الفوائد العلمية
1. الحكمةُ في وجوب الإحداد على الزوج أربعةَ أشهر وعشْرًا، في عدَّة الوفاة دون الطلاق؛ لأن الزينة والطِّيب يَدْعُوَانِ إلى النكاح، ويُوقِعان فيه، فنُهِيَت عنه ليكون الامتناع من ذلك زاجرًا عن النكاح؛ لكون الزوجِ ميِّتًا لا يَمنَع مُعْتَدَّتَه من النكاح، ولا يُراعيه ناكحُها، ولا يخاف منه، بخلاف المطلِّق الحيِّ؛ فإنه يَستغني بوجوده عن زاجرٍ آخَرَ، فوجبت العِدَّة على كلِّ متوفًّى عنها زوجها، وإن لم تكن مدخولاً بها، بخلاف الطلاق [1].
2. جُعِلت العدَّةُ أربعةَ أشهر وعشْرًا؛ لأن أربعة الأشهرِ فيها يُنفَخ الروح في الولد إن كان، والعشْرَ احتياطًا، وفي هذه المدَّة يتحرَّك الولد في البطن [2].
1. "شرح النوويِّ على مسلم" (10/ 113).
2. "شرح النوويِّ على مسلم" (10/ 113).
الفوائد الفقهية
3. في الحديث نهيُ المرأة أن تُحِدَّ على ميِّت - أيًّا كانت صلةُ قرابتها به - فوق ثلاث ليالٍ؛ لأن الثلاث كافيةٌ للقيام بحقِّ القريب، والتفريج عن النفس الحزينة، واستثنى من هذا زوجَها؛ قيامًا بحقِّه الكبير عليها.
4. الإحداد: هو أن تترك المرأة الزينةَ والطِّيب، وفي هذا حرص من الشارع الحكيم على أن يمنع زيادة مدَّة الإحداد، فلا يَحِلُّ لامرأة تؤمن بالله وبقضائه وقَدَره، وتؤمن باليوم الآخر، أن تَزيد في الإحداد عمَّا هو مقدَّر، على ميِّت غيرِ زوج ثلاثةَ أيام بلياليها، وعلى الزوج أربعةَ أشهر وعشْرًا.
5. في الحديث جواز الإحداد على غير الزوج من أب أو أمٍّ، أو أخ أو أخت، أو قريب أو حبيب، ثلاث ليالٍ فما دونَها، وتحريمه فيما زاد عليها، وكأن هذا القَدْرَ أُبيح لأجل حظ النفس، وغلبة الطباع البشرية، وتُمنع الزيادة، وإن بقيت آثار الحزن عندها.
6. حدِّدت عدَّة المتوفَّى عنها زوجها بالشهور والأيام، لا بالأقراء كالطلاق؛ من أجل الاحتياط للميِّت.
7. لَمَّا كانت الصغيرةُ من الزوجات نادرةً، أُلحقت بالغالب في حكم وجوب العِدَّة والإحداد [1]. وقال أبو حنيفة: لا إحداد على الصغيرة، ولا على الأمَة، وجوابُه أن الصغيرة إنما دَخَلت في الحكم؛ لكونها نادرةً، فسلكت في الحكم على سبيل الغلبة [2].
8. في الحديث دليلٌ علي وجوب الإحداد على المعْتَدَّة من وفاة زوجها، وهو مُجمَع عليه في الجُملة، وإن اختلفوا في تفصيله، فذهب الشافعيُّ والجمهور إلى التسوية بين المدخول بها وغيرها، سواءٌ كانت صغيرةً أو كبيرة، بكرًا أو ثيِّبًا، حرَّةً أو أمَةً، مُسلِمة أو كافرة [3].
9. قال أبو حنيفة والكوفيُّون وبعض المالكية: لا يَجِب الإحداد على الكتابية؛ بل يختصُّ بالمسلمة؛
«لا يَحِلُّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحِدَّ على ميِّت فوق ثلاث»
وتأويلُ الجمهور بأن الاختصاص إنما هو لأن المؤمن هو الذي يستمِرُّ خطاب الشارع عليه، ويَنتفِع به، وينقاد له [5].
10. التقيُّد بقوله: «أربعة أشهر وعشرًا» خرج علي غالب المعْتَدَّات اللاتي يَعْتَدِدْنَ بالأشهر، أما إذا كانت حاملاً، فعِدَّتُها بالحَمْلِ، ويَلزَمها الإحداد حتى تضع، سواءٌ قَصُرت المدَّة أو طالت [6].
11. في الحديث دليلٌ على تحريم الاكتحال على الحادَّة، سواءٌ احتاجت إليه أم لا.
12. جاء في الحديث الآخَر في الموطَّأ وغيره في حديث أم سلمة: «اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار» [7]، ووجهُ الجمع بين الأحاديث: أن حديث الإذن فيه لبيان أنه بالليل للحاجة غيرُ حرام، وحديث النهيِ محمولٌ على عدم الحاجة، فإنها إذا لم تَحْتَجْ إليه لا يَحِلُّ لها، وإن احتاجت لم يَجُزْ بالنَّهار ويجوز باللَّيل، مع أن الأَوْلى تَرْكُه، فإن فعلتْه، مَسَحَتْه بالنَّهار. وعليه؛ اختلف العلماء في اكتحال الْمُحِدَّة، فقال بعض العُلَماء: يجوز إذا خافت على عينها بكُحل لا طِيب فيه، وجوَّزه بعضهم عند الحاجة وإن كان فيه طِيبٌ، ومذهبُ الشافعية جوازُه ليلاً عند الحاجة بما لا طِيبَ فيه [8].
