عن أبي هُرَيرة رضي الله عنه، قال: خطَبَنا رسولُ الله ﷺ، فقال: «أيُّها الناسُ، قد فرَضَ اللهُ عليكم الحجَّ؛ فحُجُّوا»، فقال رجُلٌ: أكلَّ عامٍ يا رسولَ الله؟ فسكَتَ حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله ﷺ: «لو قلتُ: نَعمْ، لوجَبتْ، ولَمَا استطعتم». ثم قال: «ذَروني ما تركتُكم؛ فإنما هلَك مَن كان قبلَكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتُكم بشيءٍ فأْتوا منه ما استطعتم، وإذا نَهيتكم عن شيء فدَعوه»

فوائد الحديث

الفوائد العلمية

1. في الحديث النهيُ عن السؤال فيما لا يَعني السائل، أو ما لا طائلَ من ورائه.

2. في الحديث بيان أن الشريعة لا تأتي إلا باليسير المستطاع، ولا تُكلِّف إلا بما في وُسع الإنسان.

3. تدور مقاصد الحجِّ حول التعبُّد والطاعة، وتصحيح الاعتقاد، واجتماع المسلمين، ووَحْدة كلمتهم، وتخْلية وتحلية وتزكية النُّفوس والقلوب والأرواح والأبدان.

4. الحجُّ وما فيه من مناسكَ هو تكليف فرديٌّ في ذاته؛ ولكنه فرديٌّ في صورة جماعية، ففيه تظهر قوَّة الأمة الإسلامية، ودين الإسلام، ونظامه، ووَحدته، وجماله، والمساواة بين أفراده، واجتماعه. 

5. الحجُّ في اللغة القَصْدُ، وفي الشرع: قَصْدُ البيت على الوجه المخصوص، في الزمان المخصوص، وهو شوَّال، وذو القَعْدَة، وعَشْرُ ليالٍ من ذي الحِجَّة [1].

6. قوله: «فإذا أمرتكم بأمر، فَأْتوا منه ما استطعتم»، من قول الله تعالى:

﴿فَٱتَّقُوا ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ﴾

[التغابن: 16]

وقد قيل: إنها ناسخة لقوله تعالى:

﴿ٱتَّقُوا ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ

[آل عمران: 102]

وقيل: لا نسخ فيها، وهى مفسِّرة ومُبيِّنة؛ لأن حقَّ تُقاته تعالى: هو امتثال العبد ما أُمِر به، وما أَمَره إلا بما استطاع، وما جعل عليه في الدين من حرج [2].

7. المراد بقوله: «ذروني» ترك السّؤال عن شيء لم يقع؛ خشيةَ أن ينزل به وجوبه أو تحريمه، وعن كثرة السّؤال؛ لِما فيه غالبًا من التّعنُّت، وخشية أن تقع الإجابة بأمر يُستثقَل؛ فقد يؤدِّي لترك الامتثال، فتقع المخالفة [3].

8. معنى قوله: «ذروني ما تركتكم»: لا تُكثروا من الاستفصال عن المواضع الّتي تكون مفيدةً لوجه ما ظهر، ولو كانت صالحةً لغيره، كما أنّ قوله: «حُجُّوا» وإن كان صالحًا للتَّكرار، فينبغي أن يُكتفى بما يَصدُق عليه اللّفظ، وهو المرَّة؛ فإنّ الأصل عدم الزّيادة، ولا تُكثروا التّنقيب عن ذلك؛ لأنّه قد يُفضي إلى مثل ما وقع لبني إسرائيل إذ أُمروا أن يذبحوا البقرة، فلو ذبحوا أيَّ بقرة كانت، لامتثلوا؛ ولكنّهم شدَّدوا، فشدِّد عليهم [4].

9. .

