المعنى الإجماليُّ للحديث
يروي أبو هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عن النَّبِيِّ ﷺ أنه قال: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ»؛ أي: لن تقوم الساعة حتى يُنزَع ويُرفَع العلمُ من الأرض. «وَتَكْثُرَ الزَّلازِلُ»: والزلازل حرَكة الأرض وارتجافها وتحرُّكها واضْطرابها. «وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ»؛ أي: تَقصُر مدَّة الأزمنة عمَّا جرَت به العادة، أو تَقصُر الأعمار بقِلَّة البَرَكة فيها. «وَتَظْهَرَ الفِتَنُ»؛ أي: وتَكثُر الفِتن والابتلاءات، وتَنتشِر حتى تستوعب الناس جميعًا. «وَيَكْثُرَ الهَرْجُ - وَهُوَ القَتْلُ القَتْلُ»؛ أي: عند ظُهور الفِتَن يَكثُر القَتلُ.
يقول ﷺ: «حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ المَالُ فَيَفِيضَ»؛ يعني: ينتشر المال في الناس، ويَفيض حتى يَكثُر، فيَفضُل منه بأيدي مالِكِيه ما لا حاجةَ لهم به.
الشرح المفصَّل للحديث
ما ترَك النبيُّ ﷺ بابًا من أبواب الخير إلا دلَّ أُمَّتَه عليه، وما ترَك شرًّا إلا وحذَّرهم منه، ومِن ذلك إخبارُه ﷺ بما سيكون في آخر الزمان من أحداث وعلامات تدُلُّ على قُرب قيام الساعة؛ وذلك ليكون المسلمُ على بيِّنةٍ من أمره، فيُعِدَّ للأمر عُدَّته من الإيمان والتصديق والتسليم، ويأخذَ حِذْره فيتَّخِذَ من الوسائل ما يُعينه على النجاة من هذه الفتن إنْ هو أدركَها.
وقد قسَّم العلماء هذه العلاماتِ التي أخبرَ بها النبيُّ ﷺ إلى علاماتٍ صُغرى وعلاماتٍ كُبرى. أمَّا الأماراتُ أو العلاماتُ الصُّغْرى فكَثيرةٌ، وقد ظهَرَ أغْلَبُها، وفي هذا الحديث يَذكر النبيُّ ﷺ بعضَها.
وأمَّا العَلاماتُ الكُبرى، فقد أخبَر بها ﷺ في أكثرَ من موضعٍ، ولم تَظهَر بعدُ، وظهورُها يكون قُبَيْلَ نهاية الزمان، وقيام الساعة؛ ومنها: طلوع الشمس من مغربها، وظُهورُ الـمَهْديِّ الـمُنتظَرِ، وخُروجُ الدَّجَّال، ونُزولُ عيسى بنِ مَريَمَ، وغير ذلك.
وفي هذا الحديث يُخبر النبيُّ ﷺ أن يوم القيامة لن يأتي «حَتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ»؛ أي: يُنزَع ويُرفَع من الأرض، ولا يكون ذلك بمَحْوه من الصُّدور؛ ولكن بموتِ العلماء، واتِّخاذِ النَّاس رُؤوسًا جُهَّالًا، فيتحكَّمون في دِين اللهِ سبحانه بآرائهم، ويُفْتون فيه بجَهْلِهم[1].
وإن الله لا يهَبُ العلم لخَلْقه، ثم يَنتزِعه بعد أن تفضَّل به عليهم، والله يتعالى أن يَسترجِع ما وهَب لعباده مِن علمه الذي يؤدِّي إلى معرفته والإيمان به وبرسله؛ وإنما يكون قبضُ العلم بتضييع التعلُّم، فلا يُوجَد فيمن يبقى مَن يَخلُف مَن مضى من العلماء[2]، ويُؤيِّد ذلك ما أخبَر به النبيُّ ﷺ في حديث آخَرَ، وفيه: «إنَّ اللهَ لا يقبِض العلمَ انتزاعًا ينتزِعه، ولكن يَقبِض العلماءَ، فإذا لم يبْقَ عالمٌ، اتَّخذ الناسُ رُؤساءَ جهَّالًا، فسُئِلوا فأفتَوْا بغير عِلم، فضلُّوا وأضلُّوا»[3]، والـمقصود في الحديث موتُ أكثرِ العلماء لا كلِّهم؛ لحديث النبيِّ ﷺ: «لا تزال طائفةٌ من أمَّتي ظاهرين على الـحقِّ حتى يأتي أمرُ اللهِ»[4].
