عن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما، أن رسول الله ﷺ قال: «صلاةُ الجماعةِ أفضَلُ من صلاةِ الفَذِّ بسَبعٍ وعشرينَ دَرجةً»
عن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما، أن رسول الله ﷺ قال: «صلاةُ الجماعةِ أفضَلُ من صلاةِ الفَذِّ بسَبعٍ وعشرينَ دَرجةً»
الفذُّ: المنفردُ [1]
المعنى الإجماليُّ للحديث
يروي ابنُ عمرَ عن رسول الله ﷺ أنه قال: «صلاةُ الجماعةِ»؛ أي: صلاة المرء في جماعة، وأقلُّ الجماعة الإمام والمأموم. «أفضَلُ من صلاةِ الفَذِّ بسَبعٍ وعشرينَ دَرجةً»؛ أي: إنّ صلاة الجماعة تساوي صلاة المنفرِد، وتَزيد عليها سبعًا وعشرين درجةً، فيكون لمصلّي الجماعة ثوابُ ثمانٍ وعشرين من صلاة المنفرِد.
الشرح المفصَّل للحديثفي هذا الحديث بيانٌ لفضل صلاة الجماعة، وما فيها من الثواب والبركة؛ فإنها تَزيد على ثواب صلاة الرجُل منفردًا سبعًا وعشرين درجةً.
وقد حاول بعضُ العلماء بيانَ بعض تلك الدرجات، والأوجه التي تَفضُل بها الجماعةُ على صلاة الفرد، فذكروا أن منها ما ورد في السُّنَّة؛ كإجابة المؤذِّن، والتبكير إليها في أوَّل الوقت، والمشيِ إلى المسجد بسَكينة، ودخول المسجد داعيًا، وتحيَّة المسجد، وانتظار الجماعة، والدعاء بين الأذان والإقامة، وتسوية الصفوف، والتأمين خلفَ الإمام... [1]
وقد وردت أحاديثُ صحيحةٌ فيها أن صلاة الجماعة تَفضُل صلاةَ الفذِّ بخَمْس وعشرين درجةً، لا بسَبْعٍ وعشرين؛ فمنها ما رواه أبو هريرةرضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «صلاة الرجُل في الجماعة تَضعُف على صلاته في بيته، وفي سوقه، خَمْسًا وعشرين ضِعفًا؛ وذلك أنه إذا توضَّأ فأحسَنَ الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لا يُخرجه إلا الصلاة، لم يَخْطُ خُطوةً، إلا رُفِعَت له بها درجة، وحُطَّ عنه بها خطيئة، فإذا صلَّى، لم تَزَل الملائكة تُصلِّي عليه ما دام في مُصلَّاه: اللهمَّ صلِّ عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدُكم في صلاة ما انتظر الصلاةَ» [2]، وعن أبي سعيد الخُدريِّ رضي الله عنه، أنه سمع النبيَّ ﷺ يقول: «صلاة الجماعة تَفضُل صلاةَ الفذِّ بخمس وعشرين درجة» [3]
واختلف العلماء في الجمع بين العدَدَين على أقوال مختلفة؛ فقيل: إنَّ قومًا مُعيَّنين خوطبوا بكونها في حقِّهم تَزيد على الفذِّ خمسًا وعشرين، ولغيرهم سبعًا وعشرين، وقيل: إن الفضلَ الزائدَ للفَضل في الجماعة؛ فإن كانت جماعةً قليلةً كانت الزيادةُ خمسًا وعشرين، وإن كانت كثيرةً فسَبعًا وعشرين، وقيل: إن ذلك راجعٌ لأحوال المصلِّي؛ فإن كان في غاية من التحفُّظ من كمال الطهارة والخشوع ونحو ذلك، كانت تَفضُل صلاةَ الفرد سبعًا وعشرين درجةً، وإلا فخَمْس وعشرين، وقيل: السَّبع مختصٌّ بالعشاء والفجر، والخمس بغيرها، وقيل: السبع للجهرية، والخمس للسرِّية، وقيل: إن الحديث الذي فيه الخمس والعشرون هو السابق زمانًا؛ لأن الزيادة في الفضل ينبغي أن تكون آخرَ الأمرينِ؛ فإن الله سبحانه يَزيد عباده من فضله، ولا يَنقُصهم من الموعود شيئًا، فالنبيُّ ﷺ حثَّ المؤمنين بما ذكَر من الفضيلة على صلاة الجماعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه على ما تبيَّنَ له من أمر الله، ثم رأى أن الله تعالى مَنَّ عليه وعلى أمَّته بالزيادة على الموعود، وذلك بجزأينِ على ما في حديث ابن عمر رضي الله عنه، فبشَّرهم به، وحثَّهم عليه [4].