10. الله سبحانه جعل لأهل كل مِلَّة يومًا يتفرَّغون فيه للعبادة، ويتخلَّون فيه عن أشغال الدنيا، فيومُ الجمعة يومُ عبادة، وهو في الأيام كشهر رمضانَ في الشهور، وساعةُ الإجابة فيه كليلة القدر في رمضان؛ ولهذا من صحَّ له يوم جمعته وسَلِم، سَلِمت له سائر جُمعته، ومن صحَّ له رمضان وسلم، سلمت له سائر سَنَته، ومن صحَّت له حَجَّته وسلمت له، صحَّ له سائر عمره، فيومُ الجمعة ميزان الأسبوع، ورمضانُ ميزان العام، والحج ميزان العمر [5].


المراجع

1. "شرح المشكاة = الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (6/ 1936). 

2.  "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (4/ 444).

3. فتح الباري لابن حجر (13/ 260). 

4. فتح الباري لابن حجر (13/ 260). 

5. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (1/ 386).


الفوائد الفقهية

11. في الحجِّ منافعُ الدنيا والآخرة؛ قال تعالى:

﴿لِّيَشْهَدُوا مَنَٰفِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا ٱسْمَ ٱللَّهِ فِىٓ أَيَّامٍۢ مَّعْلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلْأَنْعَٰمِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ﴾

[الحج: 28]،

فأمَّا منافع الآخرة، فرضوان الله - جلَّ وعلا - وأمَّا منافع الدنيا، فما يُصيبون من منافع الذَّبائح والتجارات.

12. في الحديث دليل على أن مجرَّد الأمر لا يفيد التَّكرار، ولا المرَّة، وإلَّا لَمَا صحَّ الاستفهام في قول الرجل: (أكلَّ عامٍّ؟)؛ أي: أتأمرنا أن نحجَّ كلَّ عام؟. وقيل: إن الاستدلال بسؤال الرجل على أن الأمر لا يُفيد التَّكرار ولا المرَّة ضعيف؛ لأن الإنكار وارد على السؤال الذي لم يقع موقعه؛ ولهذا زَجَره، وقال: «ذروني ما تَرَكْتُكم»، فعَمَّ الخِطابُ؛ يعني: اقتصِروا على ما أمرتُكم، فَأْتُوا به على قدر استطاعتكم، وكذا قوله تعالى:

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَسْـَٔلُوا عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾

[المائدة: 101]

نازلٌ في هذا الشأن، فقد عَلِم أن الرجل لو لم يَسأَل لم يُفِدِ الأمرُ غيرَ الْمَرَّة، وأن التَّكرار مفتقِرٌ إلى دليل خارجيٍّ [1].

13. اختلف الناس في الأمر المطلَق، فقال بعضهم: يُحمَل على فعل مرَّة واحدة، وقال بعضهم: على التَّكرار، وقال بعضهم: بالوقف فيما زاد على مرَّة، وظاهر هذا أن السائل لرسول الله ﷺ إنما سأله لأن ذلك عنده يُحتمَل، فيصحُّ أن يكون ذَهَب إلى بعض هذه الطُّرق، ويصحُّ أن يكون إنما احتُمِل عنده من وجه آخَرَ؛ وذلك أن الحج في اللغة: قصدٌ فيه تكرير، فيكون احتَمَل عنده التكرير من جهة اشتقاق اللفظ، وما يقتضيه من التَّكرار [2].

14. في الحديث تنبيه على أن العاقل ينبغي له أن لا يستقبل الكُلَف الخارجة عن سَمعه، وأن لا يَسأل عن شيء إن يُبْدَ له أساءه  [3].

15. في قوله: «لما استطعتم» إشارة إلى أن بناء الأمر على اليُسر والسهولة، لا العُسر والصعوبة، كما ظنَّ السائل [4].

16. قوله: «ذروني ما تركتكم»: فيه دليلٌ على أن الأصل عدم الوجوب، وأنه لا تكليف قبل ورود الشرع؛ لقوله تعالى:

﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا﴾

[الإسراء: ١٥] [5].

