المعنى الإجماليُّ للحديث
قال ابن عمر - رضي الله عنهما -: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ»؛ أي: أَوْجَب رسول الله ﷺ «زَكَاةَ الفِطْرِ» من صوم رمضان «صَاعًا» هو مِكْيال مقدارُه أربعةُ أمداد بكفَّيْ رجل معتدِل الكفَّين. «مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِير عَلَى العَبْدِ» تَلزَم مالكَه ويُخرجها عنه مالِكُه «وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِين»، فتجب على كلِّ مسلم حرٍّ، مالكٍ لِمَا يَزيد على قُوته وقُوت من تَلزَمه نَفَقتُه، يومَ العيد وليليتَه، ويجب إخراجها عن نفسه وعمَّن تَلزَمه نفقتُه؛ كزوجته، وأولادِه، وخَدَمه من المسلمين الذين يتولَّى أمورَهم ويقوم بالإنفاق عليهم. «وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ»؛ أي: وقت تأديتها قبل صلاة العيد.
الشرح المفصَّل للحديث
شرع الله تعالى لعباده خَتْمَ صيام رمضانَ بزكاة الفِطر، وبصلاة العيد، وبالتكبير، والذكر؛ تعظيمًا لله - عزَّ وجلَّ - وشكرًا له على نعمته بإكمال الصيام والقيام، وهي زكاة يسيرة تنفع الفقراء والمساكين، وتوسِّع عليهم في العيد، وهي زكاة خفيفة على الْمُخرِجين؛ صاعٌ واحد من قُوت البلد عن كلِّ رأسٍ، على الذكر والأنثى، والحرِّ والمملوك، والصَّغير والكبير من المسلمين، تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة، قبل صلاة العيد؛ إغناءً للفقراء، وسدًّا لحاجتهم أيام العيد.
وزكاة الفطر من شكر الله - عزَّ وجلَّ - على إتمام صيام الشهر، وفيها إشاعة المحبَّة، وبثُّ السرور بين المسلمين، وخاصَّةً الفقراءَ والمساكين، فالعيدُ يومُ فرح وسرور، فاقتضت حكمة الشارع أن يَفرِض للمسكين في يوم العيد ما يُعِفُّه عن السؤال، ويُغنيه عن الحاجة.
يقول ابْنُ عُمَرَ - رضي اللَّه عنهمَا -: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ»
"وَأُضِيفَتْ هذه الزَّكَاةُ إلى الْفِطْرِ؛ لأنها تَجِبُ بِالْفِطْرِ من رَمَضَانَ... وقيل لها: فِطرةٌ؛ لأن الفِطرة الخِلْقة،
{فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا}
أي: جبِلَّتَه التي جبَل الناسَ عليها، وهذه يُراد بها الصدَقةُ عن البدن والنفس كما كانت الأولى صدقةً عن المال" [1].
"وقد أَجْمَع العلماءُ على وجوب صَدَقة الفِطْر، نَقَل الإجماعَ فيها ابنُ الْمُنذِر والبيهقيُّ" [2].
وزكاة الفطر تجب على كلِّ مسلم حرٍّ، مالكٍ لِمَا يَزيد على قُوته وقُوت من تَلزَمه نَفَقتُه، يومَ العيد وليليتَه، ويجب إخراجها عن نفسه وعمَّن تَلزَمه نفقتُه؛ كزوجته، وأولادِه، وخَدَمه من المسلمين الذين يتولَّى أمورَهم ويقوم بالإنفاق عليهم.
"ومن أَخرَج عن الجَنين، فحَسَن، وكان عثمانُ بنُ عفَّانَ - رضي اللّه عنه - يُخرج عن الجنين، وقولُ أكثر أهل العلم أنّ الفِطرة غير واجبة على الجنين. قال ابن المنذر: كلُّ من نحفظ عنه من علماء الأمصار لا يوجبون على الرّجل زكاة الفطر عن الجَنين في بطن أمِّه" [3].
