عن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما، أن رسول الله ﷺ قال: «صلاةُ الجماعةِ أفضَلُ من صلاةِ الفَذِّ بسَبعٍ وعشرينَ دَرجةً»
عن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما، أن رسول الله ﷺ قال: «صلاةُ الجماعةِ أفضَلُ من صلاةِ الفَذِّ بسَبعٍ وعشرينَ دَرجةً»
1- شَرَع الله تعالى للمسلمين الاجتماع في أوقات معلومة، منها ما هو في اليوم والليلة كالصلوات الخمس، ومنها ما هو في الأسبوع، وهو صلاة الجمعة، ومنها ما هو في السنة وهو صلاة العيدين، والوقوف بعرفة للحجَّاج.
2- ما شرعه الله تعالى للمسلمين من الاجتماع هو عبادة لله تعالى، منه ما هو واجب، ومنه ما هو مستحبٌّ؛ فالتعبُّد لله تعالى بهذا الاجتماع يكون استجابةً لله والرسول، وطلبًا للأجر والثواب ورضا الله تعالى، وخوفًا من عقابه.
3- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ»[1]
4- خاض قوم في تعيين الأسباب المقتضِية للدرجات المذكورة؛ قال ابن الجوزيِّ: وما جاؤوا بطائل، وقال المحبُّ الطّبريُّ: ذكر بعضهم أنّ في حديث أبي هريرة إشارةً إلى بعض ذلك، ويُضاف إليه أمور أخرى وردت في ذلك، وقد فصَّلها ابن بطّال، وتَبِعه جماعة من الشّارحين، وتعقَّب الزَّيْن بن الْمُنير بعض ما ذَكَره، واختار تفصيلًا آخَرَ أَورَده[2]
5- مما ذُكر من الدرجات السبع والعشرين: إجابة المؤذِّن بنيَّة الصّلاة في الجماعة، والتّبكيرُ إليها في أوّل الوقت، والمشيُ إلى المسجد بالسَّكينة، ودخول المسجد داعيًا، وصلاة التّحيّة عند دخوله، وانتظارُ الجماعة، وصلاة الملائكة عليه واستغفارهم له، وشهادتهم له، وإجابة الإقامة، والسّلامة من الشّيطان حين يَفِرُّ عند الإقامة، والوقوف منتظرًا إحرام الإمام أو الدّخول معه في أيِّ هيئة وَجَده عليها، وإدراك تكبيرة الإحرام، وتسوية الصّفوف وسدُّ فُرَجِها، وجَوابُ الإمام عند قوله: سَمِع اللّه لمن حَمِده، والأمنُ من السَّهو غالبًا، وتنبيهُ الإمام إذا سها بالتّسبيح أو الفتح عليه، وحصولُ الخشوع والسّلامة عمَّا يُلهي غالبًا، وتحسين الهيئة غالبًا، واحتفاف الملائكة به، والتّدرُّب على تجويد القراءة وتعلُّم الأركان والأبعاض، وإظهار شعائر الإسلام، وإرغام الشّيطان بالاجتماع على العبادة، والتعاون على الطاعة، ونشاط المتكاسل، والسّلامة من صفة النّفاق ومن إساءة غيره الظّنَّ بأنّه تَرَك الصّلاة رأسًا، وردُّ السّلام على الإمام، والانتفاعُ باجتماعهم على الدّعاء والذّكر، وعود بركة الكامل على النّاقص، وقيام نظام الأُلفة بين الجيران وحصول تعاهدهم في أوقات الصّلوات، والإنصات عند قراءة الإمام، والاستماع لها، والتّأمين عند تأمينه؛ ليوافق تأمين الملائكة [3]
6- ما ذُكر من الدرجات هي أقوال تخمينيّة ليس عليها نصٌّ، والجزء والدّرجة بمعنًى واحدٍ هنا؛ لأنّه عبَّر بكلِّ واحد منهما عن الآخر، وقد ورد تفسيرهما بالصّلاة، وأنّ صلاة الجماعة بسبع وعشرين صلاةً فُرادى، والحديث حثَّ على الجماعة [4]
