائد الحديث

الفوائد العلمية


  1. في الحديث علامةٌ من علامات نبوَّته ﷺ؛ إذ أخبر بأمورٍ ستقع في المستقبل ووقَعت، وتقعُ كما أخبر ﷺ.

  2. للسَّاعةِ علاماتٌ صُغرى وكُبرى، وعلى الإنسان أن يتحرَّى هذه العلامات ويتَّعِظ بوقوعها، ويُحسِن العمل.

  3. كثرةُ موت العلماء في هذا الزَّمان، وانتشارُ الجَهْل الـمترتِّب على موتهم من أعظمِ علامات الساعة الصُّغرى.

  4. كثرةُ الزَّلازل والخَسْف والْمَسْخ من آيات الله سبحانه الدالَّة على قُرب وقوع الساعة.

  5. في الحديث إخبارٌ بما سيكون في آخر الزمان من أحداث وعلامات تدُلُّ على قُرب قيام الساعة؛ ليأخذَ المسلم حِذْره، فيتَّخِذَ من الوسائل ما يُعينه على النجاة من هذه الفتن إنْ هو أدركَها.

  6. قسَّم العلماء علاماتِ الساعة التي أخبرَ بها النبيُّ  ﷺ إلى علاماتٍ صُغرى وعلاماتٍ كُبرى.

  7. علاماتُ الساعة الصُّغْرى كَثيرةٌ، وقد ظهَرَ أغْلَبُها، وفي هذا الحديث يَذكر النبيُّ ﷺ بعضَها، أما العَلاماتُ الكُبرى التي أخبَر بها  فلم تَظهَر بعدُ، وظهورُها يكون قُبَيْلَ نهاية الزمان، وقيام الساعة؛ ومنها: طلوع الشمس من مغربها، وظُهورُ الـمَهْديِّ الـمُنتظَرِ، وخُروجُ الدَّجَّال، ونُزولُ عيسى بنِ مَريَمَ، وغير ذلك.

  8. أخبَر النبيُّ  في حديث آخَرَ عن كيفية قبض العلم، وفيه: «إنَّ اللهَ لا يقبِض العلمَ انتزاعًا ينتزِعه؛ ولكن يَقبِض العلماءَ، فإذا لم يبْقَ عالمٌ، اتَّخذ الناسُ رُؤساءَ جهَّالًا، فسُئِلوا فأفتَوْا بغير عِلم، فضلُّوا وأضلُّوا»[1].

  9. ليس الـمقصود في الحديث موتَ كل العلماء؛ بل أكثرهم؛ لحديث النبيِّ  ﷺ: «لا تزال طائفةٌ من أمَّتي ظاهرين على الـحقِّ حتى يأتي أمرُ اللهِ»[2].

  10. ظُهور الزَّلازل والآياتِ وعيدٌ من الله تعالى لأهل الأرض، والله تعالى لا يُرسل بالآياتِ إلَّا تخويفًا

    قال تعالى:

    وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا

    [الإسراء: 59].

    والتَّخويف والوعيدُ بهذه الآيات إنَّما يكون عند الـمجاهَرة والإعلان بالمعاصي؛ كما قيل لرسول الله  ﷺ: «أنَهْلِك وفينا الصالِحون؟ قال: نَعم؛ إذا كثُر الخبثُ»[3]، ويَبعث اللهُ الصَّالحين على نِيَّاتهم[4].

  11. في الحديث أن من العلامات الصغرى: أن يَتَقارَب الزَّمانُ؛ أي: قِصَر مدَّة الأزمنة عمَّا جرَت به العادة؛ كما جاء في الحديث: «حتَّى تكون السَّنةُ كالشَّهر، والشهرُ كالجُمُعة، والجُمُعة كاليوم، قيل: واليومُ كالسَّاعة، والسَّاعة كالضَّرمة بالنَّار»[5]، وقيل: تقارب الزمان؛ أي: قِصَر الأعمار بقِلَّة البركة فيها[6]، وقيل: تتقاربُ صفاتُه الناس في القبائح؛ ولهذا ذكَر على إثْره الهرْجَ والشُّحَّ[7].

  12. في آخِر الزَّمان تكون فِتنٌ كثيرةٌ - كما أخبر النَّبيُّ ﷺ  - كقِطَع اللَّيل الـمُظلِم؛ «يُصبح الرَّجُل فيها مؤمنًا ويُمْسي كافرًا، حتَّى يَصير النَّاس إلى فُسْطاطين؛ فُسطاط إيمانٍ لا نِفاقَ فيه، وفُسطاط نفاقٍ لا إيمانَ فيه؛ فإذا كان ذاكم فانتظِروا الدَّجَّال من يومه، أو غَدِه»[8].