على أن النبيَّ ﷺ قد بشَّر مَن عجَز عن الجماعة لعُذرٍ من مرض أو نحوه أنَّ له مثلَ أجْره وهو سليمٌ صحيحٌ؛ فعن أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه، قال رسول الله ﷺ: «إذا مرِض العبدُ، أو سافر، كُتب له مِثلُ ما كان يعمَل مُقيمًا صحيحًا» [5]
وقد أفاد الحديثُ أن صلاة الجماعة ليست فرضًا على الأعيان؛ لكونه ﷺ فاضَلَ بينَها وبين صلاة الفذِّ؛ فسمَّى صلاةَ الفذِّ صلاةً، واعتَبَرها، وجعل لها فضلًا، وإن كانت مفضولةً، فإذا جازت صلاة الفَرْد وحدَه، بطَل أن يكون شهود صلاة الجماعة فرضًا [6]
النقول
قال ابن الأثير : "الفَذُّ: الواحد، وقد فذَّ الرجلُ عن أصحابه؛ إذا شذَّ عنهم وبقيَ فرْدًا"([1]
قال ابن حجر : "وظهر لي في الجمع بين العددين أنّ أقلَّ الجماعة إمام ومأموم، فلولا الإمامُ ما سُمِّيَ المأموم مأمومًا، وكذا عكسُه، فإذا تفضَّل اللّه على من صلّى جماعةً بزيادة خمس وعشرين درجةً، حُمل الخبر الوارد بلفظها على الفضل الزّائد، والخبر الوارد بلفظ سبع وعشرين على الأصل والفضل"[2]
قال ابن رجب : "والمراد بهذه الأجزاء والأضعاف والدَّرَج معنًى واحدٌ - واللهُ أعلم - وَهُوَ: أن صلاة الفذِّ لها ثوابٌ مقدَّر معلوم عِنْدَ الله، تزيد صلاة الجماعة عَلَى ثواب صلاة الفذِّ خمسة وعشرين أو سبعة وعشرين"[3]
قال الصنعانيُّ : "قال التّرمذيُّ: عامَّة من رواه قالوا: خمسًا وعشرين، إلّا ابنَ عمر، فقال: سبعةً وعشرين، وله رواية فيها (خمسًا وعشرين)، ولا منافاة؛ فإنّ مفهوم العدد غير مراد؛ فرواية الخمس والعشرين داخلة تحت رواية السّبع والعشرين، أو أنّه أخبر ﷺ بالأقلِّ عددًا أوّلًا، ثمّ أخبر بالأكثر، وأنّه زيادة تفضَّل اللّه بها، وقد زعم قوم أنّ السّبع محمولة على من صلّى في المسجد، والخمس لمن صلّى في غيره، وقيل: السّبع لبعيد المسجد، والخمس لقريبه، ومنهم من أبدى مناسباتٍ وتعليلات استوفاها المصنِّف في "فتح الباري"، وهي أقوال تخمينيّة ليس عليها نصٌّ، والجزء والدّرجة بمعنًى واحد هنا؛ لأنّه عبّر بكلِّ واحد منهما عن الآخر، وقد ورد تفسيرهما بالصّلاة، وأنّ صلاة الجماعة بسبع وعشرين صلاةً فُرادى، والحديث حثَّ على الجماعة"[4]
قال ابن حجر : "وقد خاض قوم في تعيين الأسباب المقتضية للدرجات المذكورة، قال ابن الجوزيِّ: وما جاؤوا بطائل، وقال المحبُّ الطّبريُّ: ذكر بعضهم أنّ في حديث أبي هريرة إشارةً إلى بعض ذلك، ويضاف إليه أمور أخرى وردت في ذلك، وقد فصَّلها ابن بطّال، وتبعه جماعة من الشّارحين، وتعقَّب الزَّيْن بنُ الْمُنير بعض ما ذكره، واختار تفصيلًا آخَرَ أورده، وقد نقَّحتُ ما وقفت عليه من