13. في الحديث دلالة على جواز استعمال ما فيه منفعة للمرأة الْمُحِدَّة، من جنس ما مُنِعت منه، إذا لم يكن للتزيُّن، أو التطيُّب، كالتدهُّن بالزيت في شعر الرأس، أو غيره.
14. في قوله: «ولا تمسُّ طِيبًا إلا إذا طهرت نُبذةً من قُسط أو أظفار» ترخيص لها في هذا عند الاغتسال من الحَيض لقَطْعِ الروائح الكريهة، والتنظُّف، لا على معنى التطيُّب والتزيُّن، وظاهرُه: أنها تتبخَّر بذلك [9].
15. في الحديث النهي عن لُبْس جميع الثياب المصبوغة للزينة إلا ثوبَ العَصْب.
16. أجمع العلماء على أنه لا يجوز للحادَّة لُبْسُ الثياب المعصْفَرة والمصبَغة، إلا ما صُبغ بسَوَاد، فرخَّص بعض العلماء – كمالك والشافعيِّ - بالمصبوغ بالسواد، وكَرِهه بعضهم كالزُّهْريِّ، والأصحُّ عند الشافعية تحريمُه مطلَقًا، وهذا الحديثُ حُجَّةٌ لمن أجازه [10]. وكَرِه عروة والشافعيُّ العَصْبَ وهي بُرود اليمن، يُعصَب غزلها ثم يُصبَغ معصوبًا، ثم يُنسَج فيتوشَّى. وأجاز ذلك الزهريُّ لها، وأجاز مالك غليظه [11].
17. قوله: «ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عصب» إشارةٌ إلى خَشِن الثياب، وما لا كثير زينة فيه من المصبوغ [12].
18. قال ابن المنذر: ورخَّص كلُّ مَن يُحفَظ عنه العلم في البياض [13].
19. ذهب الشافعيُّ إلى أن كلَّ صِبغ زينةٌ فلا تَلبَسه الحادَّة، غليظًا كان أو رقيقًا [14].
1. "شرح النوويِّ على مسلم" (10/ 113)
2. "الكاشف عن حقائق السنن" للطيبيِّ (7/ 2371).
3. "الكاشف عن حقائق السنن" للطيبيِّ (7/ 2371).
4. رواه البخاريُّ (1280)، ومسلم (1486).
5. "الكاشف عن حقائق السنن" للطيبيِّ (7/ 2371).
6. "الكاشف عن حقائق السنن" للطيبيِّ (7/ 2371).
7. "الموطَّأ" (1757).
شرح النوويِّ على مسلم" (10/ 118).
8. "شرح النوويِّ على مسلم" (10/ 114).
9. "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبيِّ (4/ 289) بتصرُّف.
10. "شرح النوويِّ على مسلم" (10/ 118).
11. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (5/ 74).
12. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (5/ 74).
13. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (5/ 74).
14. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (5/ 74).
الفوائد اللغوية
20. «لَا تُحِدُّ» بضم الدال رفعًا على أن (لا) نافيةٌ، فتكون بصيغة النفي ومعناها النَّهْيُ، ويجوز جَزْمُها على أن (لا) ناهية. «لَا تُحِدَّ»، وفُتحت الدال مع أنها مجزومة بالسكون بسبب تشديدها، فتُعرَب بسكون مقدَّر، ويجوز في اللغة فكُّ الإدغام عند الجزم، فتصير (لا تُحْدِدْ).
21. يجوز «لَا تُحِدُّ»، من الفعل الرباعيِّ، فالمرأة (أَحَدَّتْ)؛ أي: امتنعت عن الزينة والْخِضَاب بعد وفاة زَوجها، فهي (مُحِدٌّ)، ويجوز «لَا تَحُدُّ» من الثلاثيِّ، (حَدَّتْ) تَحُدُّ وتَحِدُّ، بضمِّ الحاء وكسرها [1].
22. «وَلَا تَلْبَسُ»: بالرفع على أن (لا) نافية، فتكون بصيغة النفي ومعناها النَّهْيُ، ويجوز جَزْمُها بالسكون على أن (لا) ناهية [2].
23. «ثَوْب عَصْبٍ»: بُرُودٌ يَمَنِيَّة يُعصَب غَزْلُها؛ أي: يُجمَع ويُشَدُّ ثم يُصْبَغ ويُنشَر فيبقى مُوَشًّى لبقاء ما عُصِب منه أبيضَ لم يَأْخُذْه الصَّبْغُ [3].
24. «نُبْذة»: النُّبذة: الشيء اليسير، وأُدخِل فيه الهاء لأنه بمعنى القطعة.
25. «قُسط»: هو نوع من الطِّيب، وقيل: هو العود الهنديُّ، والقُسْطُ عقَّار معروف في الأدوية طيِّب الريح، تبخَّر به النساء والأطفال.
26. «أو أظفار»: جنس من الطِّيب، وقيل: هو شيءٌ من العطر أسودُ، والقطعة منه شبيهة بالظُّفر.
1. "مختار الصحاح" للرازيِّ (ص: 68).
2. "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (5/ 2183).
3. "سبل السلام" للصنعانيِّ (2/ 291).