الفوائد العلمية
1- هذا الحديث يُعَدُّ من أصول الإسلام، وجامعًا من جوامع الخير للمسلم في الدنيا والآخرة، وفيه بيانٌ لفرائضَ عظيمةٍ من فرائضِ الإسلام، لا يتحقَّق إيمانُ العبد إلا بها.
2- الرجل في الحديث من الأعراب من ساكني الصحراء، وهو من أهل نَجْدٍ، قيل: اسمُه ضِمَامُ بنُ ثعلبةَ t وافدُ بني سعدِ بنِ بكرٍ[1]
3- في الحديث لم يَذكُر ﷺ الشهادةَ للرجل؛ لأنه علِم أنه يَعلَمها، أو عَلِم ﷺ أنه إنما يسأل عن شرائع الإسلام الفِعلية دون القَولية، أو ذكَرَها ولم يَنقُلها الراوي لشُهرتها، وإنما لم يَذكُر الحجَّ؛ إما لأنه لم يكن فُرِض بعدُ، أو لأنه لم يكن واجبًا عليه، أو أنه ذكَره وراوي الحديث اختصره[2]
4- في الحديث إشارة إلى أن الصلواتِ الخمسَ هي أعظمُ أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي عَمودُ دين الإسلام، وأَكثَرُ العبادات ذِكْرًا في القرآن، وآخرُ وصايا الرسول ﷺ، وقد سَمَّاها اللهُ تعالى إِيمانًا.
5- في الحديث إشارةٌ إلى أن الفرائضَ وَحْدَهَا إذا التزمها صاحِبُها على الوجه الذي يَرْضَاهُ الخالقُ سبحانه، فهو من النَّاجِينَ يومَ القيامة بلا شكٍّ، وإن تَرَك غيرها من النوافل.
6- قوله: (فَأَدبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا، وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ)، قيل معناه: لا أُغيِّر الفروضَ المذكورَةَ بزيادةٍ فيها ولا نُقْصَانٍ منها. ولا يصحُّ أن يُقال: إن معناه: لا أفعلُ شيئًا زائدًا على هذه الفروض المذكورة من السُّنَنِ، ولا من فُرُوضٍ أُخَرَ إن فُرِضَتْ؛ فإنَّ ذلك لا يجوزُ أن يقوله ولا يعتقدَه؛ لأنه مُنكَرٌ، والنبيُّ ﷺ لا يُقِرُّ على مثله.
7- مُراد الأعرابيِّ أنَّه لا يَزيدُ على الصلاة المكتوبة، والزكاة المفروضة، وصيامِ رمضانَ، وحجِّ البيت شيئًا من التطوُّع، ليس مرادُه أنَّه لا يعمل بشيءٍ من شرائعِ الإسلام وواجباته غيرِ ذلك، وهذه الأحاديثُ لم يُذكر فيها اجتنابُ المحرَّمات؛ لأنَّ السائل إنَّما سأله عن الأعمال التي يدخل بها عامِلُها الجنَّة [3]
المراجع
- انظر: "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (1/ 106).
- انظر: "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجر العسقلانيِّ (1/ 107).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 517).
الفوائد العقدية
8-هذا الحديث حُجَّةٌ أن الفرائض تُسمَّى إسلامًا، ودلَّ قوله: «أفلح إن صدق» على أنه إن لم يَصدُق في التزامها أنه ليس بمفلِح، وهذا خلاف قول المرجئة[1]
9- إن طلبَ الجنة بالأعمال الصالحة مطلوبٌ شرعًا، وفي هذا ردٌّ على الصوفية الذين يرَوْن أن طلبَ الثواب، والخوف من العقاب نقصٌ[2]
المراجع
- "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (1/ 104).
- انظر: "الفوائد المستنبطة من الأربعين النووية وتتمتها الرجبية"، عبد الرحمن بن ناصر البراق (ص: 47).