ذلك، وحذفت ما لا يختصُّ بصلاة الجماعة، فأوّلها: إجابة المؤذِّن بنيّة الصّلاة في الجماعة، والتّبكيرُ إليها في أوّل الوقت، والمشيُ إلى المسجد بالسّكينة، ودخول المسجد داعيًا، وصلاة التّحيّة عند دخوله، كلُّ ذلك بنيّة الصّلاة في الجماعة، سادسُها: انتظار الجماعة، سابعها: صلاة الملائكة عليه واستغفارهم له، ثامنها: شهادتهم له، تاسعها: إجابة الإقامة، عاشرها: السّلامة من الشّيطان حين يَفِرُّ عند الإقامة، حاديَ عَشَرَها: الوقوف منتظرًا إحرام الإمام أو الدّخول معه في أيّ هيئة وجده عليها، ثانيَ عَشَرَها: إدراك تكبيرة الإحرام، كذلك ثالثَ عَشَرَها: تسوية الصّفوف وسدّ فرجها، رابعَ عَشَرَها: جواب الإمام عند قوله: سمع اللّه لمن حمده، خامسَ عَشَرَها: الأمن من السّهو غالبًا، وتنبيه الإمام إذا سها بالتّسبيح أو الفتح عليه، سادسَ عَشَرَها: حصول الخشوع والسّلامة عمّا يلهي غالبًا: سابعَ عَشَرَها: تحسين الهيئة غالبًا، ثامنَ عَشَرَها: احتفاف الملائكة به، تاسعَ عَشَرَها: التّدرُّب على تجويد القراءة وتعلُّم الأركان والأبعاض، العشرون: إظهار شعائر الإسلام، الحادي والعشرون: إرغام الشّيطان بالاجتماع على العبادة والتعاون على الطاعة ونشاط المتكاسل، الثّاني والعشرون: السّلامة من صفة النّفاق ومن إساءة غيره الظّنّ بأنّه ترك الصّلاة رأسًا، الثّالث والعشرون: ردّ السّلام على الإمام، الرّابع والعشرون: الانتفاع باجتماعهم على الدّعاء والذّكر وعود بركة الكامل على النّاقص، الخامس والعشرون: قيام نظام الألفة بين الجيران وحصول تعاهدهم في أوقات الصّلوات؛ فهذه خمس وعشرون خصلةً ورد في كلّ منها أمر أو ترغيب يخصُّه، وبَقِي منها أمران يختصَّان بالجهريّة، وهما الإنصات عند قراءة الإمام، والاستماع لها، والتّأمين عند تأمينه؛ ليوافق تأمين الملائكة، وبهذا يترجَّح أنّ السّبع تختصُّ بالجهريّة واللّه أعلم"[5]
قال المناويُّ : "قال القاضي: والحديث دليل على أن الجماعة غير شرط للصلاة، وإلا لم تكن صلاة الفذِّ ذات درجة حتى تفضل عليها صلاة الجماعة بدرجات، والتمسُّك به على عدم وجوبها ضعيفٌ؛ إذ لا يلزم من عدم اشتراطها عدم وجوبها، ولا من جعلها سببًا لإحراز الفضل الوجوب؛ فإن غير الواجب أيضًا يوجب الفضل"[6]
قال أبو العباس القرطبيُّ : "وقيل: إن هذا بحسب أحوال المصلين؛ فمن حافظ على آداب الجماعة، واشتدَّت عنايته بذلك، كان ثوابه سبعًا وعشرين، ومن نقص عن ذلك، كان ثوابه خمسًا وعشرين. وقيل: إنه راجع إلى أعيان الصلوات؛ كالصبح والعصر، أو ما شاء الله منها، فيكون على بعضها سبعًا وعشرين، وعلى بعضها خمسًا وعشرين، والله أعلم.
