عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «إنَّ أخْوَفَ ما أخافُ عليكم الشِّركُ الأصْغَرُ»، قالوا: وما الشِّركُ الأصْغَرُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: «الرِّياءُ؛ يقولُ اللهُ - عزَّ وجلَّ - لهم يومَ القِيامةِ إذا جُزِيَ الناسُ بأعمالِهم: اذْهَبوا إلى الذين كنتُم تُراؤون في الدُّنيا، فانظُروا هل تَجِدون عِندَهُم جزاءً؟!»

هدايات الحديث

1- احذر الرياء؛ فإنه أخوف شيء على المسلم؛ وذلك لخفائه وارتباطه بالقلب، وتطلُّع النفس إليه.

2- عجبًا لمَن يتصنَّع للناس بالزُّهد، يرجو بذلك قُرْبَه من قلوبهم، وينسى أن قلوبهم بيدِ مَن يعمل له؛ فإن رَضِي عملَه، ورآه خالصًا، لفَت القلوب إليه، وإن لم يره خالصًا، أعرض بها عنه![1]

3- كان طلحةُ بن مُصرِّف قارئَ الكوفة، فلما رأى كثرة الناس عليه، خاف من الرياء، فمشى إلى الأعمش وقرأ عليه، فمال الناس إلى الأعمش وتركوا طلحةَ[2]

4- الرياء من الشرك الأصغر، والشرك الأصغر أمرُه خطيرٌ، يَدِبُّ كدَبيب النمل، وهو أعظم من كبائر الذنوب.

5- إذا عَمِل العبد العمل للَّه خالصًا، ثم ألقى اللَّه له الثناءَ الْحَسَنَ في قلوب المؤمنين بذلك، ففرِح بفضل اللَّه ورحمته، واستبشر بذلك، لم يَضُرَّه ذلك[3]

6- حذارِ من حُبِّ الجاهِ والمنزلة؛ فإنه أصل الرياء، ويرجع إلى ثلاثةِ أُصولٍ، هي: حُبُّ لذَّةِ الحمدِ، والفرارُ من ألم الذمِّ، والطمعُ فيما في أيدي الناس[4]

7- من آثار الرياء وأضراره: حُبوط العمل وبُطلانه.

8- من آثار الرياء وأضراره: أن الرِّياء يفضحُ صاحبه يوم القيامة

عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ  قَالَ:

«مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُومُ فِي الدُّنْيَا مَقَامَ سُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ إِلَّا سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[5]

9- من آثار الرياء وأضراره: أن المرائيَ هو أول مَن تُسعَّر به النار يوم القيامة؛ لحديث النبي في الثلاثة المرائين: العالم والمجاهد والمنفِق[6]

10- ليس من الرياء إظهار شعائر الإسلام؛ كالأذانِ، والإقامةِ، والتكبيرِ، والأمرِ بالمعروفِ، والنهيِ عن المنكرِ، وعيادةِ الْمَرْضى، وتشييعِ الأمواتِ، فهذا لا يُمْكِن إخفاؤه، بشرط النية الصالحة .

11- مَن رَاءى بعمله وسمَّعه الناس؛ ليُكرموه ويُعظِّموه ويَعتَقدوا خيره، سَمَّع الله به يوم القيامة الناسَ وفَضَحَه، ومَن أراد بعمله الناسَ، أسمعه اللهُ الناسَ، وكان ذلك حظَّه منه[7]

12- قال بشر الحافي: "لأن أطلب الدنيا بمزمار أحبُّ إليَّ من أن أطلبها بالدِّين"[8]

13-

عن أبي موسى الأشعريِّ - رضِي الله عنه - قال:

خطَبَنا رسول الله  ﷺ ذاتَ يومٍ فقال: «أيُّها الناس، اتَّقوا هذا الشِّرك؛ فإنَّه أخفى من دَبِيب النَّمل»، فقال له مَن شاء الله أنْ يقول: وكيف نتَّقِيه وهو أخفَى مِن دَبِيب النمل يا رسول الله؟ قال: «قولوا: اللهمَّ إنَّا نعوذ بك من أنْ نُشرِك بك شيئًا نَعلَمُه، ونستَغفِرك لما لا نعلمه»[9]

14- إن سرور العبد عند ثناء الناس عليه وهو لا يقصد ذلك، لا يقدح في إخلاصه، ما دام بدأه بإخلاص، وخرج منه مخلصًا؛

عن أبي ذر رضي اللهُ عنه قال:

قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ  ﷺ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: «تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ»[10]

15- حذارِ من تلبيس إبليس أن يوسوس لك لتمتنع مِن فِعل خيرٍ خوفَ أن يُظَنَّ بك الرياء، فإنْ طرَقَك مثلُ هذا فلا تلتفت إليه، وامضِ في عملك؛ إغاظةً للشيطان.

16- كم من عابدٍ اعتزل في جبل، وراهبٍ انزوى إلى دير، مع قطع طمعهم من مال الناس؛ لكنه يحب مجرَّد الجاه! ومنهم من يكون قصده المال، ومنهم من قصده الثناء وانتشار الصيت [11]

17- لَقَدْ خَسِرَ السَّاعِي إِلَى غَيْرِ رَبِّهِ = نِفَاقًا وهَلْ بَعْدَ الرِيَاءِ نِفَاقُ؟!

سَتَلْقَى الَّذِي قَدَّمْتَهُ وَذَخَرْتَهُ = وِفَاقًا ألا إنَّ الجَزَاءَ وِفَاقُ

18- أيا نفسُ لا تَنْسَيْ عَنِ اللهِ فَضْلَهُ = فَتَأْيِيدُهُ مُلْكِي، وَخِذْلانُهُ هُلكي

وَلَيسَ دَبيبُ الذَّرِّ فوْقَ الصَّفاة في الظْـ = ـظَلامِ بأخفى من رياءٍ ولا شركِ

المراجع

  1.  "صيد الخاطر" لابن الجوزي (ص: 374). 
  2.  "صيد الخاطر" لابن الجوزي (ص: 292). 
  3.  "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/83). 
  4.  "مختصر منهاج القاصدين" لابن قدامة المقدسيِّ (ص: 222). 
  5.  أخرجه الطبرانيُّ (237)، وقال الهيثميُّ (10/223): إسناده حسن، وصحَّحه الألبانيُّ لغيره "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 7، ح28).
  6.   رواه مسلم (1905).
  7. "شرح صحيح مسلم" للنووي (18/ 116). 
  8.  "مختصر منهاج القاصدين" لابن قدامة المقدسي (ص214). 
  9.  " رواه أحمد (19109) بإسناد صحيح. 
  10.  رواه مسلم (2642). 
  11.  "مختصر منهاج القاصدين" لابن قدامة المقدسيِّ (ص214 - 217).


مشاريع الأحاديث الكلية