الفوائد الفقهية
10- التَّطَوُّعُ معناه: أن يتقرَّب العبد إلى اللهِ تعالى بما لم يَفرضه عليه من العبادات؛ رَغْبَةً في عُلُوِّ الدرجات يومَ القيامة، وهذه الأعمالُ في الشرع مندوب إليها، يُثاب فاعلها، ولا يُعاقَب تاركُها[1]
11- نوافلُ الصلاة كثيرةٌ، آكَدُها ما كان يَحرِصُ عليه النبيُّ ﷺ في كلِّ يَوْمٍ وليلة؛ وهي صلاةُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ ركعةً، مَنْ صَلَّاهَا بَنَى الله له بيتًا في الجنَّة[2]، وعن أمِّ حبيبةَ، قالت: قال رسولُ الله ﷺ: «مَن صلَّى في يوم وليلة ثِنْتَيْ عَشْرةَ ركعةً، بُني له بيتٌ في الجنَّة: أربعًا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر صلاةِ الغَدَاة» [3]
12- أفضل نوافل الصلاة: الصلاةُ في الثُّلث الأخير من الليل؛ فهو وقتٌ مبارَك ينزل فيه ربُّنا إلى السماء الدنيا، فيغفر للمستغفرين، ويتوب على التائبين، ويُعطي السائلين؛ قال رسول الله ﷺ: «يَنزِلُ ربُّنا تبارك وتعالى كلَّ ليلة إلى السماء الدنيا، حين يَبقى ثلثُ الليل الآخر يقول: مَن يدعوني، فأستجيبَ له؟ مَن يسألني فأُعطيَه؟ مَن يستغفرني فأغفرَ له؟»[4]
13- لا يجب شيء من الصلوات في كل يوم وليلة غير الخمس خلافًا لمَن أوجَبَ الوترَ، أو ركعتي الفجر، أو صلاة الضحى، أو صلاة العيد، أو الركعتين بعد المغرب[5]
14- لا يَعْلَم أحدٌ ما أَعَدَّ الله للمتهجِّدين بالليل يومَ القيامة من قُرَّة أعين جزاءً بما كانوا يعملون؛
(تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ16 فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ﴾
15- صِيَامُ رمضانَ هو الرُّكْنُ الرابعُ من أركان الإسلام، وهو الإمساكُ عن الطعام والشراب وسائر المفطِّرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس[6]
16- صيامُ شهر رمضانَ من أَعْظَمِ الفروض وأَجَلِّها، خصَّهُ اللهُ بالكثير منَ الخصائصِ؛ منها أنَّ كُلَّ عَمَلِ الإنسانِ له إلا الصَّوْمَ، فإنَّهُ لله، وكلُّ الأعمال معلوم جزاؤُها إلا الصَّوْمَ، فالله سبحانه يُوَفِّي الصائمين أجرَهم يومَ القيامة جَزَاءً موفورًا؛ قال رسول الله ﷺ: «قال الله: كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له، إلا الصيامَ، فإنه لي، وأنا أَجْزي به، والصيامُ جُنَّةٌ ...»[7]
17- نوافلِ الصِّيَام كثيرةٌ، منها: صيامُ شهرِ الله المحرَّمِ، وهو أفضلُ الصيامِ بعد شهر رمضانَ[8]، وصيامُ يوم عَرَفةَ الذي يُكَفِّر ذُنوبَ سنتين: سنةٍ ماضية، وسنةٍ باقية، وصيامُ يومِ عاشوراءَ، يُكَفِّرُ ذنوبَ سنةٍ ماضيةٍ، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر هجريٍّ[9]، ونحو ذلك.
18- الزكاة هي: "التعبُّدُ لله تعالى بإخراج جزءٍ واجبٍ شرعًا في مال مُعيَّن لطائفة، أو جهة مخصوصة"[10]
19- الزكاة سُمِّيت زكاةً لأنها تُزَكِّي النفسَ وتُطهِّرها من الآثام؛
﴿خُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾
وهي حقٌّ معلوم فرضه الله سبحانه للفقراءِ في أموال الأغنياء؛
(وَٱلَّذِينَ فِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ مَّعۡلُومٞ 24لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ ﴾
المراجع
- انظر: "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" للخطيب الشربينيِّ (2/ 182).
- رواه مسلم (728).
