عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ، وتَرَجُّلِهِ، وطُهُورِهِ، وفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ»
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ، وتَرَجُّلِهِ، وطُهُورِهِ، وفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ»
التيمُّن: الابتداء باليمين.
تنعُّله: لُبس النَّعل.
ترجُّله: تَسرِيح الشَّعْرِ ودَهْنُه.
المعنى الإجماليُّ للحديثقالت عَائِشَةُ رضي الله عنها: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ، وتَرَجُّلِهِ، وطُهُورِهِ، وفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ»؛ أي: كان النبيُّ ﷺ يُعجبه الابتداء باليمين في لُبس نَعْلِه، وفي تسريح شَعرِه، وفي الطُّهور: يَبدَأ باليمين، وكذلك في شأنه الكريم والشريف كلِّه، أما ما كان بضدِّه؛ كدخول الخلاء، والخروج من المسجد، والاستنجاء، وخلع الثوب والسراويل والخُفِّ، وما أشبَهَ ذلك، فيُستحَبُّ التياسُر فيه.
الشرح المفصَّل للحديثفضَّل الله بعض الأماكن على بعضٍ، وبعضَ الأزمان على بعضٍ، وبعضَ الجهات على بعضٍ، ومن ذلك تفضيل اليمين على الشمال؛ فقد سمَّى الله أصحاب الجنَّة أصحاب اليمين، وسمَّى أصحاب النار أصحاب الشمال، وأن المؤمنَ الذي سيَدخُل الجنَّة يَأخُذ كتابه بيَمينه، وغيرَه يَأخُذه بشماله.
ولَمَّا جُعِلت القوَّة في اليمين، خُصَّ باليمين الأفضلُ فالأفضل، فكان الرسول ﷺ يقدِّم أهل اليمين، ويخصُّ الجانب الأيمنَ؛ لفَضْلِه [1].
ولذلك؛ كان النبيُّ ﷺ يُعجبه الابتداء باليمين في لُبس نَعْلِه، فيَلبَس اليُمنى قبل اليُسرى، وفي تسريح شَعرِه، فيَبدَأ بالشِّقِّ الأيمن من رأسه ولحيته، وفي الطُّهور: يَبدَأ باليد اليُمنى، والرِّجل اليُمنى في الوضوء، وبالشِّقِّ الأيمن في الغُسل، وقولُها: "وفي شأنه كلِّه" عامٌّ مخصوص؛ فإن دخول الخلاء والخروج من المسجد، يُبدَأ فيهما باليَسار، وكذلك ما يُشابههما [2].
ويَدخُل في عموم قولها: "وفي شأنه كلِّه": حالةُ اللِّباس، والأكل، والشُّرب، والأخذ، والعطاء، والاكتحال، والسِّواك، وتقليم الأظفار، وقصُّ الشارب، ونَتْفُ الإبِط، وحَلْقُ الرأس، والمصافَحة، واستلامُ الحَجَر، وما أَشبَه ذلك [3].
و"هذه قاعدة مستمِرَّة في الشرع، وهي أن ما كان من باب التكريم والتشريف؛ كلُبْسِ الثوب والسراويلِ والخُفِّ، ودخول المسجد، والسِّواك، والاكتحال، وتقليم الأظفار، وقصِّ الشارب، وترجيل الشعر - وهو مَشْطُه - ونتف الإبط، وحلقِ الرأس، والسلامِ من الصلاة، وغَسل أعضاء الطهارة، والخروجِ من الخلاء، والأكلِ، والشُّرب، والمصافحة، واستلامِ الحجر الأسود، وغيرِ ذلك مما هو في معناه - يُستحبُّ التيامُن فيه. وأما ما كان بضدِّه؛ كدخول الخلاء، والخروج من المسجد، والامتخاط، والاستنجاء، وخلع الثوب والسراويل والخُفِّ، وما أشبَهَ ذلك، فيُستحَبُّ التياسُر فيه، وذلك كلُّه بكرامة اليمين وشَرَفِها، والله أعلم" [4].
واستعمال الشمال في الطعام والشراب خُلق الشيطان؛ ففي الحديث:
«إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه؛ فإن الشيطانَ يأكل بشماله، ويَشرَب بشماله»
[5].
فينبغي على المسلم أن يبدأ باليمين في كلِّ أموره، وأن يتنبَّه لذلك، وألَّا يستهين به؛ فهو سنَّة نبيِّنا ﷺ، وفي اتِّباعه كلُّ خيرٍ في الدنيا والآخرة.
قال النوويُّ رحمه الله: "هذه قاعدة مستمِرَّة في الشرع، وهي أن ما كان من باب التكريم والتشريف؛ كلُبْسِ الثوب والسراويلِ والخُفِّ، ودخول المسجد، والسِّواك، والاكتحال، وتقليم الأظفار، وقصِّ الشارب، وترجيل الشعر - وهو مَشْطُه - ونتف الإبط، وحلقِ الرأس، والسلامِ من الصلاة، وغَسل أعضاء الطهارة، والخروجِ من الخلاء، والأكلِ، والشُّرب، والمصافحة، واستلامِ الحجر الأسود، وغيرِ ذلك مما هو في معناه - يُستحبُّ التيامُن فيه. وأما ما كان بضدِّه؛ كدخول الخلاء، والخروج من المسجد، والامتخاط، والاستنجاء، وخلع الثوب والسراويل والخفِّ، وما أشبَهَ ذلك، فيُستحَبُّ التياسُر فيه، وذلك كلُّه بكرامة اليمين وشَرَفِها، والله أعلم" [1].
قال ابن الجوزيِّ رحمه الله: "لَمَّا جُعِلت القوَّة في اليمين، خُصَّ باليمين الأفضلُ فالأفضل، فكان الرسول ﷺ يقدِّم أهل اليمين، ويَخُصُّ الجانب الأيمنَ؛ لفَضْلِه" [2].
قال ابن دقيق العيد رحمه الله: "التَّنَعُّلُ: لُبْسُ النَّعْلِ. وَالتَّرَجُّلُ: تَسْرِيحُ الشَّعْرِ. قَالَ الْهَرَوِيُّ: شَعْرٌ مُرَجَّلٌ؛ أَيْ: مُسَرَّحٌ. وَقَالَ كُرَاعٌ: شَعْرٌ رَجْلٌ وَرَجِلٌ، وَقَدْ رَجَّلَهُ صَاحِبُهُ: إذَا سَرَّحَهُ وَدَهَنَهُ، وَمَعْنَى التَّيَمُّنِ فِي التَّنَعُّلِ: الْبُدَاءَةُ بِالرِّجْلِ الْيُمْنَى. وَمَعْنَاهُ فِي التَّرَجُّلِ: الْبُدَاءَةُ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ مِن الرَّأْسِ فِي تَسْرِيحِهِ وَدَهْنِهِ. وَفِي الطُّهُورِ: الْبُدَاءَةُ باليد الْيُمْنى وَالرِّجل اليمنى في الوضوء، وبالشِّقِّ الأيمن في الغُسْل. وَالْبُدَاءَةُ باليمنى عند الشافعيِّ من الْمُسْتحَبَّات، وإن كان يقول بوجوب الترتيب؛ لأنهما كالعُضو الواحد، حيث جُمِعا في لفظ القرآن الكريم،
حيث قال عَزَّ وَجَلَّ
{أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ}
[الأعراف: 124].
وقولها: "وفي شأنه كُلِّه" عامٌّ يُخَصُّ؛ فإن دخول الخلاء والخروجَ من المسجد، يُبدأ فيهما باليسار؛ وكذلك ما يُشابههما" [3].