يُروى عن لقمانَ - عليه السّلام - أنّه قال لابنه: يا بُنيَّ، عَوِّدْ لسانك: اللّهمَّ اغفر لي؛ فإنّ للّه ساعاتٍ لا يَرُدُّ فيها سائلًا[1].
من لم يكن ثمرة استغفاره تصحيحَ توبته، فهو كاذب في استغفاره[2]
قال الحسن: أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طُرقكم، وفي أسواقكم، وفي مجالسكم أينما كنتم؛ فإنّكم ما تَدرُون متى تنزل المغفرة[3]
من أَدمَن قَرْعَ الباب يوشك أن يُفتَح له؛
﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾
قال قتادةُ: "إن هذا القرآن يدلُّكم على دائكم ودوائكم، فأما داؤكم، فالذنوب، وأما دواؤكم، فالاستغفار"[4]
من أراد الله به خيرًا، فتح له باب الذُّلِّ والانكسار، ودَوَام اللجوء إلى الله تعالى، والافتقار إليه، ورؤية عيوب نفسه، وجهلها، وعُدْوانها، ومشاهدة فضل ربِّه، وإحسانه، ورحمته، وجُوده، وبِرِّه، وغناه، وحمده"[5]
اعلم أن الصغيرة تَكبُر بأسباب، منها: الإصرارُ، والمواظبة؛ ولذلك قيل: لا صغيرةَ مع إصرار، ولا كبيرةَ مع استغفار، فكبيرةٌ واحدة تَنصرِم ولا يَتبَعها مثلُها، لو تُصُوِّر ذلك، كان العفوُ عنها أرجى من صغيرة يواظب العبد عليها، ومثال ذلك: قَطَرات من الماء تقع على الحَجَر على تَوَالٍ فتؤثِّر فيه، وذلك القدرُ من الماء لو صُبَّ عليه دَفْعةً واحدة لم يؤثِّر[6]
إنّ المذنب بمنزلة من رَكِب طريقًا تؤدِّيه إلى هلاكه، ولا توصِّله إلى المقصود، فهو مأمور أن يولِّيَها ظهره، ويرجع إلى الطّريق الّتي فيها نجاتُه، والّتي توصله إلى مقصوده، وفيها فلاحُه[7]
إن العبد إذا اعترف بذنبه وتاب، تاب الله عليه.
من أسباب إجابة الدعاء: الاعتراف بالذنب والاستغفار منه، والاعتراف بالنعمة، وشكر اللَّه عليها.
من أراد الله به خيرًا، فتح له باب الذُّلِّ والانكسار، ودَوَام اللجوء إلى الله تعالى، والافتقار إليه، ورؤية عيوب نفسه، وجهلها، وعُدْوانها، ومشاهدة فضل ربِّه، وإحسانه، ورحمته، وجُوده، وبِرِّه، وغناه، وحمده[8]
قال الفُضَيل بن عياضٍ: "بقدرِ ما يصغُرُ الذنبُ عندك، يَعظُمُ عند الله، وبقدر ما يَعظُمُ عندك، يَصغُرُ عند الله[9]
قال عبدالله بن مسعودٍ: "إن المؤمنَ يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبلٍ يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجرَ يرى ذنوبه كذُبابٍ مرَّ على أنفه، فقال به هكذا"[10].
قال عبدالله بن عباسٍ – رضي الله عنهما -: "يا صاحبَ الذَّنْب، لا تأمنَنَّ مِن سوء عاقبته، ولَمَا يَتبَع الذنبَ أعظمُ من الذنب إذا علمتَه؛ فإن قلَّة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال، وأنت على الذنب، أعظمُ مِن الذنب الذي عملتَه، وضَحِكُكَ وأنت لا تدري ما اللهُ صانع بك أعظمُ من الذنب، وفرحُكَ بالذنب إذا ظفِرْتَ به أعظمُ من الذنب، وحُزْنُكَ على الذنب إذا فاتك أعظمُ من الذنب إذا ظفِرْتَ به، وخوفُك من الريح إذا حرَّكَتْ سِتْرَ بابك وأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك مِن نظر الله إليك أعظمُ مِن الذنب إذا عملتَه[11]
رُبّ طاعة أورثت عِزّا واستكبارا، ورُبّ معصية أورثت ذلًّا واستغفارا.