- رواه الترمذيُّ (415)، وقال: حديث حسن صحيح. وقال الألبانيُّ في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 1088): صحيح.
- رواه البخاريُّ (1145)، ومسلم (758).
- "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجر العسقلانيِّ (1/ 107).
- انظر: "الشرح الممتع على زاد المستقنع" ابن عثيمين (3/ 5).
- رواه البخاريُّ (1904)، ومسلم (1151).
- كما في حديث مسلم (1163)، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «أفضلُ الصيام بعدَ رمضانَ: شهرُ الله المحرَّم، وأفضلُ الصلاة بعد الفريضة: صلاةُ الليل».
- كما في حديث مسلم (1162)، عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «ثلاث من كلِّ شهر، ورمضانُ إلى رمضانَ، فهذا صيام الدهر كلِّه، وصيام يومِ عرفةَ، أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبلَه، والسنةَ التي بعدَه، وصيام يوم عاشوراءَ، أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله».
- "الشرح الممتع على زاد المستقنع" لابن عثيمين (6/ 13).
الفوائد التربوية
20- مراعاة الداعية لحال المدعوِّ؛ فإن النبيَّ r لم يزدْ للأعرابيِّ على أركان الإسلام فحسبُ.
21- تحمُّل الداعية لفَظاظة بعض المدعوين؛ فإنه من البَدَهيِّ أن يقابل الداعيةُ المنكِر، والبذيءَ، والطائشَ، وغير ذلك، ويجب عليه أن يتحمَّل ذلك كلَّه في سبيل الله.
22- وضوحُ الداعية في جوابه، وامتلاكه القُدرةَ على البيان بأوجز العبارات.
23- تعقيبُ النبيِّ r بعد انصراف الرجُل يدُلُّ على أنَّ مَن تمسَّكَ بتلك الأوامر دخَل الجنة، وأنه ليس خاصًّا بالأعرابيِّ فحسبُ.
الفوائد اللغوية
24- قوله: «تَطوَّعَ» لها قراءتان وتخريجان؛ الأول: (تَطَّوَّعَ) بتشديد الطاء والواو، وأصلُه: (تَتَطَوَّعُ) بتاءين، فأُدغمت التاء الثانية في الطاء، وصارت طاء مشدَّدة. الثاني: (تَطَوَّعَ) بتخفيف الطاء، وأصلُه (تَتَطَوَّعُ) على حذف إحدى التاءين؛ فهناك قاعدةٌ في اللغة أنه إذا ابتدأ الفعل بتاءين يجوز الاقتصار على تاء واحدة، وهو كثير جدًّا في اللغة، ومنه في القرآن الكريم
تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا
أي: تتنزَّل،
يَوۡمَ يَأۡتِ لَا تَكَلَّمُ نَفۡسٌ إِلَّا بِإِذۡنِهِ
أي: تتكلَّم،
وَلَقَدۡ كُنتُمۡ تَمَنَّوۡنَ ٱلۡمَوۡتَ
أي: تتمنَّون.
25- قوله ﷺ: «إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ»؛ استثناءٌ منقطعٌ، ومعناه: لكن يُستحبُّ لك أن تطَّوَّع، وَجَعَله بعضُ العلماء استثناءً متَّصِلًا، ومعناه: لا يجب عليك غيرُها إلا أن تتطوَّع فتَصير مُلزَمًا بإتمام التطوُّع؛ لأنك شرعتَ فيه، واستدلُّوا بهذا المعنى على أن مَن شرع في صلاة نفل، أو صوم نفل، وَجَب عليه إتمامُه.
26- قوله ﷺ: «أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ» قيل: إنه عبارةٌ عن أربعة أشياءَ: بقاء بلا فناء، وغناء بلا فقر، وعزٌّ بلا ذُلٍّ، وعلمٌ بلا جهل. قالوا: ولا كلمةَ في اللغة أجمعُ للخيرات من الفلاح، والعربُ تقول لكلِّ مَن أصاب خيرًا: مُفلح[1]
المراجع
- "عمدة القاري بشرح صحيح البخاري" لبدر الدين العينيِّ (1/ 266).