150 - تَعظيمُ الرَّجاءِ في اللهِ تعالى

عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «يا بْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي، غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي. يا بْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي، غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي.يا بْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرضِ خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا، لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً

 فقه

  1. يتودَّد اللهُ سبحانه على خلقه ويتفضلُ عليهم ويحضهم على التوبة والمسارعة إلى الاستغفار؛ فإنه ما دعاه عبدٌ وطلب مغفرته إلا غفر له ذنوبه جميعًا، ولا يعبأ سبحانه بكثرتها ولا يهتمُّ بعِظَمِها،

    قال سبحانه:

    {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}

    [الزمر: 53].

  2. ثم ينادي سبحانه على عبدِه من جديدٍ، ليخبره أنَّ ذنوبَه وإن كثرت وطغت حتى ملأت الأرض وبلغت السَّحاب، ثم جئتني مستغفرًا مُنيبًا لغفرتها لك ولا أُلقي لها بالًا.

  3. ثم يبين سبحانه فضلَ التوحيد، فيذكر أنَّ العبدَ لو جاءه بملء الأرض ذنوبًا وسيئاتٍ، غير أنَّه يُوَحِّدُه ولا يشرك به شيئًا، لَقَابله سبحانه بمثلِ ذنوبه مغفرةً،

    لقوله تعالى:

    {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}

    [النساء: 48].

اتباع

  1. (1) تضرَّع إلى اللهِ تعالى والجأ إليه، فمن يجيب الدعاءَ غيره؟

  2. (1) تعبَّد إلى اللهِ تعالى بالدعاء؛ فالدعاءُ عبادةٌ من العبادات، قال : «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ»[1].

  3. (1) لا تستعظم ذنبًا عن مغفرة اللهِ سبحانه؛ فاللهُ جلَّ وعلا يغفر الذنوب جميعًا.

  4. (1) اطمع في مغفرةِ اللهِ جلَّ جلالُه، ولا تتكبر على خالقِك.

  5. (1) إذا دعوتَ اللهَ سبحانه بشيءٍ وأردت استجابة الدعاء، فاحرص على استيفاء شروط الدعاء، من الإخلاص لله تعالى، والأكل من حلالٍ، وعدم الدعاء بإثمٍ، والإلحاح على اللهِ سبحانه، وحضور القلب ساعة الدعاء.

  6. (1) ظُنَّ بربِّك إذا دعوتَ واستغفرتَ خيرًا؛ فقد قال سبحانه في الحديث القدسي: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» [2]

  7. (2) الاستغفار سببٌ لمغفرة الذنوب والمعاصي وإن بلغت السماء. فاحرص عليه.

  8. (2) لزوم الاستغفار سُنَّةٌ نبويَّةٌ،

قال ﷺ:

«وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً»

[3]

9. (2) الاستغفار يمحو الذنوب ويزيد الحسنات ويرفع الدرجات ويبارك في الرزق،

قال تعالى:

{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}

[نوح: 10- 12].

10 .  (2) الاستغفار أمانٌ من نزول العذاب في الدنيا والآخرة،

قال سبحانه:

{وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}

[الأنفال: 33].

11.  (2) يُروى عن لقمانَ - عليه السّلام - أنّه قال لابنه: "يا بُنيَّ، عَوِّدْ لسانك: اللّهمَّ اغفر لي؛ فإنّ للّه ساعاتٍ لا يَرُدُّ فيها سائلًا[4]

12.  (2) داوم على الاستغفار، فقد قال الحسن رحمه الله: "أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طُرقكم، وفي أسواقكم، وفي مجالسكم أينما كنتم؛ فإنّكم ما تَدرُون متى تنزل المغفرة[5]

13.  (2) على المسلم أن يُبادر بالتوبة والاستغفار والمسارعة في الصالحات؛ فاللهُ واسعُ الــمغفرة، يبسُط يده باللَّيل ليتوبَ مُسيءُ النهار، ويَبسُط يده بالنهار ليتوب مُسيءُ الليل، ويغفرُ جميع الذُّنوب ولا يُبالي.

14.  (3) إياك والشِّرك؛ فإنه يُحبط العملَ ولا يُغفر إلا بالتوبة.

15.  (3) التوحيدُ أمانٌ من الخلودِ في النَّار، وسببٌ لغفران الذنوبِ والتجاوز عن السيئات.

16.  (3) ينبغي على كلِّ مسلمٍ أن يتعوَّذ بالله سبحانه من الشِّرك الأصغر والأكبر.

17.  (3) ربٌّ يتكرم على عباده ويتفضل عليهم وهو الغني عنهم، ربٌّ كريمٌ ودودٌ، يتحتم علينا أن نتودَّد إليه بالطاعات ونوافل الأعمال.


18. (3) قال ﷺ:

« إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الخَلَائِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ البَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ اليَوْمَ، فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ. قَالَ: «فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ وَالبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ البِطَاقَةُ، فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ»

[6]

19. قال الشاعر: 

تَضَرُّعِي وَابْتِهَالِي = بِدَمْعِ عَاصٍ جَفَاكَ

وَصِرْتُ أَدْعُو وَأَرْجُو = مُؤَمِّلاً رُحْمَاكَ

فَارْحَمْ ضَعِيفًا مُقِرًّا = بِذَنْبِهِ قَدْ أَتَاكَ

تَبَتُّلِي وَصَلاتِي = أَدْعُو وَأَرْجُو رِضَاكَ

فَاغْفِرْ ذُنُوبِي وَهَبْنِي = فِي كُلِّ أَمْرِي هُدَاكَ

20. وقال غيره: 

إلهي لا تعذِّبني فإني = مُقِرٌّ بالذي قد كان منِّي

وما لي حيلةٌ إلَّا رجائي = لعفوِكَ إن عفوتَ وحُسْنُ ظنِّي

فكم من زلَّةٍ لي في البرايا = وأنتَ عليَّ ذو فضل ومَنِّ

يظنُّ النَّاس بي خيرًا وإنِّي = لشرُّ الناسِ إن لم تعفُ عنِّي

المراجع

  1.  رواه أبو داود (1479)، والترمذيُّ (3247)، والنسائيُّ (3828)، وابن ماجه (3828)، وقال الترمذيُّ: حسن صحيح، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح سنن أبي داود" (3247).
  2.  رواه البخاريُّ (7405)، ومسلم (2675).
  3.  رواه البخاريُّ (6307).
  4.  "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 408).
  5.  "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 408).
  6.  رواه الترمذي (2639).


مشاريع الأحاديث الكلية