عن معاويةَ، قال: قال رسول الله ﷺ: «مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ، وإنَّما أنا قاسمٌ، واللهُ يُعطِي، ولن تزالَ هذه الأُمَّة قائمةً على أمر الله، لا يَضرُّهم مَن خالَفَهم، حتى يأتيَ أمرُ الله».
عن معاويةَ، قال: قال رسول الله ﷺ: «مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ، وإنَّما أنا قاسمٌ، واللهُ يُعطِي، ولن تزالَ هذه الأُمَّة قائمةً على أمر الله، لا يَضرُّهم مَن خالَفَهم، حتى يأتيَ أمرُ الله».
1. في الحديث إشارة إلى أن خَيرَ ما اشتغل به العبدُ بعد أداءِ ما افترَض اللهُ عليه: تعلُّمُ العلم النافع، وتعليمُه للناس.
2. في الحديث إشارة إلى أن العلم النافع درجاتٌ، وأعلى درجات العلم عِلمُ الشريعة والفِقه في دِين الله عزَّ وجلَّ.
3. في الحديث بيان أن من علامات إرادة الله الخير بالعبد أن يَرزُقه الله تعالى الفقهَ في الدِّين.
4. في الحديث بيان فضل العلماء على سائر الناس، وفضل الفِقه في الدِّين على سائر العلوم؛ لأنه يؤدِّي إلى خشية الله، والتزام طاعته، وتجنُّب معاصيه؛ قال الله تعالى:
{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}
[فاطر: 28]
5. ليس المقصود بالفقه في الحديث كثرةَ حفظ المسائل والأحكام وجمعها؛ فكمْ من حافظٍ للمسائل وجامعٍ للأحكام وهو غيرُ فقيهٍ، يُخطئ التقديرَ، ويُنزل الحكمَ في غير موضعه، ولا يُوفَّقُ للصواب![1]
6. في الحديث إشارة إلى أن مَن لم يتفقَّهْ في الدين – أي: يتعلَّم - فقد حُرِم الخيرَ[2].
7. في الحديث البِشارةُ ببقاء الإسلام وعزَّته إلى قيام الساعة، ببقاء فئة ثابتةٍ على الحقِّ إلى أن يأتيَ أمر الله.
8. في الحديث إشارة إلى أن أمَّة النبيِّ ﷺ هي آخِرُ الأمم، وأن عليها تقوم الساعة، وإن ظهرت أشراطها، وضَعُف الدين، فلابدَّ أن يبقى من أمَّته من يقوم به[3].
9. لا معارضة بين الحديث وأن الساعة تقوم على شرار الناس؛ بل يحقِّق بعضها بعضًا، وذلك أن هذه الأحاديث خَرَج لفظها على العموم، والمراد منها الخصوص، ومعناه: لا تقوم الساعة على أحدٍ يُوحِّد الله إلا بموضع كذا، فإن به طائفة على الحقِّ، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس بموضع كذا؛ لأن حديث معاوية ثابت، ولا يجوز أن تكون الطائفة القائمة بالحقِّ التي توحِّد الله التي هي شرار الناس؛ فثَبَت أن الموصوفين بأنهم شرار الناس غير الموصوفين بأنهم على الحقِّ مقيمون[4].
10. الاجتهادُ ليس هو أمرًا واحدًا لا يَقبَل التَّجْزيء والانقسام؛ بل قد يكون الرّجلُ مجتهدًا في فنٍّ أو باب أو مسألة دون فنٍّ وباب ومسألة، وكلُّ أحد فاجتهاده بحسب وُسْعه[5].
11. قوله ﷺ: «ولن تزال»؛ أي: لا يخلو زمان إلا وتوجد فيه تلك الطائفة القائمة على الحقِّ، لا أنهم يَكثُرون في كلِّ زمان، ولا أنهم يَغلِبون على من سِواهم كما سبق إلى بعض الأفهام[6].
12. بدأ ﷺ الحديث بوصف الله - عزَّ وجلَّ - بالإرادة، وإرادةُ الله تعالى عند أهل السُّنة نوعانِ، دلَّ عليهما الكتابُ والسُّنَّةُ؛ إحداهما: بمعنى المشيئة الكَوْنيَّة القَدَرية، والثانية: الإرادة الدينية الشرعية، والفرقُ بينهما: أن الإرادة الكونية القَدَرية شاملةٌ لكلِّ شيء لا فرْقَ فيها بين ما يحبُّه اللهُ وما يُبغضه، ولا بد َّمن وقوع ما تقتضيه، ومنها قوله تعالى:
﴿َفعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾
[البروج: 16]
وقوله تعالى:
﴿وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ ۚ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾
[هود: 34]
وأما الإرادةُ الدينيةُ الشرعيةُ فهي خاصَّةٌ فيما يحبُّه اللهُ ويرضاه لعباده، ولا يلزم وقوعُ ذلك، ومنه قوله تعالى:
﴿ُيرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾
[البقرة: 185]
ومن السُّنة قوله ﷺ:
«مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ»
[1].
13. قال ﷺ: «واللهُ يُعطِي»، ولم يقل: مُعْطٍ (بصيغة اسم الفاعل)؛ لأن إعطاءَه تعالى متجدِّد ساعةً فساعةً[1].
14. جاء قوله ﷺ: «خَيرًا» نكرةً ليَعُمَّ أنواع الخير كلَّها، وليشمل القليل والكثير منه، والتنكيرُ للتعظيم أيضًا؛ لأن المقام يَقتضيه.