والواجب في زكاة الفطر صاعٌ من غالب قُوت أهل البلد، سواء ٌكان من القمح، أو الشَّعير، أو التمر، أو الزبيب، أو الأرز، أو الذرة، أو نحو ذلك مما يُقتات ويُدَّخَر.
وروى الشيخان عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ - رضي اللَّه عنه - قال: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ» [4].
والأَقِطُ: اللبن المجفَّف الذي لم تُنزَع زُبدته. والصَّاعُ يساوي أربعة أمداد بكفَّيْ رجل معتدِل الكفَّين.
وإن جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة يَرَون وجوب إخراج الأعيان في زكاة الفِطر؛ كالتمر والشعير والزبيب، أو من غالب قوت الناس، ولا يُجيزون إخراج قيمتها نقودًا، ومذهب الحنفية جواز إخراج القيمة.
و"قوله: «على العبد»: جعل وجوبَ زكاة الفطر علي السيِّد كالوجوب علي العبد مجازًا؛ إذ ليس هو أهلًا لأن يكلَّف بالواجبات المالية، ويؤيِّد ذلك عطف الصغير عليه... وفيه دليل علي أن صدقة الفطر فريضة، وهو قول عامَّة أهل العلم، وذهب أصحاب أبي حنيفة إلى أنها واجبة، وليست بفريضة، والواجب عندهم أقلُّ رُتبةً من الفريضة. وعلى أن مِلك النِّصاب ليس بشرطٍ لوجوبها؛ بل هي واجبة على الفقير والغنيِّ. وقال الشافعيُّ - رضي الله عنه -: إذا فَضَل عن قُوتِه وقُوت عياله ليوم العيد وليلته قَدْرُ صَدَقة الفِطر، يَلزَمه صَدَقة الفِطر، ويجب على الْمَولى أن يؤدِّيَها عن عبيده وإمائه المسلمين، شاهِدهم وغائبِهم، سواءٌ كان للخِدمة أو للتجارة، فعليه في رقيق التجارة صَدَقة الفطر وزكاة التجارة. وعلى أنها لا تجب على المسلم فِطرة عبده الكافر؛ لقوله في الحديث: «من المسلمين»، ولأنها طُهْرةُ المسلم كزكاة المال" [5].
قوله: «وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ»: "هذا أمرُ استحباب؛ لجواز التأخير عند الجمهور، واختلفوا في جواز التأخير عن اليوم" [6].
"وَالظاهر أن من أخرج الْفِطرة بعد صلاة العيد كان كمن لم يُخرجها، باعتبار اشتراكهما في ترك هذه الصدقة الواجبة. وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن إخراجها قبل صلاة العيد إنما هو مُسْتَحَبٌّ فَقَطْ، وجزموا بأنها تُجْزِئ إِلى آخِر يوم الْفِطر، والحديث يَرُدُّ عليهم، وأما تأخيرها عن يوم العيد، فقال ابن رسلان: إنه حرام بالاتِّفاق؛ لأنها زكاة، فوجب أن يكون في تأخيرها إثم؛ كما في إخراج الصلاة عن وقتها" [7].
"أما حِكْمةُ زكاة الفِطر، فظاهرةٌ جدًّا؛ ففيها إحسانٌ إلى الفقراء، وكَفٌّ لهم عن السؤال في أيام العيد؛ ليشاركوا الأغنياء في فرحهم وسرورهم به، ويكون عيدًا للجميع، وفيها الاتِّصاف بخُلق الكرم وحبِّ الْمُواساة، وفيها تطهيرُ الصائم مما يحصل في صيامه من نقص ولَغْوٍ وإثم، وفيها إظهارُ شُكر نعمة الله بإتمام صيام شهرِ رمضانَ وقيامه، وفِعل ما تيسَّر من الأعمال الصالحة فيه" [8].
«فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ»
"(طُهْرَةً)؛ أي: تَطْهِيرًا لِنَفْسِ مَن صام رمضانَ (مِن اللَّغْو): وهو ما لا يَنْعَقِدُ عليه القلب من الْقَول (وَالرَّفَث) قال ابن الأثير: الرَّفَث هنا هو الْفُحْش من كلام، (وَطُعْمَة) بِضَمِّ الطَّاء: وهو الطَّعَامُ الذي يُؤكل. وفيه دليل على أن الْفِطْرَة تُصْرَف في المساكين دون غيرهم من مَصارف الزكاة. (مَنْ أَدَّاهَا قَبْل الصَّلَاة)؛ أي: قبل صلاة العيد (فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَة): الْمُراد بالزكاة صدقة الفِطر. (صَدَقَة مِن الصَّدَقَات): يعني التي يُتَصَدَّقُ بها في سائر الأوقات، وأمر القَبول فيها موقوف على مشيئة اللَّه تعالى" [10].
قال وَكيعُ بنُ الجرَّاح: "زكاة الفِطر لشهر رمضانَ كسَجدة السَّهو للصلاة؛ تَجبُر نُقصانَ الصَّوم كما يَجبُر السجودُ نقصان الصلاة" [11].
1. "المغني" لابن قدامة (3/ 79).
2. "المجموع شرح المهذَّب" للنوويِّ (6/ 104).
3. "المغني" لابن قدامة (3/ 99).
4. رواه البخاريُّ (1506)، ومسلم (985).
5. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (5/ 1499).
6. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (5/ 1499).
7. "عون المعبود شرح سنن أبي داود" للعظيم آبادي (5/ 4).
8. "مجالس شهر رمضان" لابن عثيمين (ص142).
9. رواه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827)، وقال الألبانيُّ في "صحيح أبي داود" (5/ 317): "قلت: إسناده حسن، وحسَّنه ابن قدامة والنوويُّ".
10. "عون المعبود شرح سنن أبي داود" للعظيم آبادي (5/ 3، 4).
11. "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" للرمليِّ (3/ 110).
النقول:
قال الطِّيبيُّ رحمه الله: "قوله: «على العبد»: جعل وجوب زكاة الفطر علي السيِّد كالوجوب علي العبد مجازًا؛ إذ ليس هو أهلًا لأن يكلَّف بالواجبات المالية، ويؤيِّد ذلك عطف الصغير عليه... فيه دليل علي أن صدقة الفطر فريضة، وهو قول عامَّة أهل العلم، وذهب أصحاب أبي حنيفة إلى أنها واجبة، وليست بفريضة، والواجب عندهم أحطُّ رتبةً من الفريضة. وعلى أن مِلك النِّصاب ليس بشرطٍ لوجوبها؛ بل هي واجبة على الفقير والغنيِّ. وقال الشافعيُّ - رضي الله عنه -: إذا فَضَل عن قُوتِه وقُوت عياله ليوم العيد وليلته قَدْرُ صَدَقة الفِطر، يَلزَمه صَدَقة الفِطر، ويجب على الْمَولى أن يؤدِّيَها عن عبيده وإمائه المسلمين، شاهِدهم وغائبِهم، سواءٌ كان للخِدمة أو للتجارة، فعليه في رقيق التجارة صَدَقة الفطر وزكاة التجارة. وعلى أنها لا تجب على المسلم فِطرة عبده الكافر؛ لقوله ﷺ في الحديث: «من المسلمين»، ولأنها طُهْرةُ المسلم كزكاة المال. أقول: إن «من المسلمين» حالٌ من «العبد» وما عُطِف عليه، وتنزيلها على المعاني المذكورة على ما يقتضيه علمُ البيان أن المذكوراتِ جاءت مزدَوَجةً على التضادِّ للاستيعاب، لا للتخصيص؛ لئلا يَلزَم التداخل، فيكون المعنى: فَرَض رسول الله ﷺ على جميع الناس من المسلمين. وكونُها على مَن وجبت وفيمن وجبت، يُعلَم من نصوص أُخَرَ. ويمكِن أن يُقال: إن «على» بمعنى «عن»، وضُمِّن «فَرَض» معنى «صدر»؛ أي: أصدر صدقة الفطر فرضًا عن العبد والحرِّ صاعًا... فوضع «على» موضع «عن» لمزيد الاستعلاء. والله أعلم. قوله: «أن تؤدَّى قبل خروج الناس» هذا أمرُ استحباب؛ لجواز التأخير عند الجمهور، واختلفوا في جواز التأخير عن اليوم" [1].