17. قوله: «فإذا أمرتكم بشيء فَأْتُوا منه ما استطعتم» من أَجَلِّ قواعد الإسلام، ومن جوامع الكَلِم؛ لِمَا يَدخُل فيه ما لا يُحصى من الأحكام؛ كالصلاة بأنواعها، فإنه إذا عجز عن بعض أركانها أو شروطها، أتى بالباقي، وإذا عَجَز عن غَسْلِ بعض أعضاء الوضوء أو الغُسل، أو غَسْلِ الممكِن، وإذا وجد بعض ما يكفيه من الماء لطهارته، أو لغَسل النجاسة، فعل ما يمكِن، وإذا وجد ما يَستُر بعضَ عورته، أو حفظ بعض الفاتحة، أتى بالممكِن، وأشباهها غير محصور [6].

18. في قوله ﷺ: «لو قلت: نعم، لوجبت». وقوله: «ذروني ما تركتكم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم...»: دليلٌ على أن الأشياء على استصحاب حال الإباحة فيما لم يَنزِل فيه حُكم [7].

19. وجوب الحجِّ معلومٌ بالضَّرورة الدّينيّة، واختُلف في العُمرة، فقيل: واجبة، وقيل: مستحبَّة، وللشّافعيِّ قولان، أصحُّهما وجوبُها، والأحاديث المذكورة في الباب تدلُّ على أنّ الحجَّ لا يجب إلّا مرّةً واحدةً، وهو مُجمَع عليه؛ كما قال النّوويّ والحافظ وغيرهما، وكذلك العُمرة عند من قال بوجوبها [8].

20. من نذر بالحجِّ أو العُمْرة، وَجَبَ الْوَفَاءُ بالنَّذْرِ بشَرْطه [9].

21. استُدلَّ بقوله ﷺ: «لو قلتُها لوجبت» على أنّه ﷺ مفوَّض في شرع الأحكام، وفي ذلك خلاف مبسوط في الأصول [10]. 

22. استُدلَّ بهذا الحديث على أن اعتناء الشرع بالْمَنهيَّات فوق اعتنائه بالمأمورات؛ لأنه أطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع مشقَّة الترك، وقيَّد في المأمورات بقدر الطاقة، وقد يقال: إن النهيَ يقتضي الكفَّ عن الشيء، وهذا مقدور لكلِّ أحد، ولا مشقَّةَ فيه، فلا يُتصوَّر عدم الاستطاعة، بخلاف الأمر، فإنه يقتضي الفعل، وقد يُعجَز عن مباشرته، كما هو مشاهَد؛ فلذا قيّد الأمر بالاستطاعة دون النهي [11].

23. قال تَعَالَى:

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَسْـَٔلُوا عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾

[المائدة: 101]

اختُلف في هذه الأشياء المسؤول عنها: هل هي أحكام قَدَريّة أو أحكام شرعيّة؟ على قولين، فقيل: إنّها أحكام شرعيّة عفا اللّه عنها؛ أي: سَكَت عن تحريمها، فيكون سؤالهم عنها سببَ تحريمها، ولو لم يسألوا لكانت عَفْوًا، ومنه قوله ﷺ وقد سُئل عن الحجّ: أفي كلِّ عام؟ فقال: «لو قلت: نعم، لوجبت، ذروني ما تركتكم؛ فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم»، والتّحقيق أنّ الآية تعمُّ النّهيَ عن النّوعين: الأحكامِ القدريّة والأحكام الشرعيّة، وعلى هذا فقوله تعالى:

﴿إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾

[المائدة: 101]

أمّا في أحكام الخَلْق والقَدَر، فإنّه يسوءهم أن يبدوَ لهم ما يكرهونه ممّا سألوا عنه، وأمّا في أحكام التّكليف، فإنّه يسوءهم أن يبدوَ لهم ما يشقُّ عليهم تكليفه ممّا سألوا عنه [12].