وذكَر النبيُّ ﷺ في هذا الحديث أيضًا من علامات الساعة: كَثْرة الزلازل، والزلازل: جمْعُ زلزلة، وهي حرَكة الأرض واضْطرابها[5]، وفسَّر بعضُ العلماء الزلازلَ بالفِتن التي تُزَلْزِل القلوب، "فيمكِن حمْلُه على الزلازل المعنوية، وهي كثرة الفِتن المزعِجة الموجِبة لارتجاف القلوب، والأظهرُ حمْلُه على المعنى الحسِّيِّ، وهو ارتجاف الأرض وتحرُّكها"[6]، و"قد وقع في كثير من البلاد الشمالية والشرقية والغربية كثيرٌ من الزلازل؛ ولكن الذي يظهر أن المراد بكثرتها شمولُها ودَوَامُها"[7]. وظُهور الزَّلازل والآياتِ وعيدٌ من الله تعالى لأهل الأرض، والله تعالى لا يُرسل بالآياتِ إلَّا تخويفًا، والتَّخويف والوعيدُ بهذه الآيات إنَّما يكون عند الـمجاهَرة والإعلان بالمعاصي؛ كما قيل لرسول الله ﷺ: «أنَهْلِك وفينا الصالِحون؟ قال: نَعم؛ إذا كثُر الخبثُ»[8]، ويَبعث اللهُ الصَّالحين على نِيَّاتهم[9].
وفي أيَّامنا هذه لا يَكاد يمرُّ يومٌ من الأيَّام إلَّا ونسمَع عن زلزالٍ في بلدٍ ما، يستوي في ذلك بلادُ الإيمان والكفر؛ فأمَّا في بلاد الكفر فلشِركِهم بالله ، وإعراضهم عن دِينه، واضطهاد القِلَّة الـمسلِمة واستضعافهم، وأمَّا في بلاد الـمسلمين، فلانْكِباب النَّاس على الشَّهوات والـمعاصي، والـمجاهَرة بذلك.
ثم ساق النبيُّ ﷺ علامةً أُخرى من علامات الساعة فقال: «ويَتَقارَب الزَّمانُ» في تفسيرِه أربعةُ أقوال:
الأوَّل: أنه اقترابُ يوم القيامة؛ وعليه فالمعنى: إذا قرُبت القيامةُ كان مِن شَرْطها الشُّحُّ والهَرْج[10].
والثَّاني: أنه قِصَر مدَّة الأزمنة عمَّا جرَت به العادة؛ كما جاء في الحديث: «حتَّى تكون السَّنةُ كالشَّهر، والشهرُ كالجُمُعة، والجُمُعة كاليوم، قيل: واليومُ كالسَّاعة، والسَّاعة كالضَّرمة بالنَّار»[11].
والثَّالث: أنه قِصَر الأعمار بقِلَّة البركة فيها[12].
والرَّابع: تقارُب أحوال الناس في غلَبة الفساد عليهم، ويكون الـمعنى: ويتقارب أهل الزَّمان، أي: تتقاربُ صفاتُهم في القبائح؛ ولهذا ذكَر على إثْره الهرْجَ والشُّحَّ[13].