قال العظيم آبادي رحمه الله: "(طُهْرَةً)؛ أي: تَطْهِيرًا لِنَفْسِ من صام رمضان (مِن اللَّغْو): وهو ما لا يَنْعَقِدُ عليه القلب من الْقَول (وَالرَّفَث) قال ابن الْأَثِير: الرَّفَث هنا هو الْفُحْش من كلام، (وَطُعْمَة) بِضَمِّ الطَّاء: وهو الطَّعَامُ الذي يُؤكل. وفيه دليل على أن الْفِطْرَة تُصْرَف في المساكين دون غيرهم من مَصَارِف الزكاة. (مَنْ أَدَّاهَا قَبْل الصَّلَاة)؛ أَيْ: قَبْل صَلَاة الْعِيد (فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَة): الْمُراد بالزكاة صدقة الفِطر (صَدَقَة مِن الصَّدَقَات): يعني التي يُتَصَدَّقُ بها في سائر الأوقات، وأمر القبول فيها موقوف على مشيئة اللَّه تعالى. وَالظاهر أن من أخرج الْفِطرة بعد صلاة العيد كان كمن لم يُخرجها، باعتبار اشتراكهما في ترك هذه الصدقة الواجبة. وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن إخراجها قبل صلاة العيد إنما هو مُسْتَحَبٌّ فَقَطْ، وجزموا بأنها تُجْزِئ إِلى آخِر يوم الْفِطر، والحديث يَرُدُّ عليهم، وأما تأخيرها عن يوم العيد، فقال ابن رسلان: إنه حرام بالاتِّفاق؛ لأنها زكاة، فوجب أن يكون في تأخيرها إثم؛ كما في إخراج الصلاة عن وقتها" [2].
قال ابن قدامة رحمه الله: "وَأُضيفت هذه الزكاة إلى الفطر؛ لأنها تجب بالفطر من رمضانَ. وقال ابن قتيبة: وقيل لها: فِطرةٌ؛ لأن الفِطرة الخِلْقة،
{فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا}
أي: جبِلَّتَه التي جبَل الناسَ عليها، وهذه يُراد بها الصدَقةُ عن البدن والنفس كما كانت الأولى صدقةً عن المال" [3].
قال ابن عثيمين رحمه الله: "أما حِكْمةُ زكاة الفِطر، فظاهرةٌ جدًّا؛ ففيها إحسانٌ إلى الفقراء، وكَفٌّ لهم عن السؤال في أيام العيد؛ ليشاركوا الأغنياء في فرحهم وسرورهم به، ويكون عيدًا للجميع، وفيها الاتِّصاف بخُلق الكرم وحبِّ الْمُواساة، وفيها تطهيرُ الصائم مما يحصل في صيامه من نقص ولَغْوٍ وإثم، وفيها إظهارُ شُكر نعمة الله بإتمام صيام شهرِ رمضانَ وقيامه، وفِعل ما تيسَّر من الأعمال الصالحة فيه" [4].
قال النوويُّ رحمه الله: "قال البيهقيُّ: وقد أجمع العلماء على وجوب صدقة الفطر، وكذا نَقل الإجماع فيها ابن المنذر في الأشراف" [5].
قال وَكيعُ بنُ الجرَّاح رحمه الله: "زكاة الفِطر لشهر رمضانَ كسَجدة السَّهو للصلاة؛ تَجبُر نُقصانَ الصَّوم كما يَجبُر السجودُ نقصان الصلاة" [6].
