عنْ أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَاإِلَى صُوَرِكُمْ؛ لَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ». وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ»
عنْ أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَاإِلَى صُوَرِكُمْ؛ لَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ». وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ»
1. الاهتمام بتصحيح القلب وتسديده أَوْلى ما اعتمد عليه السالكون، والنَّظَر في أمراضه وعلاجها أهمُّ ما تنسَّك به الناسِكون؛ فإن القلب لهذه الأعضاء كالْمَلِك المتصرِّف في الجنود، الذي تَصدُر كلُّها عن أمره، ويستعملها فيما شاء، فكلُّها تحت عبوديَّته وقهرِه، وتكتسب منه الاستقامةَ والزَّيغ، وتَتْبَعه فيما يريد، فهو مَلِكُها، وهي المنفِّذة لما يَأمُرها به[1]
2. من كان لله أتقى، كان من الله أقربَ، وكان عند الله أكرمَ؛ فلا تَفتخِرْ بمالك، ولا بجمالك، ولا ببدنك، ولا بأولادك، ولا بقصورك، ولا سيَّاراتك، ولا بشيء من هذه الدنيا أبدًا؛ إنما إذا وفَّقك الله للتقوى، فهذا من فضل الله عليك، فاحمَدِ الله عليه[2]
3. محلُّ التقوى والفجور القلب؛ فيجب علينا أن نعتنيَ بالقلب، وننظر أين ذهب، وأين حلَّ؛ حتى نُطَهِّرهُ ونُصفِّيَه[3]
4. تَجِد رجلين يصلِّيانِ في صفٍّ واحد، مقتدَيْنِ بإمام واحد، يكون بين صلاتَيْهِما كما بين الْمَشرِق والمغرب؛ لأن القلب مختلِفٌ، أحدُهما قلبه غافل؛ بل ربما يكون مُرائيًا في صلاته يريد بها الدنيا، والآخَرُ قلبُه حاضر يريد بصلاته وجهَ الله واتِّباع سنَّة رسول الله ﷺ ، فبينهما فرقٌ عظيم[4]
5. لَمَّا عَلِم عدوُّ الله إبليسُ أن الْمَدَار على القلب، والاعتمادَ عليه، أَجلَب عليه بالوَساوس، وأَقبَل بوجوه الشَّهوات إليه، وزيَّن له من الأقوال والأعمال ما يصدُّه عن الطريق، وأَمَدَّه من أسباب الغيِّ بما يَقطَعه عن أسباب التوفيق، ونَصَبَ له من المصايد والحبائل ما إن سَلِم من الوقوع فيها، لم يَسلَم من أن يَحصُل له بها التعْوِيق[5]
6.لا نجاةَ من مصايد الشيطان ومكايده إلا بدوام الاستعانة بالله تعالى، والتعريض لأسباب مَرْضَاته، والْتِجَاء القلب إليه، وإقباله عليه في حركاته وسَكناته، والتحقُّق بذُلِّ العُبودية الذى هو أولى ما تلبَّس به الإنسان؛ ليَحصُل له الدخول في ضمان:
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ
[الحجر: 42]
فهذه الإضافة هي القاطعة بين العبد وبين الشياطين، وحصولُها يسبِّب تحقيق مقام العبودية لربِّ العالمين[6]
7. إذا أُشرب القلبُ العبوديةَ والإخلاص صار عند الله من المقرَّبين، وشَمِله استثنا:
إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ
[الحجر: 40] [7]
8. الْقلب مَلِك والأعضاء جُنُوده، فإذا طَابَ الْمَلِك طابت جُنُوده، وَإِذا خَبُث الْمَلِك خَبُثت جُنُوده[8]
9. متى رأيتَ القلبَ قد ترحَّل عنه حبُّ الله، والاستعدادُ للقائه، وحلَّ فيه حبُّ المخلوق، والرضا بالحياة الدنيا، والطمأنينة بها، فاعلم أنه قد خُسِف به[9]
10. متى أَقحَطت العينُ من البكاء من خشية الله تعالى، فاعلم أن قَحْطَها من قسوة القلب، وأبعدُ القلوبِ من الله القلبُ القاسي[10]
