148 - حِفظُ التَّوبة للحسناتِ السابقة

عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ، وَصِلَةِ رَحِمٍ، فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَجْرٍ؟  فَقَالَ النَّبِيُّ : «أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ»

فوائد الحديث

الفوائد العلمية


  1. في الحديث أن كلَّ مُشرِك أَسلَم، أنه يُكتَب له أجرُ كلِّ خير عَمِله قبل إسلامه، ولا يُكتَب عليه بشيء من سيِّئاته؛ لأن الإسلام يَهدِم ما قبله من الشرك؛ وإنما كُتِب له الخير؛ لأنه إنما أراد به وجهَ الله؛ لأنهم كانوا مقرِّين بالله، إلَّا أن عِلْمَهم كان مردودًا عليهم لو ماتوا على شِركهم، فلمَّا أَسلَموا، تفضَّل الله عليهم، فكَتَب لهم الحسناتِ، ومحا عنهم السيِّئات؛

    كما قال ﷺ:

    «ثلاثةٌ يُؤْتَوْنَ أجرَهم مرَّتين: رجلٌ من أهل الكتاب آمَن بنبيِّه، وآمَن بمحمَّد»

    [1][2]

  2. كان الصحابةُ - رضوان الله عليهم - أحرصَ الناس على مُلازمة النبيِّ ﷺ، والاستفادة من عِلمه، وسؤاله عن الأمور التي تُشكِل عليهم، ولا يَعرِفون لها جوابًا.

  3. مِن رحمةِ الله وإحسانِه إلى عِبادِه: أنَّه إذا عاشَ الإنسانُ في ظُلمات الكُفرِ والضَّلالِ، ثُمَّ امتنَّ اللهُ عليهِ بالهداية وأنارَ بصيرتَه، وآمَن بالله ورسوله، وتاب وأناب وندِم على ما فرَّط - غَفَر الله له ما كان منه قبلَ ذلك، وقَبِله في عباده الصالحين. 

  4. في الحديث بيان فضل هذا الصحابيِّ الجليل، حكيم بن حزام رضي الله عنه، حيث جَبَله الله تعالى على طباع جميلة، وأخلاق حميدة، دعته أخيرًا إلى اعتناق الإسلام، وفي الحديث

    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَالَ:

    «النَّاسُ مَعَادِنُ، خِيَارُهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلامِ، إِذَا فَقُهُوا»

    [2].

  5. كان الصحابيُّ الجليل حكيمُ بنُ حزامٍ رضي الله عنه قبل أن يُسلِم كثيرَ الصَّدقة على الفقراء والمساكين، وكثيرًا ما كان يحرِّر العبيد من مواليهم، ويُعتِقهم لوجه الله تعالى، وكان يَصِل الأرحام، ويَزُور الأقارب ويتفقَّدُهم ويتعاهَدُهم بالسؤال عن أحوالهم، وهذه الأعمال من جملة الأعمال الصالحة التي دعا إليها الإسلام، ورغَّب بها، وجعل عليها الثوابَ الكبير، والأجرَ العظيم

  6. في بعض روايات الحديث: "أنّ حكيمَ بنَ حِزام، أعتق في الجاهليّة مِائةَ رقبةٍ، وحَمَل على مِائة بَعِير، ثمّ أَعتَق في الإسلام مِائة رقبة، وحمل على مِائة بعير".

  7. قال حكيمُ بنُ حِزام رضي الله عنه: "فوالله، لا أَدَعُ شيئًا صنعتُه في الجاهليّة، إلّا فعلتُ في الإسلام مِثْلَه[3]

  8. إذا أَسلَم الكافرُ، فإنه يُمحى عنه كلُّ سيِّئة؛

    قال تعالى:

    قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ 

    [الأنفال: 38].

  9. عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النبيَّ ﷺ قال:

    «إِذَا أَسْلَمَ العَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلامُهُ، يُكَفِّرُ اللَّهُ عَنْهُ كُلَّ سَيِّئَةٍ كَانَ زَلَفَهَا، وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ القِصَاصُ: الحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا إِلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهَا»

    [4].

  10. عن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه وهو في سَكَرات الموت، قال:

    "فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي، أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي، قَالَ: «مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟» قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ، قَالَ: «تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟» قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟»

    [5]

  11. ظاهرُ الحديث أن الخير الذي أَسلَفه من أَسلَم كُتِب له؛ إذ تضافرت نصوص الكتاب والسنَّة على تبديل سيِّئات من تاب من العصاة إلى حسنات؛

    قال تعالى:

    إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا

    [الفرقان: 70]

     فمن باب أولى قَبولُ أعمال الكفَّار الذين قَصَدوا بها وجه الله تعالى إذا أَسلَموا.

  12. اتَّفَق العلماء أن الإسلام يهدِم ما كان قبلَه مطلَقًا، يَسْتوي في ذلك الْمَظالِمُ وغيرُها من الذنوب، وكذا الكبيرة والصغيرة[6].

  13. إن فضل الله سبحانه وتعالى على عباده عظيم؛ حيث إنه لا يُضيع أجر من أحسن عملًا، ولو في حال كفره، إذا وفَّقه الله تعالى أخيرًا للإسلام.

  14. من بركات إسلام الكافر: أنه ينال ثمرة الخيرات التي كان يفعلها وهو كافر، فتُحسَب له في حسناته.

  15. هل تُغفَر للكافر الذي أسلم الذّنوبُ الّتي فعلها في حال الكفر ولم يَتُب منها في الإسلام؟ هذا فيه قولان معروفان: أحدُهما: يُغفَر له الجميع؛ لإطلاق قوله ﷺ: «الإسلام يهدم ما كان قبله»، مع

    قوله تعالى:

    قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ

    [الأنفال: ٣٨].

    والقول الثّاني: أنّه لا يَستحقُّ أن يُغفر له بالإسلام إلّا ما تاب منه[7]

  16. عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛

    أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:

    «مَنْ أحْسَن فِي الْإِسْلَامِ، لَمْ يُؤاخَذ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ، أُخذ بالأول والآخر»

    [8]

المراجع

  1. رواه مسلم (154) من حديث أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه
  2. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (3/ 437).
  3.  رواه البخاريُّ (3383)، ومسلم (2378).
  4. رواه مسلم (123)
  5.  رواه البخاريُّ (41).
  6. رواه مسلم (121).
  7. انظر: "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (2/ 282).
  8. مجموع الفتاوى" (10/ 323).


الفوائد العقدية

17. أعمال الكافر مردودة عليه في الآخرة، ولا تُقبَل منه؛

قال تعالى:

ومنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

[البقرة: 217]

مشاريع الأحاديث الكلية