24. النهيُ عن السؤال كان في زمانه ﷺ لئلا يُحرَّم شيء بسؤالهم، فيكون فيه مشقَّة عليهم، أما الآن فلا يجوز للإنسان أن يفعل الشيء، ويسكت عن السؤال عنه أحلالٌ هو أم حرامٌ؟ بل يجب عليه أن يتعلَّم العلم، فيَعرِف الحلال فيفعله، والحرام فيجتنبه [13].

25. السؤال المنهيُّ عنه الآن هو السؤال فيما لا طائلَ منه؛ بل فيه الشرُّ كلُّه؛ كالتقوُّل في أسماء الله وصفاته بغير علم، والسؤال عن كيفية صفاته وأفعاله [14].


المراجع

1.  "شرح المشكاة = الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (6/ 1936، 1937). 

2. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (4/ 443). 

3. "شرح المشكاة = الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (6/ 1937). 

4. "شرح المشكاة = الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (6/ 1937). 

5. "شرح المشكاة = الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (6/ 1937). 

6. "شرح المشكاة = الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (6/ 1938). 

7. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (4/ 443). 

8. "نيل الأوطار" للشوكانيِّ (4/ 331، 332). 

9. "نيل الأوطار" للشوكانيِّ (4/ 331، 332). 

10. "نيل الأوطار" للشوكانيِّ (4/ 331، 332). 

11. "الأدب النبوي" لمحمد عبد العزيز الخولي (ص: 279). 

12. "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن القيم (1/ 57). 

13. انظر: "شرح الأربعين النووية" للعثيمين (ص: 315). 

14. انظر: "شرح الأربعين النووية" للعثيمين (ص: 315).



الفوائد العقدية

26. من مظاهر الربوبية لله تعالى تعظيم ما يشاء من الخلق والأيام والأوقات والأماكن التي يختارها سبحانه، فاختيار الحج زمانًا ومكانًا، وتخصيصه بالمزايا والفضائل، هو اختيار ربَّانيٌّ، وتخصيص إلهيٌّ؛ حيث ينفرد سبحانه بتعظيم ما يشاء من خلقه، وما يختار من الزمان والمكان، فهو الذي يفعل ما يشاء لحكمة يعلمها سبحانه.

الفوائد التربوية

27. في الحديث سكت ﷺ ولم يردَّ على الرجل حتى قالها ثلاثًا؛ زجرًا له عن السؤال؛ فإن التقدُّم بين يدَيْ رسول الله ﷺ منهيٌّ عنه؛ لقوله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾

[الحجرات: 1]

لأنه ﷺ مبعوث لبيان الشرائع، وتبليغ الأحكام، فلو وجب الحجُّ كلَّ سنةٍ، لبيَّنه الرسول ﷺ لا محالةَ، ولا يقتصر على الأمر به مُطلَقًا، سواءٌ سُئل عنه أو لم يُسأل، فيكون السؤال استعجالًا ضائعًا [1].

28. لَمَّا رأى النبيُّ ﷺ أن الرجل لا ينزجر بالسكوت، ولا يَقنَع إلا بالجواب الصريح، أجاب عنه ﷺ صراحة بقوله: «ولو قلتُ: نعم، لوَجَبت كلَّ عام حَجَّة»، فأفاد به أنه لا يجب كلَّ عام؛ لما في (لو) من الدلالة على انتفاء الشيء لانتفاء غيره، وأنه إنما لم يتكرَّر؛ لِما فيه من الحَرَج، والكُلْفة الشاقَّة [2].

29. في الحديث إشارة إلى رأفته ﷺ ورحمته وشفقته بأُمته؛ حيث نهاهم عن السؤال خوفًا من زيادة التكاليف وما فيها من المشقة.

