عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرُ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ، وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلامِ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : «خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليوْمِ وَاللَّيْلَةِ»، فَقَالَ: هَلْ عَليَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ».قَالَ رَسُولُ اللهِ : «وَصِيَامُ رَمَضَانَ»، قَالَ: هَلْ عَليَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: «لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ».قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ الزَّكَاةَ، قَالَ: هَلْ عَليَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ».قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللهِ، لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلا أَنْقُصُ. قَالَ رَسُولُ اللهِ : «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ». وفي رِوايةٍ: «دَخَلَ الجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ»

هدايات الحديث

1- إن ممارسة العبادة هي التي تُعين المرء على إحياء نفسه وقلبه؛ فمهما قرأتَ من كتب نظرية، أو استمعتَ لدروس عن التقوى والإيمان والاحتساب والإخلاص لله تعالى، فلا يمكِن أن تَلمِس هذه المعانيَ وتحياها إلا بمباشرة العبادة إيمانًا واحتسابًا، فتلمس معنى التقوى والإخلاص لله تعالى.

2- العبادةُ هي الغاية التي خَلَق اللّه لها العباد من جهة أمر اللّه ومحبَّته ورضاه؛

كما قال تعالى:

﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ﴾

[الذاريات: 56]

وبها أَرسَل الرّسل، وأَنزَل الكُتب، وهي اسم يجمع كمال الحبِّ للّه ونهايته، وكمال الذّلِّ للّه ونهايته؛ فالحبُّ الخليُّ عن ذُلٍّ، والذّلُّ الخليُّ عن حبٍّ، لا يكون عبادةً؛ وإنّما العبادةُ ما يَجمَع كمال الأمرين؛ ولهذا كانت العبادة لا تصلح إلّا للّه، وهي وإن كانت منفعتُها للعبد، واللّه غنيٌّ عن العالمين، فهي له من جهة محبَّته لها ورضاه بها[1].

3- إن المنهج الإسلاميَّ في التربية يَربِط بين العبادة وحقائقِ العقيدة في الضمير، ويَجعَل العبادةَ وسيلةً لإحياء هذه الحقائق وإيضاحها وتثبيتها في صورة حيَّة تتخلَّل المشاعر، ولا تَقِف عند حدود التفكير.

4- الصّلاةُ أفضل الأعمال، وهي مؤلَّفة من كَلِم طيِّب وعمل صالح؛ أفضلُ كَلِمها الطّيِّب وأوجبُه القرآن، وأفضلُ عملها الصّالح وأوجبُه السُّجود[2].

5- لا يؤدِّي زكاةَ ماله طيِّبةً بها نفسُه إلّا مؤمن. وسببُ هذا أنّ المال تحبُّه النّفوس، وتَبخَل به، فإذا سَمَحت بإخراجه للّه - عزّ وجلّ - دلَّ ذلك على صحَّة إيمانها باللّه، ووَعْده، ووعيده؛ ولهذا مَنَعت العرب الزّكاة بعد النّبيِّ ﷺ، وقاتلهم الصّدِّيقُ رضي اللّه عنه على منعها[3].

6- المقصودُ من إيجاب الصوم وشَرْعِه، ليس نفْسَ الجوع والعطش؛ بل ما يَتبَعُه من كَسْر الشهوة، وإطفاء ثائرة الغضب، وتطويع النفْس الأمَّارة للنفْس المطمئنَّة، فإذا لم يحصُل له شيءٌ من ذلك، ولم تتأثَّر به نفْسه، لم يكن له من صيامه إلا الجوعُ والعطشُ، لا يُبالي الله تعالى بصومه، ولا ينظر إليه نظرَ قَبولٍ؛ إذ لم يقصد به مجرَّد جوعه وعطشه، فيحتفل به، ويقبل منه [4].

7- غاية الصيام التقوى؛ ﱡلَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﱠ، أن تصوم وتقوم «إيمانًا واحتسابًا»؛ فالإسلام ليس شكليَّاتٍ ظاهريةً؛ بل إنه يُحيي النفوس والقلوب بهذه النفحات الإيمانية، فيصوم المرء ويقوم إيمانًا واحتسابًا وتجرُّدًا وإخلاصًا لله تعالى، فتتشرَّب نفسه المعانيَ الإيمانية، فتَقَرَّ في نفسه وقلبه؛ ليُكمل الطريق إلى الله والدار الآخرة.

