عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ، فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْرِبَةٍ تُصْنَعُ بِهَا، فَقَالَ: «وَمَا هِيَ؟» قَالَ: البِتْعُ وَالْمِزْرُ، فَقُلْتُ لِأَبِي بُرْدَةَ: مَا البِتْعُ؟ قَالَ: نَبِيذُ العَسَلِ، وَالْمِزْرُ نَبِيذُ الشَّعِيرِ، فَقَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ»

هدايات الحديث

1. من كمال الشريعة تحريمُ كل ما يضرُّ الإنسانَ في دينه، وعقله، ونفسه، وماله.

2. إن الإسلام دينٌ سامٍ، يَحرِص على مصالح العباد، وحياتهم، دينٌ يحفظ على أتباعه عقولهم، وأبدانهم، ودينهم.

3. امتنَّ الله تعالى على عباده بما خَلَقه في الأرض؛

فقال تعالى:

﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ ‌الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾

[البقرة (219)].

وجعله طيِّبًا مباحًا لهم، وحذَّر من كلِّ ما فيه مفاسدُ ومَضارُّ لهم.

4. أحلَّ الله تعالى للخلقِ الطيِّباتِ، وهى أغلبُ ما خَلَق الله في الأرض لنا، وحرَّم عليهم الخبائث؛ 

قال تعالى:

﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَٰٓئِثَ﴾

[الأعراف: 157]

5. من الخبائثِ المحرَّمة ما يُفسِد العقولَ من الأشربة، فصان الشرع بتحريمها العقولَ عما يُزيلها ويُفسدها، فحرَّم الله تعالى الخمرَ، بيعَها وشُربها؛

قال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا ‌الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾

[المائدة: 90].

6. قيل للعبَّاسِ بنِ مِرْدَاسٍ السلمىِّ - وقد تنزَّه عن الخمر في الجاهلية وتركها -: لِمَ تركتَ الشَّرَابَ وهو يَزِيدُ في جُرأتِكَ وسماحتك؟ فقال: أَكرَه أن أُصبح سيِّدَ قومي وأُمسي سَفِيهَهم [1].

7. إن الخمر أُمُّ الخبائث، فمَن شَرِبها قَتَلَ النَّفْسَ وزَنا، ورُبَّما كَفَرَ بالله تعالى والْعِياذ بالله.

8. وجدتُ الخَمْرَ جامحةً وفيها = خصالٌ تَفْضَحُ الرجلَ الكريما

فلا واللهِ أَشْرَبُها حَيَاتي = ولا أدعو لها أَبَدًا نديمَا

وَلا أُعْطي لها ثَمَنًا حياتي = ولا أَشْفِي بها أَبَدًا سَقِيمَا

فإنَّ الخمرَ تَفْضَحُ شاربيها = وتَجْشَمُهُمْ بها أَمْرًا عَظِيمَا

إِذَا دَارَتْ حُمَيَّاهَا تَعَلَّتْ = طَوَالِعُ تَسْفَهُ الرَّجُلَ الحَلِيمَا

9. شَرِبْتُ الإثمَ حتَّى ضَلَّ عَقْلي = كَذَاكَ الإثمُ يَفْعَلُ بالعُقُولِ

10. بِئْسَ الشَّرَابُ شَرَابٌ حِينَ تَشْرَبُهُ = يُوهِي العِظَامَ وَطَوْرًا يَأْتِي بالغَضَبِ

إنِّي أَخَافُ مَلِيكي أَنْ يُعَذِّبَنِي = وفي العَشِيرَةِ أن يُزْرَى على حَسَبي

11. وَحَرَّمْتُ شُربَ الخَمْرِ لا خَوْفَ سَائِطٍ = ولكنَّها تَرمي العُقولَ بِعُقَّالِ

12. يَقُولُ جَبَانُ القَوْمِ في حَالِ سُكْرِهِ = وقَدْ شَرِبَ الصَّهْبَاءَ: هَلْ مِنْ مُبَارِزِ؟

فَفِي السُّكْرِ قَيْسٌ وابْنُ مَعْدِي وَعَامِرٌ = وفي الصَّحْوِ تَلْقَاهُ كَبَعْضِ العَجَائِزِ

13. لَعَمْرُكَ إنَّ الخَمرَ ما دُمتُ شارِبًا = لَسالِبَةٌ مالي وَمُذْهِبَةٌ عَقلي

وتارِكَتي من الضِّعافِ قُوَاهُم = وَمُورِثَتي حَرْبَ الصَّديقِ بلا نَبْلِ

14. واهْجُرِ الخَمرةَ إنْ كُنتَ فَتًى = كيفَ يَسعى في جُنونٍ مَن عَقَلْ؟

واتَّقِ اللهَ فتقوى اللهِ ما = جَاوَرَتْ قلبَ امرئٍ إلَّا وَصَلْ


المراجع

1. "نهاية الأرب في فنون الأدب" لشهاب الدين النويريِّ (4/ 89).


مشاريع الأحاديث الكلية