30. يعلِّم الرسول ﷺ الاقتصار في السؤال على ما لا بدَّ لهم منه، وعدم الإلحاح فيما لا فائدة فيه؛ مخافةَ أن تقع الإجابة بأمر يُستثقَل فيؤدِّي لترك الامتثال، فتقع المخالفة والمعصية، فيكون العذابُ، وهذا إذا لم يكن المقامُ مَقامَ استفهام واسترشاد، حيث يُحمَد السؤال، ويُذمُّ السكوت، وربما تُفضي كثرة السؤال إلى مثل ما وقع فيه بنو إسرائيل، إذ أُمروا أن يذبحوا بقرة، فلو ذبحوا أيَّ بقرةٍ كانت، لامتثلوا؛ ولكنهم شدَّدوا، فشُدِّد عليهم.

31. كانت هِمَمُ الصحابة - رضوان الله عليهم - مقصورةً على تنفيذ ما يؤمرون به، فإذا وقع بهم أمر، سألوا عنه، فأجابهم، وقد قال اللّه تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ﴾

[المائدة: 101، 102]. [3].

32. لا ينبغي للعبد أن يتعرَّض للسّؤال عمّا إن بدا له ساءه؛ بل يَستعفي ما أَمكَنه، ويأخذ بعفو اللّه، ومن ههنا قال عمرُ بنُ الخطّاب - رضي اللّه عنه -: "يا صاحب الميزاب، لا تُخبرنا"، لَمّا سأله رفيقه عن مائه أطاهر أم لا، وكذلك لا ينبغي للعبد أن يسأل ربَّه أن يُبديَ له من أحواله وعاقبته ما طواه عنه وسَتره؛ فلعلَّه يَسُوءه إن أُبديَ له، فالسّؤال عن جميع ذلك تعرُّض لما يكرهه اللّه؛ فإنّه سبحانه يكره إبداءها؛ ولذلك سكت عنها [4].


المراجع

1.  "شرح المشكاة = الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (6/ 1936، 1937). 

2. "شرح المشكاة = الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (6/ 1937). 

3. "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن القيم (1/ 57). 

4. "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن القيم (1/ 58).




الفوائد اللغوية

33. الحَجُّ بفتح الحاء، وهو المصدر، وبالفتح والكسر هو الاسم منه، وأصله القصد، ويُطلق على العمل أيضًا، وعلى الإتيان مرّةً بعد أخرى، وأصل العمرة: الزّيارة. وقال الخليل: الحجُّ كثرة القصد إلى معظَّم [1].

34. قوله: «ما تركتكم»؛ أي: مدَّةَ تركي إيّاكم بغير أمر بشيء ولا نهي عن شيء، وإنّما غايَر بين اللّفظين لأنّهم أماتوا الفعلَ الماضيَ، واسمَ الفاعل منهما، واسمَ مفعولهما، وأثبتوا الفعل المضارع، وهو يَذَر، وفعل الأمر وهو (ذَرْ)، ومثلُه دَعْ ويَدَعُ؛ ولكن سُمِع (وَدَعَ) كما قرئ به في الشّاذِّ في قوله تعالى:

﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ﴾

[الضحى: ٣]،

قرأ بذلك إبراهيمُ بنُ أبي عبلة، وطائفة، وقال الشّاعر: (وَنَحْنُ وَدَعْنَا آلَ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ = فَرَائِسَ أَطْرَافِ الْمُثَقَّفَةِ السَّمْرِ)، ويَحتمِل أن يكون ذَكَر ذلك على سبيل التّفنُّن في العبارة، وإلّا لقال: اتركوني [2].

35. قوله: «ذَروني» فِعل أمر، وقد أُميت منه كل اشتقاقاته غير المضارع، فليس له ماضٍ، ولا اسم فاعل، ولا مصدر مستخدَم، ولهذا قال: «ذَرُوني ما تركتكم» [3].

المراجع

1. "نيل الأوطار" للشوكانيِّ (4/ 331). 

2. فتح الباري لابن حجر (13/ 260). 

3. انظر: "طرح التثريب في شرح التقريب" للعراقي (2/ 115).


مشاريع الأحاديث الكلية