8- إنَّ في الصيام اجتماعَ أنواع الصبر الثلاثة؛ فهو صبرٌ على طاعة الله؛ لأن الإنسان يَصبر على هذه الطاعة ويَفعلها، وصبرٌ عن معصيته؛ لأنه يَتجنَّب ما يَحرُم على الصائم، وصبرٌ على أقدار الله؛ لأن الصائم يُصيبه ألَمٌ بالعطش، والجوع، والكسل، وضعف النفْس؛ فلهذا كان الصوم من أعلى أنواع الصبر؛ لأنه جامع بين الأنواع الثلاثة،

وقد قال الله تعالى:

﴿إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ﴾

[الزمر: 10].

9- الغرضُ من الصيام كسْرُ النَّفْس بترك الطعام، والغَرَض من كَسْر النَّفْس تركُ المناهي، والغَرَض الْمُعَظَّم من الصيام ترْكُ المناهي التي هي مُحَرَّمةٌ، لا ترك الطعام والشراب اللَّذينِ هما مباحانِ [5]

10- ارْتِفَاعُ الأَذَان فَوْقَ الْمَآذِنْ = فِي انْبِلَاجِ الصَّبَاحِ وَاللَّيْلُ سَاكِنْ

دَعْوَةٌ تَحْمِلُ الْحَيَاةَ إِلَى الْكَوْ = نِ وَسُكَّانِهِ قُرًى وَمَدَائِنْ

وَنِدَاءٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْ = ضِ إِلَى ظَاهِرٍ عَلَيْهَا وَبَاطِنْ

وَلِقَاءٌ بَيْنَ الْمَلائِكِ وَالإِيـ = ـمَانِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ غَيْرِ آذِنْ

وَانْطِلاقٌ إِلَى الْفَلاحِ إِلَى الْخَيْـ = ـرِ إِلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى وَالْمَحَاسِنْ

11- يا مَنْ تـَصَدَّقَ مالُ اللهِ تـَبْذلـُهُ = في أوجُـهِ الخير ِما لِلمال نـُقصانُ

كـَمْ ضاعَفَ اللهُ مالاً جادَ صاحِبُهُ = إنَّ السَّخاءَ بـِحُـكـْم ِاللهِ رضــوانُ

الشُّـحُّ يُـفـْضي لِسُقْمٍ لا دَواءَ لـَهُ = مالُ البَخيل ِغـَدا إرْثـًا لِمَنْ عانوا

إنَّ التَّصَدُّقَ إسعادٌ لِمَنْ حُرِموا = أهلُ السَّخاءِ إذا ما احْتجْتَهُمْ بانوا

12- رَمَضَانُ يَا عُرْسَ الهِدَايَةِ مَرْحَبًا = يَا نَبْعَ خَيْرٍ فِي الوُجُودِ تَدَفَّقَا

مَا أَنْتَ إِلاَّ رَحْمَةٌ عُلْوِيَّةٌ = خَصَّ الإِلَهُ بِهَا الوَرَى وَتَرَفَّقَا

13- رَمَضَانُ بِالحَسَنَاتِ كَفُّكَ تَزْخَرُ = وَالكَوْنُ فِي لَأْلاءِ حُسْنِكَ مُبْحِرُ

يَا مَوْكِبًا أَعْلامُهُ قُدْسِيَّةٌ = تَتَزَيَّنُ الدُّنْيَا لَهُ تَتَعَطَّرُ

أَقْبَلْتَ رُحْمًا فَالسَّمَاءُ مَشَاعِلٌ = وَالأَرْضُ فَجْرٌ مِنْ جَبِينِكَ مُسْفِرُ

هَتَفَتْ لِمَقْدِمِكَ النُّفُوسُ وَأَسْرَعَتْ = مِنْ حُوبِهَا بِدُمُوعِهَا تَسْتَنْفِرُ

المراجع

  1.  "مجموع الفتاوى" (10/ 19).
  2.  "مجموع الفتاوى" (14/5).
  3.  "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 24).
  4. "تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة" للبيضاويِّ (1/ 497).
  5.  "المفاتيح في شرح المصابيح" للمظهريِّ (3/ 24).

مشاريع الأحاديث الكلية