«وتَظهَر الفِتن»: والفتنةُ معناها: الابتلاءُ، والاختبار، والامتحان، وقد كثُر استعمالُها فيما أخرَجه الاختبارُ مِن مكروه، ثم كثُر حتى استُعمِلَت بمعنى الإثم، والكفر، والقتال، والإحراق، والإزالة، والصَّرف عن الشيء[14]، والمراد بظهور الفِتَن في الحديث: "كثرتها، واشتهارها، وعدم التكاتم بها"[15]، ففي آخِر الزَّمان تكون فِتنٌ كثيرةٌ - كما أخبر النَّبيُّ ﷺ - كقِطَع اللَّيل الـمُظلِم؛ «يُصبح الرَّجُل فيها مؤمنًا ويُمْسي كافرًا، حتَّى يَصير النَّاس إلى فُسْطاطين: فُسطاطِ إيمانٍ لا نِفاقَ فيه، وفُسطاط نفاقٍ لا إيمانَ فيه؛ فإذا كان ذاكم فانتظِروا الدَّجَّال من يومه، أو غَدِه»[16].
وما من عبدٍ إلَّا وتُعرَض عليه هذه الفِتن؛ كما قال ﷺ: «تُعرَض الفِتَن على القلوب كالحصير عُودًا عُودًا، فأيُّ قلبٍ أُشرِبَها، نُكِت فيه نُكتةٌ سَوداءُ، وأيُّ قلبٍ أنكَرها، نُكِت فيه نُكتةٌ بَيضاءُ، حتى تَصير على قَلْبَين؛ على أبيضَ مثلِ الصَّفا، فلا تضُرُّه فتنةٌ ما دامت السمواتُ والأرضُ، والآخَرُ أسودُ مُرْبَادًّا كالكُوزِ مُجَخِّيًا لا يَعرِف معروفًا، ولا يُنكِر مُنكَرًا، إلا ما أُشرِبَ مِن هواه»[17].
ولِخُطورةِ الفِتَنِ؛ كان النَّبِيُّ ﷺ يُكثِر مِن الاستعاذةِ منها، ويأمر أصحابَه أن يتعوَّذوا منها؛ فعن زَيد بن ثابت رضى الله عنه، عن النبيِّ ﷺ أنه قال: «تعوَّذوا بالله من الفِتَن، ما ظهَر منها وما بطَن»[18]، وكان ﷺ يدعو في كلِّ صلاةٍ: «اللهم إني أعوذُ بكَ من عذاب القبر، وأعوذُ بك مِن فِتنة المسيح الدَّجَّال، وأعوذُ بك مِن فتنة الْمَحْيا والممات، اللهم إني أعوذُ بك من المأثَم والْمَغْرَم»[19].
وعند ظُهور الفِتَن يَكثُر الهَرْجُ؛ أي القَتلُ، كما بيَّن النبيُّ ﷺ، قال: «ويَكثُر الهَرْجُ - وهو القتلُ القَتلُ»، والقتلُ مِن أعظم الكبائر، خاصَّةً إذا كان ظُلمًا وعدوانًا، ولقد كتَب الله سبحانه و تعالى أنَّ مَن قتَل نفْسًا بغير نَفْس أو فساد في الأرض، فكأنَّما قتَل الناس جميعًا، ومَن أحْياها فكأنَّما أحْيا الناسَ جميعًا
مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا
ولقد توعَّد الله سبحانه و تعالى القاتلَ بالغضب واللَّعْن، وهو الطَّرْد من رحمة الله، والعذاب الـمُقيم في نار جهنَّم يوم القيامة، إلَّا أن يتغمَّده اللهُ برحمةٍ منه
﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾
وعن الأحنف بن قَيس رضى الله عنه، عن النَّبيِّ ﷺ: «إذا الْتَقى المسلِمانِ بسَيفَيهما فالقاتلُ والمقتولُ في النار»، فقلتُ: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بالُ المقتول؟ قال: «إنه كان حريصًا على قَتْل صاحبه»[20].