11. القلب يَمرَض كما يمرض البَدَن، وشفاؤه في التوبة، ويصدأ كما تصدأ الْمِرآة، وجِلاؤه بالذِّكر، ويَعرى كما يعرى الجسم، وزينتُه التقوى، ويجوع ويظمأ كما يجوع البدن، وطعامُه وشرابه المعرفةُ والمحبَّة، والتوكُّل، والإنابة، والخِدمة[11]
12. الله سبحانه الذي جَعَل بعض القلوب مُخْبِتًا إليه، وبعضَها قاسيًا، وجعل للقسوة آثارًا، وللإخبات آثارًا، فمن آثار القسوة: تحريفُ الكَلِم عن مواضعه، وذلك من سوء الفَهم، وسوء القصد، وكلاهما ناشئ عن قسوة القلب، ومنها نسيانُ ما ذكِّر به، وهو تركُ ما أُمِر به علمًا وعملًا، ومن آثار الإخبات: وجَلُ القلوب لذكره سبحانه، والصبر على أقداره، والإخلاص في عبوديته، والإحسان إلى خلقه[12]
13. ليس أَرْوَحُ للمرء، ولا أطرد لهمومه، ولا أقرُّ لعينه، من أن يعيش سليم القلب، مبرَّأ من وساوس الضغينة، وثوران الأحقاد، إذا رأى نعمة تنساق لأحد رَضِيَ بها، وأحسَّ فضل الله فيها، وفقر عباده إليها. وإذا رأى أذًى يلحق أحدًا من خلق الله، رثى له، ورجا الله أن يفرِّج كربه، ويغفر ذنبه[13]
14.يحيا المسلم سليم القلب ناصعَ الصفحة، راضيًا عن الله وعن الحياة، مستريح النفس من نزعات الحقد الأعمى؛ فإنَّ فساد القلب بالضغائن داءٌ عَيَاء، وما أسرعَ أن يتسرَّب الإيمان من القلب المغشوش، كما يتسرَّب السائل من الإناء المثلوم![14]
15. إن القلب القاسيَ لا يَقبَل الحقَّ، وإن كَثُرت دلائله.
16. إن الإنسان يُضاعَفُ أجرُه وثوابُه على قدر نيَّاته، فمن دَخَل إلى مسجد يريد الصلاة ونَوَى بدخوله انتظارَ الصلاة واعتكافًا في المسجد، وذِكْرَ الله، وكفَّ جوارِحِه عن المعاصي، وخَلْوةً مع الله - فإنه يُثاب على هذه النيَّات كلِّها.
17. قال الفُضيل في
قوله تعالى:
لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا
[الملك: 2]،
قال: أَخْلَصُه وأَصوَبه. وقال: إنّ العمل إذا كان خالصًا، ولم يكن صَوَابًا، لم يُقبَل، وإذا كان صوابًا، ولم يكن خالصًا، لم يُقبَل حتّى يكون خالصًا وصوابًا. قال: والخالص إذا كان للّه عزّ وجلّ، والصَّواب إذا كان على السُّنَّة[15]
18. من نوى الخير ولم يستطع تنفيذه لعُذر، كُتب له أجره.
19. بالنيَّة الصالحة تتحوَّل العادات إلى عبادات.
20. الخير كلُّه في إصلاح النيَّات.
21. إيَّاكَ والشِّرك الخفيَّ؛ فالرياءُ يُحبط الأعمال، ويحوِّل عظائم العبادات إلى مُهلِكات.
22. الإنسان قد يجتهد ويَبذُل كثيرًا من المشقَّة يَقصِد بذلك غيرَ وجه الله، فيكون عمله محبَطًا، وسببًا في هلاكه.
23. رُبَّ عملٍ صالح أُريد به ثناءُ الناس واستحسانهم لعمله، كان سببًا في هلاك صاحبه ودخوله النارَ؛ فأوَّل من تُسعَّر بهم النار: رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، حيث قاتل ليقال عنه: جَرِيءٌ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ ليُقال عنه: عَالِمٌ، ورجُلٌ يُنفِق ليُقال عنه: هو جَوَادٌ، وقد قيل.
24. الله عزَّ وجلَّ لا يَقبَل من العمل إلا ما أُريد به وجهُه، فـ"قولوا لمن لم يكن صادقًا: لا تَتعَب"[16]
25. اعلم أن عون الله تعالى للعبد على قدر النيَّة، فمن تمَّت نيَّته، تمَّ عَوْنُ الله له، وإن نَقَصت نَقَص بقَدْرِه[17]
26. تَعلَّمِ النِّيَّةَ؛ فإنها أبلغُ من العمل[18]
27. انو في كلِّ شيء تُريده الخير، حتى في الطعام والشراب.
