فقه
1- بيَّن النبيُّ ﷺ وحذَّر من أمرٍ خطيرٍ يُحبط العمل، وسمَّاه النبيُّ ﷺ شركًا أصغر تفرقةً بينه وبين الشرك الأكبر المُخرِج من المِلَّة.
2- فسألوه: عن الشرك الأصغر؟ لأن الشرك معلوم، وهو اتخاذ شريك مع الله تعالى فيما لا يجوز إلا لله تعالى، ولكن التفريق بين أكبر وأصغر يحتاج إلى تعريف أو مثال يتبين به الأمر.
3- فأخبرهم ﷺ بمثال منه يشرحه، ومن أنَّ أخوف ما يخافه عليهم هو الرِّيَاء، وهو أن يُظهر الإنسانُ العبادةَ ليعلمَ بها الناسُ فيحمدوه عليها ويُثنوا عليه خيرًا.
وهذا مثال للشرك الأصغر، ومن أمثلة الشرك الأصغر أيضًا: الحلف بغير الله، وقول الرجل: ما شاء اللهُ وفلانُ، والتشاؤمِ، والرُّقى المكروهة، ونحو ذلك مما لا يخالف أصلَ التوحيد مخالفةً تامَّة، ولكنه نوع من الشرك[1]
على أن هذه الأمور قد تجرِّه إلى الشرك الأكبر؛ فإن الإنسان إذا حلَف بغير الله معتقدًا تعظيمَه، وكذلك لو صدَّق الكُهَّان في زعمهم أنهم يعلمون الغيب، والرياء كذلك إنْ كان في كلِّ أعماله، أو كان في أصل الاعتقاد، وكذلك إن ظنَّ أن التمائم والرُّقى هي التي تمنع الضرَّ، وتكشف المرض، فهذا كُلُّه من الشرك الأكبر[2]
4- ثم ذكر ﷺ أنَّ الله تعالى يعاقبهم إذا كان يوم القيامة، وإذا جازى جميعَ الخلقِ، وهم انتظروا أن جزاء أعمالهم التي ظاهرها أنها عبادة، ولكنهم نووا به غير الله.
5- يقول لهم الله: اذهبوا إلى الذين كُنتم تعملون الطاعات أمامهم ليروكم ويسمعوا بكم، فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً لفعلكم؟ وهذا على سبيل الاستهزاء والاستخفاف بهم، فالله يُحبط عملهم ويُبطله
«قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، مَن عَمِل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركتُه وشِرْكَه»[3]
وغاية ما يحصّله المرائي ثناءٌ قليل ثم يعقبه الخزي، قال ﷺ: «مَن سَمَّع سَمَّع اللهُ به، ومَن رَاءَى رَاءَى اللهُ به» [4]، أي: مَن أراد بعمله الناسَ، أسمعه اللهُ الناسَ، وأراهم عمله وكان ذلك حظَّه منه العاجل، وربما فضحه الله وأسمع فيه السوء وأرى الناس فيه ما يكره [5]. وأخبر ﷺ أنَّ أوَّلَ مَن تُسَعَّرُ بهم النار يوم القيامة: مُنفقٌ وقارئٌ ومجاهد، وأنَّهم إنما فعلوا ما فعلوا مراءاةً وتشهيرًا، فلهذا حبط عملهم ولم يلقَ جزاءً[6]
اتباع
1- اقتد بهدي نبيك ﷺ في تعليم الناس، فقد استخدم النبيُّ ﷺ أسلوب التخويف وإظهار النصح في استهلال كلامه، وذلك بقوله: «أخوف ما أخاف عليكم»، وهذا الأسلوب يُثير انتباه السامع ويجذب عقله وسَمعَه. وجديرٌ بالناصح أن يتبع تلك الوسائل التشويقية التي تبعث على الانتباه.
2- الشرك الخَفِيُّ قد يفسد القلب وصاحبه لا يشعر لأنه غفل عنه، فقد يدخل الإنسان في الصلاة أو الذكر أو قراءة القرآن أو يريد الصدقة ونحو ذلك، فيرى أُناسًا فيرغب أن يروا عبادته ويسمعوا صوته، فإن جاهد نفسه وطرد عن قلبه ذلك ما استطاع لم يؤثر في عمله، أما إن استمرَّ فيها وتحوَّلت نيته من الإخلاص إلى الرياء أبطل ذلك العملَ، فراقب نفسك، وعوِّدها الإخلاص لتعتاد.