أقبحُ من الذنب الإصرار عليه.
العِزُّ كلُّ العزِّ في طاعة الله وعبادته.
المعاصي تورث الذلَّ والهوان.
المعاصي والذنوب تُعمي بصائرَ القلوب، فلا يُدرِك الحقَّ كما ينبغي، وتُضعِف قوَّتَه وعزيمتَه، فلا يصبر عليه؛ بل قد يتوارد على القلب حتى ينعكس إدراكه كما ينعكس سيره، فيدرك الباطلَ حقًّا، والحقَّ باطلًا، والمعروفَ منكرًا، والمنكر معروفًا، فينتكس في سيره[12]
على المسلم أن يُبادر بالتوبة والاستغفار والمسارعة في الصالحات؛ فاللهُ واسعُ الــمغفرة، يبسُط يده باللَّيل ليتوبَ مُسيءُ النهار، ويَبسُط يده بالنهار ليتوب مُسيءُ الليل، ويغفرُ جميع الذُّنوب ولا يُبالي.
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، عَن النَّبِيِّ ﷺ، فِيمَا رَوَى عَن اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ:
«يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا؛ فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ»
من تمام توفيق الله للعبد محاسبته لنفسه على الدوام.
أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ = مِنْ لَفْظَةٍ بَدَرَتْ خَالَفْتُ مَعْنَاهَا
وَكَيْفَ أَرْجُو إِجَابَاتِ الدُّعَاءِ وَقَدْ = سَدَدْتُ بِالذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ مَجْرَاهَا
24. خلِّ الذنوبَ صغيرَها = وكبيرَها فهُوَ التُّقى
كن مثلَ ماشٍ فوق أرْ = ضِ الشَّوْكِ يَحْذَرُ ما يرى
لا تحقِرَنَّ صغيرةً = إنَّ الجبالَ مِن الحصى
25. يا نفسُ، كُفِّي عن العصيانِ واكتَسِبي = فِعلًا جميلًا لعلَّ اللهَ يرحَمُني
يا نفسُ، وَيْحَكِ توبي واعمَلي حسنًا = عسى تُجازَيْنَ بعد الموتِ بالحسَنِ
26. يا ربِّ إنْ عَظُمَتْ ذُنُوبِي كَثْرَةً = فلقد عَلِمْتُ بِأَنَّ عفوَكَ أَعْظَمُ
إِنْ كَانَ لاَ يَرْجُوكَ إِلَّا مُحْسِنٌ = فَمَن الذي يَدْعُو ويَرْجُو المجرِمُ؟!
أَدْعُوكَ رَبِّ كما أمرتَ تَضَرُّعًا = فَإِذَا رَدَدْتَ يَدِي فمن ذا يَرْحَمُ؟!
مَا لِي إِلَيْكَ وَسِيلَةٌ إِلَّا الرَّجَا = وَجَمِيلُ عَفْوِكَ ثُمَّ إِنِّي مُسْلِمُ
27. يَا كَبِيرَ الذَّنْبِ عَفْوُ الـ = ــلَهِ مِنْ ذَنْبِكَ أَكْبَرْ
أَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ فِي جا = نبِ عَفْوِ اللَّهِ يَصْغُرْ
28. أستغفرُ الله من ذنبي ومن سَرَفي = إني، وإن كنتُ مستورًا لَخَطَّاءُ
لم تقتحم بي دواعي النفس معصيةً = إلَّا وبيني وبين النور ظَلْمَاءُ
29. يَا لَيْتَ شِعْرِي، كَيْفَ أَيَّامِي مَضَتْ = فِي خِفَّةٍ وَبِحِمْلِهَا هِيَ تُفْجَعُ؟!
