عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبيُّ ﷺ: «مَن حَجَّ هذا البيتَ فلم يَرفُثْ، ولم يفسُقْ، رجَعَ كيومِ ولَدَتْهُ أمُّهُ
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبيُّ ﷺ: «مَن حَجَّ هذا البيتَ فلم يَرفُثْ، ولم يفسُقْ، رجَعَ كيومِ ولَدَتْهُ أمُّهُ
1. من صحَّت له حَجَّته وسَلِمت له، صحَّ له سائر عمره [1].
2. الحجُّ ميزان العمر [2].
3. إن الحجَّ صورة مصغَّرة عن يوم الحشر، كلُّ واحد من الحجيج مشغول بنفسه، يدعو ويذكر ويلبِّي، والقلوبُ متعلِّقة بربِّها، وعنت الوجوه والجوارح للحيِّ القيُّوم، والنُّفوس تسمو في سماء الطاعة، وشخصت الأبصار في اتجاه السماء، وتلهج الألسنة والقلوب والأرواح: لبَّيكَ اللهمَّ لبَّيك؛ فما أعظمَه من موقف، وما أروعَه من مشهد!
4. إياك وحقوقَ العباد؛ فإن كل الذنوب في حقِّ الله مهما كانت في مشيئته تعالى، يغفرها إن شاء، أما حقوق العباد فلا تسقط أبدًا، إما الأداء أو الترضية.
5. احرص على مكارم الأخلاق؛ فإنها سببٌ في قَبول العمل وردِّه.
6. اعلم أنه كما أن للأبدان حَجًّا فللقلوب حجًّا؛ فإنها تنهض بأقدام العزائم، وتمتطي غواربَ الشوق، وتفارق كل محبوب للنفْس، وتُصابر في الطريق شدَّة الجهد، وتَرِدُ مناهل الوفاء لا غُدْرَان الغدر، فإذا وصلت إلى ميقات الوصل، نزعت مَخِيط الآمال الدنيوية، واغتسلت من عَيْنِ العَيْنِ، ونزلت بعرفات العِرْفان، ولَبَّتْ إذ لَبَّتْ من لُبَاب اللُّبِّ، ثم طافت حول الإجلال، وسعَتْ بين صفا الصفا ومروة المروءة، فرمت جِمارَ الهوى بأحجار، فوصلت إلى قُرب الحبيب [3].
7. إذا كان الحجُّ المبرورُ جزاؤه الجنةُ، فآيةُ ذلك أن يرجِع الحاجُّ زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة [4].
8. إذا كان جزاءُ الحج المغفرةَ، فآيةُ ذلك أن يَدَع الحاجُّ سيِّئَ ما كان عليه من العمل [5].
9. المقصود من النهي عن الرفث والفسوق والجدال ترك كلِّ ما ينافي التجرُّد لله في هذه الفترة، والارتفاع على دواعي الأرض، والرياضة الروحية على التعلُّق بالله دون سواه، والتأدُّب الواجب في بيته الحرام لمن قصد إليه متجرِّدًا حتى من مَخيط الثياب!
10. إن للحجِّ حِكمًا عالية، ومقاصدَ نافعة، ففيه يتعارف المسلمون، ويَجتمعون فيه على اختلاف شعوبهم وطبقاتهم وأوطانهم وألسنتهم وألوانهم، يلتقي المسلم بإخوانه المسلمين، فتلتقي القلوب، وتزداد المحبة والمودَّة والائتلاف.
11. إن في الحج تذكيرًا بالدَّار الآخرة، وتشبيهًا بها في أمور كثيرة؛ حيث يصوِّر الحج ذلك تصويرًا عجيبًا، فالميت ينتقل من دار الدُّنيا إلى دار الآخرة، والحاج ينتقل من بلادٍ إلى أخرى، والميت يُجرَّد من ثيابه ليُكفَّن في ثياب بيضاء، والحاج يتجرَّد من المخيط ليلبس إزارًا ورداء أبيضين نظيفين، والميت يُغسَّل بعد تجريده من ثيابه، والحاجُّ يغتسل عند ميقاته ويُحرِم، والأموات يُحشرون سواء، وكذا الحجَّاج يقفون سواء دون تمييز، وهلم جرًّا.
12. فَفِي رَبْعِهِمْ لِلَّهِ بَيْتٌ مُبَارَكٌ = إِلَيْهِ قُلُوبُ الْخَلْقِ تَهْوِي وَتَهْوَاهُ
يَطُوفُ بِهِ الْجَانِي فَيُغْفَرُ ذَنْبُهُ = وَيَسْقُطُ عَنْهُ جُرْمُهُ وَخَطَايَاهُ
فَكَمْ لَذَّةٍ كَمْ فَرْحَةٍ لِطَوَافِهِ = فَلِلَّهِ مَا أَحْلَى الطَّوَافَ وَأَهْنَاهُ
نَطُوفُ كَأَنَّا فِي الْجِنَانِ نَطُوفُهَا = وَلا هَمَّ لا غَمَّ فَذَاكَ نَفَيْنَاهُ
13. فلِلَّهِ كمْ مِن عَبْرةٍ مُهَرَاقةٍ = وأخرى على آثارِها لا تَقَدَّمُ
وَقدْ شَرِقتْ عينُ الْمُحِبِّ بدَمْعِها = فينظرُ مِن بينِ الدُّموعِ ويَسْجُمُ
إذا عَايَنَتْهُ العَيْنُ زالَ ظلامُها = وزالَ عن القلبِ الكئيبِ التألُّمُ
ولا يَعْرِفُ الطرْفُ الْمُعايِنُ حُسْنَهُ = إلى أن يعودَ الطَّرْفُ والشَّوْقُ أعْظمُ
14. إِلَيْكَ إِلَهِي قَدْ أَتَيْتُ مُلَبِّيَا = فَبَارِكْ إِلَهِي حَجَّتِي وَدُعَائِيَا
قَصَدْتُكَ مُضْطَرًّا وَجِئْتُكَ بَاكِيًا = وَحَاشَاكَ رَبِّي أَنْ تَرُدَّ بُكَائِيَا
كَفَانِيَ فَخْرًا أَنَّنِي لَكَ عَابِدٌ = فَيَا فَرْحَتِي إِنْ صِرْتُ عَبْدًا مُوَالِيَا
إِلَهِي فَأَنْتَ اللَّهُ لا شَيْءَ مِثْلُهُ = فَأَفْعِمْ فُؤَادِي حِكْمَةً وَمَعَانِيَا
أَتَيْتُ بِلا زَادٍ وَجُودُكَ مَطْعَمِي = وَمَا خَابَ مَنْ يَهْفُو لِجُودِكَ سَاعِيَا
إِلَيْكَ إِلَهِي قَدْ حَضَرْتُ مُؤَمِّلاً = خَلاصَ فُؤَادِي مِنْ ذُنُوبِي مُلَبِّيَا
1. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (1/ 386).
2. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (1/ 386).
3. "التبصرة" لابن الجوزيِّ (2/ 262).
4. "لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 62).
5. "لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 62).