عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي اللَّه عنهمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ»

فوائد الحديث

الفوائد العلمية
  1. في الحديث ذمُّ التفريق بين الزوجين، وتعظيم أمر الفراق والطلاق، وضرره وفتنته، وعظيم الإثم في السعي فيه.

  2. الشيطان عدوٌّ لَدُود للإنسان، يقف له بالمرصاد في حياته وأفعاله، ويَعرِض له في حركاته وسَكَناته، يَسعَى لإهلاك الإنسان، وإفساد آخرته بدنياه، وفتنته وإضلاله، وإبعاده عن طريق الهدى والإيمان؛

    عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:

    «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ»

    [1].

  3. أَمَرَنا الله تعالى أن نتَّخِذ الشيطان عدوًّا؛

    قال تعالى:

    ﴿إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُۥ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ﴾

    [فاطر: 6].

  4. عداوةُ الشيطان للإنسان منذ أن خَلَق الله آدمَ - عليه السلامُ - بيده، ونَفَخ فيه من روحه، ثم أمر الملائكة بالسجود له، فسجد الملائكة، ورَفَض الشيطان أن يَسجُد حسَدًا وحِقدًا وكُرهًا لآدمَ؛

    قال تعالى:

    ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰٓئِكَةِ ٱسْجُدُوا لِأَدَمَ فَسَجَدُوٓا إِلَّآ إِبْلِيسَ قَالَ ءَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا﴾

    [الإسراء: 61].

  5. إن مداخل الشيطان للإنسان كثيرةٌ جدًّا، منها: الوسوسة، والتَّحريشُ، وإيقاعُ العَدَاوة بين المسلمين، والصَّدُّ عن ذكْر الله، والغَضَبُ، والشَّهوة، والعَجَلة، وترْك التثبُّت، والتكاسُل في الطاعات، وارتكابُ المحرَّمات، والحَسَدُ، والتعصُّبُ للهوى والمذاهب، ومُشارَكة الإنسان في أهله وطعامه ومَبيِته... إلخ.

  6. في الحديث بيان صفة الكِبْر الملازمة لإبليس؛ حتى إنه يجلس على عرشه ويتكبَّر على جنوده وأعوانه.

  7. يَحتمِل قوله ﷺ: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ» أن يكون سَريرًا حقيقةً، يَضعُه على الماء، ويَجلِس عليه، وهذا هو الصحيح، ويَحتمِل كونَه تمثيلًا لتَفَرْعُنه، وشدَّة عُتُوِّه، ونفوذ أمره بين سراياه، وجيوشه [2].

  8. قول إبليس اللعين: «نعم أنت»؛ أي: أنتَ الذي جئتَ بالأمر العظيم، وأنتَ الذي أغنَيْتَ عنِّي، وأنت صاحب المكانة والمنزلة عندي؛ فنِعْمَ العَوْنُ أنت؛ وذلك أن النكاح عقدٌ شرعيٌّ يستحلُّ به التزوُّج، وهو يريد حَلَّ ما عقده الشرع؛ ليستبيح ما حرَّمه فيَكثُر الزنا، وأولاد الزنا، فيُفسدوا في الأرض، ويهتكوا حدود الشرع، ويتعدَّوا حدود الله [3]..

  9. الإخبار بفرح إبليس في الحديث لِما في التفريق بين الزوجين من مَضَارَّ كثيرةٍ، منها: وقوعُ العَدَاوة والبغضاء والشحناء بين الزوجين وأهليهم، وفسادُ الأطفال، وانتشارُ سيِّئ الأخلاق، واحتمالُ كثرة وقوع الفاحشة، وغلبة أولاد الزنا، ولِمَا فيه من انقطاع النسل، وانصرام بني آدم، وتوقُّع وقوع الزنا الذي هو أعظمُ الكبائر فسادًا، وأكثرُها مَعَرَّةً [4].

المراجع

1. رواه البخاريُّ (2039)، ومسلم (2175).

2. "فيض القدير" للمناويِّ (2/ 408).

3. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (2/ 523).

4. "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" للولويِّ (43/ 500).


الفوائد الحديثية

10. بلغ مسند جابر بن عبد الله ألفًا وخمسمِائة وأربعين حديثًا، اتفق له الشيخان على ثمانية وخمسين حديثًا، وانفرد له البخاريُّ بستة وعشرين حديثًا، ومسلمٌ بمائة وستة وعشرين حديثًا [1].

المراجع

1.  "سير أعلام النبلاء" للذهبيِّ (3/194).



الفوائد اللغوية

11. يَظهَر أن استعمال هذه العبارة الهائلة - وهي قوله: "عرشه" - تهكُّمٌ، وسخرية؛ فإنها استُعمِلت في الجبَّار الذي لا يُغالَب

﴿وَكَانَ عَرْشُهُۥ عَلَى ٱلْمَآءِ﴾

[هود: 7]

والقَصْدُ أن إبليس مَسكَنُه البحر [1].

12. قوله: «يضع عرشه في الماء» يَحتمِل بأن يُجرى على ظاهره، ويكون من جُملة تمرُّده وطغيانه جَعَل عرشه على الماء؛

كما في قوله تعالى:

﴿وَكَانَ عَرْشُهُۥ عَلَى ٱلْمَآءِ﴾

[هود: 7]،

وأن يُجرى على الكناية الإيمائية، عبَّر عن استيلائه على إغوائه الخلقَ، وتسلُّطه على إضلالهم بهذه العبارة [2].

13. «السرايا» جمع سَريَّة، وهي طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تُبعَث إلى العدوِّ، سمُّوا بذلك؛ لأنهم يكونون خالصةَ العسكر وخيارَهم، من الشيء السَّرِيِّ النَّفِيس. وقيل: سُمُّوا بذلك؛ لأنهم يَنفُذون سرًّا وخُفْية، وليس بالوجه [3].

14. قوله: «فتنة»: الفتنة: الابتلاء والامتحان، وأصلُه من فتنتُ الفضَّة إذا أدخلتُها على النار؛ لتعرف جيِّدها من رديئها، وفُتِن فلانٌ بفلانة؛ أي: بُلِي بهواها، وسُمِّيت بها المعاصي [4].

15. «يجيء أحدهم» جملة مبيِّنة لقوله: «أعظمهم فتنة».


المراجع

1.  "فيض القدير" للمناويِّ (2/ 408). 

2. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (2/ 523).

3. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (2/ 523).

4. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (2/ 523).



مشاريع الأحاديث الكلية