قال ابن قدامة رحمه الله: "ومَن أخرج عن الجنين، فحَسَنٌ، وكان عثمانُ بنُ عفّانَ - رضي اللّه عنه - يُخرج عن الجنين. المذهب أنّ الفِطرة غير واجبة على الجنين. وهو قول أكثر أهل العلم. قال ابن المنذر: كلُّ مَن نحفظ عنه من علماء الأمصار لا يوجبون على الرّجل زكاة الفطر عن الجنين في بطن أمّه. وعن أحمدَ رواية أخرى: أنّها تجب عليه؛ لأنّه آدميٌّ، تصحُّ الوصيّة له، وبه، ويرث، فيدخل في عموم الأخبار، ويُقاس على المولود. ولنا أنّه جنين فلم تتعلَّق الزّكاة به؛ كأجنَّة البهائم، ولأنّه لم تَثبُت له أحكام الدّنيا إلّا في الإرث والوصيّة، بشرط أن يخرج حيًّا. إذا ثبت هذا فإنّه يُستحبُّ إخراجها عنه؛ لأنّ عثمانَ كان يُخرجها عنه، ولأنّها صدقة عمَّن لا تجب عليه، فكانت مستحبَّةً كسائر صدقات التّطوُّع" [7].
قال ابن عثيمين رحمه الله: "زكاةُ الفِطر واجبة على الإنسان نفسه؛ لقول ابن عمر: «فَرَضَ النبيُّ زَكَاةَ الفِطْرِ عَلَى الحُرِّ والعَبْدِ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ»، كلُّ إنسان تجب عليه الفِطرة بنفسه؛ لكن إذا أَخرَجها وليُّ الأمر عن نفسه وعمَّن تحت ولايته، فلا بأس، فإن ابن عمر - رضي الله عنه - كان يُخرجها عن نفسه وعمَّن يَمُونُهم. فإذا أخرجها الإنسان عنه وعن أهل بيته، وعن أولاده، ولو كانوا في مكانٍ آخَرَ، ورَضُوا بذلك، فلا حَرَجَ؛ بل قد يكون في هذا برٌّ لوالدَيه؛ لأن بعض الآباء لو قال له الابنُ: يا أبتِ، أنا أريد أن أُخرج زكاة الفطر لنفسي، ربما يَغضَب، ويقول: أتراني عاجزًا؟! أنا من يوم أنت صغير وأنا الذي أُخرج زكاتك، واليوم تجيء وتقول: أنا سأخرج زكاتي لنفسي؟! يعني: بعض الآباء ما عنده فَهم، فإذا رأى الولدُ أن من أسباب رضا والده أن يمكِّنه من دفع الزكاة فلا بأس، وإلا فالأصل أن الزكاة واجبة على كلِّ إنسان بنفسه" [8].
قال ابن قدامة رحمه الله: " فأمّا وقتُ الوجوب، فهو وقتُ غروب الشّمس من آخر يوم من رمضانَ، فإنّها تجب بغروب الشّمس من آخر شهر رمضانَ، فمن تزوَّج، أو مَلَك عبدًا، أو وُلِد له وَلَد، أو أَسلَم، قبل غروب الشّمس، فعليه الفِطرة. وإن كان بعد الغروب، لم تَلزَمه. ولو كان حين الوجوب مُعْسِرًا، ثمّ أَيْسَر في ليلته تلك أو في يومه، لم يَجِبْ عليه شيء، ولو كان في وقت الوجوب موسِرًا، ثمّ أَعسَر، لم تَسقُط عنه؛ اعتبارًا بحالة الوجوب. ومن مات بعد غروب الشمس ليلةَ الفطر، فعليه صدقة الفطر. نَصَّ عليه أحمدُ" [9].
1. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (5/ 1499).
2. "عون المعبود شرح سنن أبي داود" للعظيم آبادي (5/ 3، 4).
3. "المغني" لابن قدامة (3/ 79).
4. "مجالس شهر رمضان" لابن عثيمين (ص142).
5. "المجموع شرح المهذَّب" للنوويِّ (6/ 104).
6. "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" للرمليِّ (3/ 110).
7. "المغني" لابن قدامة (3/ 99).
8. "جلسات رمضانية" للعثيمين (14/ 20).
9. "المغني" لابن قدامة (3/ 89).