وأمَّا قَولُ النبيِّ ﷺ: «حتَّى يَكثُرَ فِيكُمُ الْـمَالُ فَيَفِيضَ»، يعني: يَفيض المال حتى يَكثُر، فيَفضُل منه بأيدي مالِكِيه ما لا حاجةَ لهم به. وقيل: معنى «يَفيض المال»: ينتشر في الناس ويعمُّهم[21]. وقد اختَلَف أهلُ العلمِ: هل وقَعَت هذه العلامةُ أو لا؟
وقد كانت هناك حالةٌ مَن كثرةِ المال حدثت في زمن الصحابة، ثم وقعت حالةٌ أُخرى من إفاضة المال وكثرته في زمن عمر بن عبد العزيز، وستقعُ حالةٌ أخرى من إفاضة المال وحصول الاستغناء لكلِّ أحد، حتى يهتمَّ صاحبُ المال بكونه لا يجِد مَن يَقبل صدَقته، ويَزداد بأنه يَعرِضه على غيره ولو كان ممَّن لا يَستحقُّ الصَّدقة، فيأبى أخذَه فيقول: لا حاجةَ لي فيه، وهذا في زمن عيسى عليه السلام، ويُحتمَل أن يكون هذا الأخير عند خروج النار واشتغال الناس بأمرِ الحشر، فلا يلتفت أحدٌ حينئذٍ إلى المال؛ بل يَقصد أن يتخفَّف ما استطاع[22].
المراجع
- انظر: "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (1/ 177).
- "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطال (1/ 177) بتصرُّف يسير.
- رواه البخاريُّ (100)، ومسلم (2673).
- رواه البخاريُّ (3640)، ومسلم (156).
- "شرح صحيح البخاري" للقسْطلَّانيِّ (2/ 256).
- "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن رجب الحنبليِّ (9/ 244).
- "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجر (13/ 87).
- رواه البخاريُّ (3598)، ومسلم (2880).
- أصله حديثٌ متَّفق عليه، رواه البخاريُّ (2118)، ولفظه: عن أمِّ المؤمنين عائشة ڤ، قالت: قال رسول الله ﷺ: «يغزو جيشٌ الكعبةَ، فإذا كانوا ببَيْداءَ من الأرض، يُخسَف بأولهم وآخرهم». قالت: قلتُ: يا رسول الله، كيف يُخسَف بأوَّلهم وآخِرهم وفيهم أسواقهم ومَن ليس منهم؟ قال: «يُخسَف بأولهم وآخرهم، ثم يُبْعثون على نياتهم». ورواه مسلم (2884).
- انظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" للنَّوويِّ (16/ 221).
- انظر: "إرشاد الساري شرح صحيح البخاري" للقسْطلَّانيِّ (2/ 256)، وأصله حديث الترمذيِّ في السنن (2332)، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السَّنة كالشهر، والشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كالضَّرَمة بالنار» وقال: غريب من هذا الوجه، وقال الألبانيُّ: صحيح.
- انظر: "إرشاد الساري شرح صحيح البخاري" للقسْطلَّانيِّ (2/ 256).
- انظر: "التوضيح شرح الجامع الصحيح" لابن الملقِّن (8/ 286).
- انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (3/ 411).
- "فتح الباري" لابن حجرٍ (13/ 18).
- رواه أبو داود في سننه (4242). وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح سنن أبي داود" (4242).
- رواه مسلم (144).
- رواه مسلم (2867).
- رواه البخاريُّ (832)، ومسلم (589).
- رواه البخاريُّ (31)، ومسلم (2888).
- "إرشاد الساري شرح صحيح البخاري" للقسْطلَّاني (2/ 256).
- انظر: "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجَرٍ العسْقلانيِّ (13/ 87- 88).
النقول
قال ابن بَطَّال رحمه الله: "إن الله لا يهَبُ العلم لخَلْقه، ثم يَنتزِعه بعد أن تفضَّل به عليهم، والله يتعالى أن يَسترجِع ما وهَب لعباده مِن علمه الذي يؤدِّي إلى معرفته والإيمان به وبرسله؛ وإنما يكون قبضُ العلم بتضييع التعلُّم، فلا يُوجَد فيمن يبقى مَن يَخلُف مَن مضى من العلماء"[1].
قال ابن رجب رحمه الله: "ويمكن حمْلُه على الزلازل المعنوية، وهي كثرة الفِتن المزعِجة الموجِبة لارتجاف القلوب، والأظهرُ حمْلُه على المعنى الحسِّيِّ، وهو ارتجاف الأرض وتحرُّكها"[2].