28. إن الخير كلَّه إنما يَجمَعه حُسْنُ النِّيَّةِ، وكَفاكَ بها خيرًا وإن لم تَتعب[19]
29. الْبِرُّ هِمَّةُ التَّقِيِّ، ولو تعلَّقت جميع جوارحه بحبِّ الدنيا، لردَّته يومًا نِيَّتُه إلى أصله[20]
30. تخليص النّيّة من فسادها أشدُّ على العاملين من طول الاجتهاد[21]
31. صلاحُ القلب بصلاح العمل، وصلاحُ العمل بصلاح النّيَّة.
32. مَن سرَّه أن يَكمُل له عمله، فليُحسِن نيَّته؛ فإنّ اللّه عزّ وجلّ يَأجُر العبد إذا حَسُنَت نيَّته، حتّى باللُّقْمة[22]
33. رُبَّ عملٍ صغيرٍ تعظِّمه النّيَّة، وربَّ عَمل كبير تصغِّره النّيَّة[23]
34. لا يَصلُح العمل إلّا بثلاث: التّقوى للّه، والنّيَّةِ الحسنة، والإصابةِ[24]
35. إنّما يريد اللّه عزّ وجلّ منك نيَّتَك وإرادتك[25]
36. أفضل الأعمال أَدَاءُ ما افترض اللّه عزّ وجلّ، والوَرَعُ عمّا حرَّم اللّه عزّ وجلّ، وصِدْقُ النّيَّة فيما عند اللّه عزّ وجلّ[26]
37. كان السلف الصالح يتفاضلون بنيَّاتهم ومقاصدهم وما وَقَر في قلوبهم، ولم يكونوا يتفاضلون بالصَّوم والصلاة.
38. يُثاب المرء بقَدْر نيَّته.
39. النية الصالحة تعظِّم من العمل الصغير، والنية الفاسدة تحقِّر من العمل الكبير.
40. إصلاح النية يحتاج إلى جهدٍ ومِران.
41. لا تُقبَل الأعمال إلا بالإخلاص، وموافقتِها للكتاب والسنَّة.
42. الوساوس والخواطر التي تَرِد على القلب لا تؤثِّر على النيَّة ما لم تتغيَّر.
43. الحذرَ كلَّ الحذر من الدنيا، وتوجُّه قلبكَ إليها، ونسيان الآخرة.
44. قريحُ القلبِ من وجَعِ الذُّنُوبِ = نَحِيلُ الجِسْمِ يَشْهَقُ بالنَّحِيبِ
أضرَّ بجسمِهِ سَهَرُ الليالي = فصارَ الجِسْمُ منه كالقضيبِ
وغيَّرَ لونَهُ خوفٌ شديدٌ = لِما يلقاهُ من طولِ الكُر
وبِينادي بالتضرُّعِ يا إلهي = أقِلني عَثْرتي واسْتُر عُيوبيِ
45. إِذَا شِئْتَ أَنْ تُدْعَى كَرِيمًا مُهَذَّبًا = تَقِيًّا سَرِيًّا مَاجِدًا فَطِنًا حُرَّا
فَكُنْ مُخْلِصًا للهِ جَلَّ جَلالُهُ = وَكَنْ تَابِعًا لِلْمُصْطَفَى تُحْرِزِ الأَجْرَا
46. قلوبُ الْمُخلِصينَ لها عيونٌ = تَرَى ما لا يراه الناظر
ونَو أجنحةٌ تطيرُ بغيرِ ريشٍ = إلى ملكوت ربِّ العالم ينَفَتَسْقِيها
شرابَ الصِّدْق صِرْفًا = وتَشرَب مِن كؤوس العارفينَ
47. لَعَمْرُكَ إن المجدَ والفخر والعُلا = ونَيْلَ الأمانِي واكتسابَ الفضائلِ
لِمَنْ يُخلِصُ الأعمال لله وحدَهُ = ويُكثِرُ مِن ذكرٍ له في المنازل
48. إذا السرُّ والإعلان في المؤمن استوى = فقد عزَّ في الدارينِ واستوجب الثَّنَـا
فإن خـالَفَ الإعلانُ سِــرًّا فما له = على سَعْيِه فضلٌ سوى الكَدِّ والعَنَل
49. ما سُمِّيَ القلب إلَّا من تَقَلُّبِه = فاحذَرْ على القلبِ من قَلْبٍ وتحويلِ
50. رَأَيْتُ الذُّنوبَ تُمِيتُ القلوبَ = وقد يُورِثُ الذُّلَّ إِدْمَانُها
وَتَرْكُ الذُّنوبِ حَيَاةُ القلوبِ = وخيرٌ لنفسِكَ عِصْيَانُها