7- المراد بهذه الأجزاء والأضعاف والدَّرَج معنًى واحدٌ - واللهُ أعلم - وَهُوَ: أن صلاة الفذِّ لها ثوابٌ مقدَّر معلوم عِنْدَ الله، تزيد صلاة الجماعة عَلَى ثواب صلاة الفذِّ خمسة وعشرين أو سبعة وعشرين[5]
8- وجه الجمع لاختلاف الأحاديث في عدد الدرجات؛ إما لأن العدد القليل لا ينفي الكثير، أو أنه أُعلِم بالقليل أولاً، فأَعلَم به، ثم أُعلِم بالكثير فأَخبَر به، أو أن ذلك يختلف بحسب الصلاة، ومحافظة هيئتها، وخشوعها، وكثرة جماعتها، وشرف البُقعة، ونحو ذلك
الفوائد الفقهية
9- من أوضح الأدلّة على وجوب الجماعة
قولُه تعالى:
( وَإِذَا كُنتَ فِيهِمۡ فَأَقَمۡتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلۡتَقُمۡ طَآئِفَةٞ مِّنۡهُم مَّعَكَ)
[النساء: 102]
فآية صلاة الخوف هذه من أوضح الأدلّة على وجوب الجماعة؛ لأنّ الأمر بها في هذا الوقت الحَرِج دليل واضح على أنّها أمر لازم؛ إذ لو كانت غيرَ لازمة، لَما أَمَر بها في وقت الخوف؛ لأنّه عذر ظاهر[1]
10- الجماعة واجبة على الرجال، لا على النساء؛ ودليل عدم وجوبها على النساء حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌلَهُنَّ»[2]
11- أقلُّ الجماعة إمامٌ ومأموم، فلولا الإمامُ ما سُمِّي المأمومُ مأمومًا، وكذا عكسُه[3]
12-ةالحديث دليل على أن الجماعة غير شرط للصلاة، وإلا لم تكن صلاة الفذِّ ذاتَ درجة حتى تَفضُل عليها صلاة الجماعة بدرجات، والتمسُّك به على عدم وجوبها ضعيفٌ؛ إذ لا يلزم من عدم اشتراطها عدم وجوبها، ولا من جعلها سببًا لإحراز الفضل الوجوب؛ فإن غير الواجب أيضًا يوجب الفضل[4]
13- هذا الحديث ردٌّ على داودَ في قوله: إن من صلَّى فذًّا، وترك الجماعة، لا تُجزئه صلاته. ووجهُ الردِّ عليه: أنه ﷺ قال: «صلاة الجماعة أفضلُ من صلاة الفذِّ»، فشرَّك بينهما في الفضيلة، وذلك لا يكون إلا بعد الحُكم بصحة كلِّ صلاة منهما[5]
14- اختلف العلماء في هذا الفضل المضاف للجماعة: هل هو لأجل الجماعة فقط حيث كانت، أو إنما يكون ذلك الفضل للجماعة التي تكون في المسجد؛ لما يلازم ذلك من أفعال تختصُّ بالمساجد؛ كإكثار الخُطا إلى المساجد، وكتب الحسنات، ومحو السيئات بكل خُطوة، وانتظار الصلاة، ودعاء الملائكة، ومراعاة آداب دخول المسجد، إلى غير ذلك؟ والظاهر الأول؛ لأن الجماعة هو الوصف الذي عُلِّق عليه الحكم.
15- تأخير الصلاة في جماعة خيرٌ من التبكير بها فردًا، إلا أن يخاف فوات الوقت.
16- التفاوت في الدرجات إنما هو للذي لا عُذرَ له في ترك الجماعة؛ أما المعذور فيكتُب الله له مثلَ عمله الذي كان يعمله قبلَ طُروء العُذر.
الفوائد اللغوية
17- «صلاة الجماعة»: الإضافة فيه بمعنى (في)، والظرفية مجازية، أو بمعنى اللام.