قال ابن بطَّال رحمه الله: "قال المهلّب: ظهور الزلازل والآيات أيضًا وعيد من الله تعالى لأهل الأرض
وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا
... والتخويف والوعيد بهذه الآيات إنما يكون عند المجاهرة بالمعاصي والإعلان بها؛ ألا ترى قول عمر حين زُلزِلت المدينة في أيامه: يا أهل المدينة، ما أسرعَ ما أحدثتم! والله لئن عادت لأَخرُجنَّ من بين أظهركم. فخشَيِ أن تصيبه العقوبة معهم؛ كما قالت عائشة: «يا رسول الله، أنَهْلِك وفينا الصالِحون؟ قال: نَعم؛ إذا كثُر الخبثُ»[3]، وإذا هلكت العامَّة بذنوب الخاصَّة، بعث اللهُ الصَّالحين على نِيَّاتهم[4]. قال ابن المنذر: اختلفوا في الصلاة عند الزلزلة وسائر الآيات، فقالت طائفة: يصلَّى عندها كما يصلَّى عند الكسوف؛ استدلالاً بقوله ﷺ: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عزَّ وجلَّ»[5]، وكذلك الزلزلة والهادُّ وما أشبه ذلك من آيات الله، وهو قول أحمد، وإسحاق، وأبى ثور. وكان مالك والشافعيُّ لا يَرَيان ذلك. وقال الكوفيون: الصلاة في ذلك حسنة، يعني في الظلمة والريح الشديدة..." [6].
قال ابن حجر رحمه الله: "قد وقع في كثير من البلاد الشمالية والشرقية والغربية كثيرٌ من الزلازل؛ ولكن الذي يظهر أن المراد بكثرتها شمولُها ودَوَامُها"[7]
قال ابن رجب رحمه الله: "وأما كثرة الزلازل، فهو مقصود البخاريِّ في هذا الباب من الحديث. والظاهر: أنه حمله على الزلازل المحسوسة، وهي ارتجاف الأرض وتحرُّكها، ويمكِن حمله على الزلازل المعنوية، وهي كثرة الفتن المزعجة الموجبة لارتجاف القلوب. والأول أظهر؛ لأن هذا يُغني عنه ذكر ظهور الفتن"[8].
قال ابن بطَّال رحمه الله: "وأما سائر الحديث فهي أشراط الساعة وعلاماتها، ونحن في ذلك؛ قد قُبض العلم، وظهرت الفتن، وعمَّت وطبَّقت، وكثُر الهرْج وهو القتل، وكثُر المال، ولاسيَّما عند أراذل الناس؛ كما جاء في الحديث عند تقارب الزمان: «يكون أسعدَ الناس في الدنيا لُكَعُ ابنُ لُكَعَ، ويتطاول رعاة الإبل البهم في البنيان»[9]، وقد شاهدناه عِيانًا، أعاذنا الله من شر المنقلَب، وختم أعمالنا بالسعادة والنجاة من الفتن"[10].
المراجع
- "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (1/ 177) بتصرف يسير.
- "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن رجب الحنبلي (9/ 244).
- رواه البخاريُّ (3598)، ومسلم (2880).
- أصله حديثٌ متَّفق عليه، رواه البخاريُّ (2118)، ولفظه: عن أمِّ المؤمنين عائشة ڤ، قالت: قال رسول الله ﷺ: «يغزو جيشٌ الكعبةَ، فإذا كانوا ببَيْداءَ من الأرض، يُخسَف بأولهم وآخرهم». قالت: قلتُ: يا رسول الله، كيف يُخسَف بأوَّلهم وآخِرهم وفيهم أسواقهم ومَن ليس منهم؟ قال: «يُخسَف بأولهم وآخرهم، ثم يُبْعثون على نياتهم». ورواه مسلم (2884).
- رواه البخاريُّ (1044)، ومسلم (901).
- "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (3/ 26).
- "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجر (13/ 87).
- "فتح الباري" لابن رجب (9/ 244).
- رواه الترمذيُّ (2210)، وصحَّحه الألبانيُّ في صحيح الجامع(7431).
- "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (3/ 27).