وهذا الحديث ردٌّ على داودَ في قوله: إن من صلَّى فذًّا، وترك الجماعة، لا تُجزئه صلاته. ووجهُ الردِّ عليه: أنه ﷺقال: «صلاة الجماعة أفضلُ من صلاة الفذِّ»، فشرَّك بينهما في الفضيلة، وذلك لا يكون إلا بعد الحُكم بصحة كلِّ صلاة منهما"[7]
قال ابن حجر : "يريد أنّ صلاة الجماعة تساوي صلاة المنفرد، وتَزيد عليها العدد المذكور، فيكون لمصلِّي الجماعة ثواب ستٍّ أو ثمانٍ وعشرين من صلاة المنفرد"[8]
قال ابن علان الصديقيُّ : "وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: «صلاة الجماعة» الإضافة فيه بمعنى (في)، والظرفية مجازية، أو بمعنى اللام «أفضل»؛ أي: أكثر ثوابًا، «من صلاة الفَذِّ»، قال في "المصباح": هو الواحد، وجمعه: فُذُوذ، «بسبع وعشرين درجة» لا ينافي هذا ما يأتي في الحديث بعدَه من أنها تضعف على غيرها خمسًا وعشرين؛ إما لأن العدد القليل لا ينفي الكثير، أو أنه أُعلِم بالقليل أولاً، فأَعلَم به، ثم أُعلِم بالكثير فأَخبَر به، أو أن ذلك يختلف بحسب كمال الصلاة، ومحافظة هيئتها، وخشوعها، وكثرة جماعتها، وشرف البُقعة، ونحو ذلك"[9]
قال أبو العباس القرطبيُّ : "وقد اختلف العلماء في هذا الفضل المضاف للجماعة: هل هو لأجل الجماعة فقط حيث كانت، أو إنما يكون ذلك الفضل للجماعة التي تكون في المسجد؟ لما يلازم ذلك من أفعال تختصُّ بالمساجد؛ كإكثار الخُطا إلى المساجد، وكتب الحسنات، ومحو السيئات بكل خُطوة، وانتظار الصلاة، ودعاء الملائكة، ومراعاة آداب دخول المسجد، إلى غير ذلك؟ والظاهر الأول؛ لأن الجماعة هو الوصف الذي عُلِّق عليه الحكم، ثم إذا قلنا: ذلك لأجل الجماعة، فهل تَفضُل جماعةٌ جماعةً بالكثرة؟ المشهور عن مالك أنه لا فضلَ لجماعة على جماعة، وقال ابن حبيب: بل تَفضُل جماعةٌ جماعة بالكثرة، وفضيلةِ الإمام. وعلى المشهور: فمن صلَّى في جماعة، فلا يُعيد في أكثرَ منها، وعليه عامَّة العلماء؛ إلا ما رُوي عن مالك وغيره من إعادتها في المساجد الثلاثة في الجماعة"[10]
قال المناوي : "لا أعرِف لترك السُّنَّة وَجْهًا إلا كفْرٌ خَفِيٌّ أو حُمْقٌ جَلِيٌّ؛ فإن العبدَ إذا عَلم أن النبيَّ ﷺقال ذلك في شأن الجماعة، فكيف تَسمَح نفْسُه بتركها بلا عُذر؟! فسببُ الترك إما حُمْقٌ أو غفلةٌ بألَّا يتفكَّر في هذا التفاوُت العظيم، وأما الكفر فهو أن يخطُر بباله أنه ليس كذلك؛ وإنما ذُكر للترغيب في الجماعة"[11]
قال ابن سراقة : "مِن خصائصنا: الجماعةُ والجُمُعة، وصلاةُ الليل، والعيدين، والكُسوفين، والاستسقاء، والوِتر، وصلاة الضُّحى"[12]