قَدْ أُثْقِلَتْ بِذُنُوبِ عَبْدٍ لَوْ بَدَتْ = لِلْخَلْقِ أَزْكَمَتِ الْأُنُوفَ وَتَبْشَعُ
يَا رَبِّ عَبْدُكَ مُوحِلٌ بِذُنُوبِهِ = يَرْجُو النَّجَاةَ وَسَتْرَ ذَنْبٍ يَفْظُعُ
صَارَ الطَّرِيحَ بِبَابِ عَفْوِكَ دَاعِيًا = وَيَقِينُهُ أَنَّ الرَّحِيمَ سَيَسْمَعُ
فَاغْفِرْ لَهُ مَا قَدْ عَلِمْتَ وَعَافِهِ = وَارْزُقْهُ قَلْبًا ذَاكِرًا لا يَهْجَعُ
30. تَضَرُّعِي وَابْتِهَالِي = بِدَمْعِ عَاصٍ جَفَاكَ
وَصِرْتُ أَدْعُو وَأَرْجُو = مُؤَمِّلاً رُحْمَاكَ
فَارْحَمْ ضَعِيفًا مُقِرًّا = بِذَنْبِهِ قَدْ أَتَاكَ
تَبَتُّلِي وَصَلاتِي = أَدْعُو وَأَرْجُو رِضَاكَ
فَاغْفِرْ ذُنُوبِي وَهَبْنِي = فِي كُلِّ أَمْرِي هُدَاكَ
31. إلهي لا تعذِّبني فإني = مُقِرٌّ بالذي قد كان منِّي
وما لي حيلةٌ إلَّا رجائي = لعفوِكَ إن عفوتَ وحُسْنُ ظنِّي
فكم من زلَّةٍ لي في البرايا = وأنتَ عليَّ ذو فضل ومَنِّ
32. يا راكِبَ الغَيّ غيرَ مُرْتَشِدِ = شتَّانَ بينَ الضَّلالِ والرَّشَدِ
حَسْبُكَ ما قَدْ أتَيْتَ مُعْتَمِدًا = فاستغفرِ اللهَ ثمَّ لاَ تَعُدِ
33. واسْتَفْرِغ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنٍ قد امْتَلأتْ = مِنَ الْمَحارِمِ وَالْزَمْ حِمْيَةَ النَّدَمِ
وخالفِ النفسَّ والشيطانَ واعصِهما = وإنْ هُما مَحَّضَاكَ النُّصْحَ فاتَّهِمِ
وَلا تُطِعْ منهما خَصْمًا وَلا حَكمًا = فأنْتَ تَعْرِفُ كَيْدَ الخَصْمِ والحَكمِ
أسْتَغْفِرُ الله مِنْ قَوْلٍ بِلاَ عَمَلٍ = لقد نسبتُ به نَسلاً لذي عُقُمِ
34. وَلَمَّا قَسا قَلبي وَضاقَت مَذاهِبي = جَعَلتُ الرَّجا مِنّي لِعَفوِكَ سُلَّمَا
تَعاظَمَني ذَنبي فَلَمَّا قَرَنْتُهُ = بِعَفْوِكَ رَبِّي كانَ عَفْوُكَ أَعظَما
فَما زِلْتَ ذا عَفْوٍ عَنِ الذَنبِ لَم تَزَلْ = تَجُودُ وَتَعْفُو مِنَّةً وَتَكَرُّما
35. رَأَيْتُ الذُّنوبَ تُمِيتُ القلوبَ = وقد يُورِثُ الذُّلَّ إِدْمَانُها
وَتَرْكُ الذُّنوبِ حَيَاةُ القلوبِ = وخيرٌ لنفسِكَ عِصْيَانُها
المراجع
- جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 408).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 408)
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 408)
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 415).
- "الوابل الصيب من الكلم الطيب" لابن القيم (ص: 7).
- "إحياء علوم الدين" لأبي حامد الغزاليِّ (4/ 32).
- "مدارج السالكين" لابن القيم (1/ 315).
- "الوابل الصيب من الكلم الطيب" لابن القيم (ص: 7)
- "سير أعلام النبلاء" للذهبيِّ (8/ 427).
- رواه البخاريُّ (6308).
- حلية الأولياء" لأبي نُعيم الأصبهانيِّ (1/ 324).
- "الجواب الكافي" لابن القيم (93-94).
- رواه مسلم (2577).