  13. القتلُ مِن أعظم الكبائر ومن السبع الموبقات، خاصَّةً إذا كان ظُلمًا وعُدوانًا

    قال تعالى:

     مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ﱠ

    [المائدة: ٣٢].

  14. توعَّد الله عز وجل القاتلَ بالغضب واللَّعْن، وهو الطَّرْد من رحمة الله، والعذاب الـمُقيم في نار جهنَّم يوم القيامة، إلَّا أن يتغمَّده اللهُ برحمةٍ منه

    كما قال تعالى:

    ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾

      [النساء: 93].

  15. عن الأحنف بن قَيس رضى الله عنه، عن النَّبيِّ  ﷺ:

    «إذا الْتَقى المسلِمانِ بسَيفَيهما فالقاتلُ والمقتولُ في النار»، فقلتُ: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بالُ المقتول؟ قال: «إنه كان حريصًا على قَتْل صاحبه»

    [9].

المراجع

  1. رواه البخاري (100)، ومسلم (2673).
  2. رواه البخاريُّ (3640)، ومسلم (156).
  3. رواه البخاريُّ (3598)، ومسلم (2880).
  4. أصله حديثٌ متَّفق عليه، رواه البخاريُّ (2118)، ولفظه: عن أمِّ المؤمنين عائشة ڤ، قالت: قال رسول الله ﷺ: «يغزو جيشٌ الكعبةَ، فإذا كانوا ببَيْداءَ من الأرض، يُخسَف بأولهم وآخرهم». قالت: قلتُ: يا رسول الله، كيف يُخسَف بأوَّلهم وآخِرهم وفيهم أسواقهم ومَن ليس منهم؟ قال: «يُخسَف بأولهم وآخرهم، ثم يُبْعثون على نياتهم». ورواه مسلم (2884).
  5. انظر: "إرشاد الساري شرح صحيح البخاري" للقسْطلَّانيِّ (2/ 256)، وأصله حديث الترمذيِّ في السنن (2332)، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السَّنة كالشهر، والشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كالضَّرَمة بالنار» وقال: غريب من هذا الوجه، وقال الألبانيُّ: صحيح.
  6. انظر: "إرشاد الساري شرح صحيح البخاري" للقسْطلَّانيِّ (2/ 256).
  7. انظر: "التوضيح شرح الجامع الصحيح" لابن الملقِّن (8/ 286).
  8. رواه أبو داود في سننه (4242). وقال الألبانيُّ في صحيح سنن أبي داود (4242): صحيح.
  9. رواه البخاريُّ (31)، ومسلم (2888).
الفوائد الفقهية

16. اختلفوا في الصلاة عند الزلزلة وسائر الآيات، فقالت طائفة: يصلَّى عندها كما يصلَّى عند الكسوف؛ استدلالاً بقوله ﷺ: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عزَّ وجلَّ»[1]، وكذلك الزلزلة والهادُّ وما أشبه ذلك من آيات الله، وهو قول أحمد، وإسحاق، وأبى ثور. وكان مالك والشافعيُّ لا يَرَيان ذلك. وقال الكوفيون: الصلاة في ذلك حسنة، يعني في الظلمة والريح الشديدة[2].

17. سائر الحديث في أشراط الساعة وعلاماتها، وقد قُبض العلم، وظهرت الفتن وعمَّت، وكثُر القتل، وكثُر المال، ولاسيَّما عند أراذل الناس؛ كما جاء في الحديث عند تقارب الزمان: «يكون أسعدَ الناس في الدنيا لُكَعُ ابنُ لُكَعَ، ويتطاول رعاة الإبل البهم في البنيان»[3]، وقد شاهدناه عِيانًا[4].

المراجع

  1. رواه البخاريُّ (1044)، ومسلم (901).
  2. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (3/ 26).
  3. رواه الترمذيُّ (2210)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الجامع" (7431).
  4. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (3/ 27).
الفوائد اللغوية

18. الزلازل: جمْعُ زلزلة، وهي حرَكة الأرض واضْطرابها، وفسَّر بعضُ العلماء الزلازلَ بالفِتن التي تُزَلْزِل القلوب، والأظهرُ حمْلُ الحديث على المعنى الحسِّيِّ، وهو ارتجاف الأرض وتحرُّكها[1].

19. الفتنةُ معناها: الابتلاءُ، والاختبار، والامتحان، وقد كثُر استعمالُها فيما أخرَجه الاختبارُ مِن مكروه، ثم كثُر حتى استُعمِلَت بمعنى الإثم، والكفر، والقتال، والإحراق، والإزالة، والصَّرف عن الشيء[2].

المراجع

  1. "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن رجب الحنبليِّ (9/ 244).
  2. انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (3/ 411).

مشاريع الأحاديث الكلية