3- كان طلحةُ بن مُصرِّف -رحمه الله- قارئَ الكوفة، فلما رأى كثرة الناس عليه، خاف من الرياء، فمشى إلى الأعمش وقرأ عليه، فمال الناس إلى الأعمش وتركوا طلحةَ[7]، ولعل قصده أن يريهم فضله ولئلا يقتصروا عليه فيغترّ، ولأن قصده نفع الناس حيث كان.
4- قد يجهر العبدُ بالطاعات ليس من باب الرياء، وإنما يُحِبُّ أن يُظهر شعائر الله أو يُحيي سُنَّةً ماتت بين الناس أو يفعل ذلك ليقتدي به الناس ويتأثروا به. هذا كله ليس من الرِّيَاء، الرِّيَاءُ أن يكون هَمُّ الإنسانِ في عبادته أن يراه النَّاس وينظروا إخلاصَه وخشوعَه وعبادَته فيرضى بذلك غرورُه.
5- مما يدفع به الرياء تذكر مقام الله تعالى، وصدق التوكل عليه، والتعوذ من الرياء، وكان النبيُّ ﷺ يُحَذِّر أصحابَه منه، ويأمرهم أن يتعوَّذوا بالله منه.
فعن أبي موسى الأشعريِّ - رضِي الله عنه - قال:
خطَبَنا رسول الله ﷺ ذاتَ يومٍ فقال: «أيُّها الناس، اتَّقوا هذا الشِّرك؛ فإنَّه أخفى من دَبِيب النَّمل»، فقال له مَن شاء الله أنْ يقول: وكيف نتَّقِيه وهو أخفَى مِن دَبِيب النمل يا رسول الله؟ قال: «قولوا: اللهمَّ إنَّا نعوذ بك من أنْ نُشرِك بك شيئًا نَعلَمُه، ونستَغفِرك لما لا نعلمه» [8]
6- قد يفعل العبدُ طاعةً من الطاعات مخلصًا فيها لله تعالى، ثم يراه الناسُ ويمدحونه ويثنون عليه خيرًا، فيفرح بذلك. وهذا لا يقدح في عمله ولا يكون من الرِّياء طالما أنَّه أخلص العملَ لله تعالى
فعن أبي ذر رضي اللهُ عنه قال:
قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ : أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: «تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ»[9]
7- ليس من الرياء أن يتشجع الإنسان بحضرة الصالحين أو يستحيي، فيترك بعض المعاصي، أو يتقوى على بعض الطاعات من غير أن ينوي فيها مدحهم، وتلك من فوائد صحبة الصالحين.
8- لو أبصر المرائي حاله، لرأى أن عامة ما يرائيهم لا يقدِّرون ما يعمل، أو ينسونه بعد أن يعمل، أو ربما انتبهوا لمراءاته فنقص من قدره حيث أراد الزيادة، أو عاقبه الله تعالى بفضائح أخرى، فأفضل النجاة أن يقصد الله تعالى.
9- قال الشاعر:
لَقَدْ خَسِرَ السَّاعِي إِلَى غَيْرِ رَبِّهِ = نِفَاقًا وهَلْ بَعْدَ الرِيَاءِ نِفَاقُ؟!
سَتَلْقَى الَّذِي قَدَّمْتَهُ وَذَخَرْتَهُ = وِفَاقًا ألا إنَّ الجَزَاءَ وِفَاقُ
10- وقال غيره:
أيا نفسُ لا تَنْسَيْ عَنِ اللهِ فَضْلَهُ = فَتَأْيِيدُهُ مُلْكِي، وَخِذْلانُهُ هُلكي
وَلَيسَ دَبيبُ الذَّرِّ فوْقَ الصَّفاة في الظْـ = ـظَلامِ بأخفى من رياءٍ ولا شركِ
المراجع
- انظر: "التوحيد" لابن رجب (ص: 23)، "شرح كشف الشبهات ويليه شرح الأصول الستة" لابن عثيمين (ص: 115).
- انظر: "فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام" لابن عثيمين (6/ 357).
- مسلم (2985)، عن أبي هريرة رضي الله عته
- مسلم(2986)،عن ابن عباس رضي الله عنهما.
- انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (18/ 116)، وقارن: "فتح الباري" لابن حجر (11/345).
- مسلم (1905)، عن أبي هريرة رضي الله عنه
- صيد الخاطر" لابن الجوزي (ص: 292).
- أحمد (19109).
-
مسلم (2642).